شهدت السنوات القليلة الماضية كثيراً من النقاش حول ”أزمة تكرار إنتاج نتائج التجارب“ Replication crisis أو ”أزمة المصداقية“ Credibility crisis في علم النفس. يبدو أنه من غير الممكن تكرار إنتاج النتائج العلمية المختلفة عندما يُجري علماء آخرون التجارب نفسها بالضبط. ينصب معظم التركيز في هذه الأزمة على سلوك العلماء: هل كانت التجارب الأصلية منحازة؟ هل كان هناك إهمال؟ هل تلاعب أحد ما بالنظام أو حتى لجأ إلى الغش؟ ولكن ربما تكون المشكلة الأكثر خطورة متجذرة بعمق في طريقة تفكير الناس.
يفترض عديد ممن يمارسون علم النفس ويستخدمونه ويكتبون عنه أن الأفكار والمشاعر والسلوكيات والنتائج النفسية الأخرى هي نتيجة لواحد أو اثنين من العوامل أو الأسباب القوية. وهذا ما يسمى ”العقلية الآلية“ Mechanistic mindset. تحاول التجارب النموذجية المستندة إلى هذه الفرضية عزل متغير variable واحد أو متغيرين، ومعالجتهما ومراقبة التأثيرات المتوسطة إلى القوية التي يسهل تكرارها. على سبيل المثال، إذا دفعنا الناس إلى الشعور بالغضب من خلال عرض مقطع فيلم ينتهك قيمهم الراسخة، فإن العقلية الآلية تقول إنهم ينبغي أن يعبسوا، وأن يرتفع ضغط دمهم، وأن يكونوا أكثر عرضةً للتصرف بعدوانية.
وفقاً للعقلية الآلية يجب أن تكون قادراً على إجراء هذه التجربة البسيطة في أي مختبر علمي، وأن تخرج بنتائج مشابهة تماماً. لا يهم في أي وقت من اليوم تُجرى التجربة وفي أي بلد تُجرى، وما جنس الباحثين، وما الثقافة التي ينتمي إليها المشاركون، وما الذي تناولوه على الإفطار، أو مقدار نومهم، وإن كان أي منهم يتناول أدوية، وما إلى ذلك. تُعامل هذه العوامل على أنها مجرد تشويش بسيط ويُعمَد إلى تجاهل تأثيرها. إذا لم تنتج التجربة الملاحظات نفسها مراراً وتكراراً، فإن الاستنتاج المنطقي هو أن الدراسة الأصلية شابتها عيوب وخلصت إلى نتيجة خاطئة.
ولكن الافتراض الأكثر واقعية هو أن النتائج النفسية لا تنشأ من مجرد بعض العوامل البسيطة والقوية. إنها تنشأ من شبكة معقدة من عديد من العوامل المتفاعلة الضعيفة، وهذا ما يسمى عقلية التعقيد Complexity mindset. الدماغ والجسم نظامان معقدان وديناميكيان. وأي متغير مُفرد في النظام سيكون له تأثير ضعيف. والأهم من ذلك أنه لا يمكننا أن نتلاعب بمتغير واحد ونفترض أن المتغيرات الأخرى ستبقى على حالها.
”قد يكون عدم القدرة على التكرار في الواقع مؤشراً على وجود اختلاف ذي مغزى“
فهم التعقيد
إذا تعاملنا مع الدماغ والجسم على أنهما نظامان آليان بسيطان، واستهدفنا متغيراً أو اثنين وتركنا البقية من دون قياس، فإن تأثير تلك الشبكة الكاملة من العوامل الضعيفة سيظهر لنا على هيئة فشل في التكرار. قد يكون عدم القدرة على التكرار في الواقع مؤشراً على وجود اختلاف ذي مغزى. لا يمكن اكتشاف بنية هذا الاختلاف ونمذجته إلا عندما يصمم العلماء تجارب لقياسه ومراقبته. على هذا النحو قد تحتاج الطريقة التجريبية الأكثر أهمية في علم النفس- التجربة المعملية- إلى إصلاح شامل من أجل رصد التعقيد وأخذه في الاعتبار.
حتى عندما يصمم العلماء التجارب بعناية مع أخذ التعقيد بعين الاعتبار، فإن نتائجهم، عند نشرها في الصحافة الشعبية، تُشرح في أكثر الأحيان باستخدام مصطلحات آلية. فالقصص الإخبارية التي تتناول العلوم تكون أبسط وأكثر قابلية للفهم عندما يكون لها عنوان لافت على مثال ”دائرة الدماغ X تسبب الخوف“ أو ”الجين Y يسبب الاكتئاب“.
هل يعاني علم النفس أزمةَ مصداقية؟ ربما، ولكن ليست تلك التي تلوكها الألسن. قد يحتاج علم النفس إلى إصلاح حاله، ليس لأن النتائج التي يتوصل إليها غير موثوق بها، ولكن لأنه يجري إهمال الاختلاف باعتباره ضوضاء Noise بدلاً من فحصه باعتباره شيئاً ذا مغزى. فالظواهر النفسية تنشأ من التعقيد، وليس من مجرد آلية بسيطة تقوم على سبب ونتيجة.
إطلالة سريعة
ما الذي يسبب صداع المثلجات؟
سواء سُمي ‘تجمُّد الدماغ’ أو ‘صداع الآيس كريم’، فإن الألم الذي تشعر به بعد تناول قضمة من الآيس كريم هو ألم شديد حقاً، وإن استمر فترة وجيزة. هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات لفهم ذلك، ولكن إحدى النظريات تقول إن المادة الباردة تحفز العقدة الوتدية الحنكية Sphenopalatine ganglion، وهي مجموعة من الأعصاب في الجزء الخلفي من الحنك. النظرية الأخرى تقول إنَّ السبب هو الانقباض والتمدد السريعان للأوعية الدموية في سقف الفم.
هل يأكل الدماغ نفسه؟
نعم، باستمرار. يُسمى ذلك البلعمة Phagocytosis وهي عملية تستهلك فيها الخلايا خلايا أو جزيئات أصغر من أجل إزالتها من النظام. هناك عدد لا يحصى من العمليات المعقدة التي تحدث بين خلايا الدماغ وداخلها وتنتج كثيراً من الركام الذي ينبغي إزالته، وإلا فإنه يتراكم ويعطل مجرى الأمور. لكنها ليست مجرد خدمة تنظيف يومية. في كثير من الأحيان تتعين إزالة الاتصالات في الدماغ أو تغييرها. ويمكن أن يحدث هذا لأن الدماغ يأكل نفسه، ولكن بطرق تجعله أفضل وليس أسوأ.
ما الديجا فو، أو وهم سبق الرؤية؟
آسف نيو، ولكن يبدو أنه ديجا فو [كما حصل في فيلم The Matrix]- إنه الشعور الغريب بأنك تختبر شيئاً حدث من قبل– هذا ليس خللاً في المصفوفة، حتى أنه ليس خللاً في ذاكرتك. على العكس تماماً: وفقاً لبحث حديث فإن ظاهرة الديجا فو هي علامة على سلامة العقل، وتحدث عندما تحاول المناطق الأمامية من دماغك تصحيح ذاكرة غير دقيقة.