أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
اكتشافات

الألبان ساعدت البشرَ القدماء على البقاء في ظروف قاسية

تغييرُ نمط الغذاء مكَّن البشرَ القدامى الباحثين عن موطن جديد من الانتقال إلى مرتفعات التبت

استهلاكُ منتجات الألبان كان أمراً حاسماً لبقاء البشر القدامى في واحدة من أكثر البيئات قسوة في العالم قبل 3,500 عام على الأقل، وفقاً لبحث جديد اُجري في معهد ماكس بلانك لعلوم الأرض Max Planck Institute of Geoanthropology في ألمانيا.

استخدم الآركيولوجيون في المعهد أداة جديدة تسمى الباليوبروتيوميكس Palaeoproteomics لتحديد موقع بروتينات الحليب في بقايا الأسنان في الهياكل العظمية القديمة، وما فاجأ الباحثين هو انتشار استهلاك الحليب في مرتفعات هضبة التبت. بعد فحص 40 فرداً في 15 موقعاً على الهضبة، وجدوا أن جميع الهياكل العظمية التي تنتمي إلى شاربي الحليب انتُشلت من مواقع تقع على ارتفاع يزيد على 3,700 متر فوق مستوى سطح البحر – حتى إنهم عثروا على مستهلك لمنتجات الألبان على ارتفاع مذهل يبلغ 4,654 متراً، هو الأعلى على الإطلاق.

توجد هذه المواقع في الجزء الشمالي والغربي من الهضبة الشاسعة حيث تصعب زراعة المحاصيل، مما يجعلها أماكن صعبة للبقاء على قيد الحياة. كان اعتماد نظام غذائي قوامه الألبان مكملاً للتكيفات التطورية المطلوبة في الارتفاعات العالية لدى سكان التبت الأوائل، مما أتاح السكن في مرتفعات هضبة التبت التي تحيط بها ظروف قاسية جداً وتفتقر إلى الموارد، وغالباً ما تُعرف باسم ”القطب الثالث“ Third pole. في المقابل لم يُعثر على شاربي الحليب في المناطق الجنوبية من الهضبة حيث الأراضي أكثر قابلية للزراعة.

قال المؤلف الرئيس للدراسة لي تانغ Li Tang إن النتائج تتبع ”نمطاً واضحاً على نحو مدهش“. لقد أظهر الباحثون أن الحليب كان أساسياً لمساعدة سكان المناطق الأعلى للبقاء على قيد الحياة حيث يمكن لحيوانات الرعي ”تحويل الطاقة المحجوزة في مراعي جبال الألب إلى حليب ولحم مغذيَّين“ مما سمح للرعاة التبتيين بالعيش والازدهار.

بقايا الأسنان يمكن أن تقدم لنا تفاصيل النظام الغذائي

قال تانغ لمجلة بي بي سي ساينس فوكس BBC Science Focus إن الفريق الذي يقف وراء الدراسة التي نُشرت في مجلة Science Advances، يعمل أيضاً على تحليل البروتينات النباتية في الكتلة الجيرية لدى الأفراد أنفسهم في محاولة لاكتشاف الأنواع الأخرى من الأطعمة التي تضمنتها وجباتهم الغذائية.

قالت د. برينا هاسيت Brenna Hassett، عالمة الآركيولوجيا البيولوجية من جامعة يونيفرسيتي كوليدج لندن University College London: ”هذه دراسة جلية تظهر بوضوح براعة الإنسان في استخدام التكنولوجيا – في هذه الحالة، صناعة الألبان – لاستنباط طرق للبقاء على قيد الحياة في بيئات جديدة… المعلومات المحفوظة في كتلة جير الأسنان المتحجر ما زال فيها ما يمكن اكتشافه عن حياة الإنسان في الماضي“.


ما الباليوبروتيوميكس؟

الباليوبروتيوميكس هي وسيلة لتحليل الأنسجة القديمة، من العظام والأسنان إلى المواد الأكثر نعومة مثل الجلد والشعر. تتضمن استخدام مطياف الكتلة Mass spectrometry لاحتساب الكتلة الدقيقة للجزيئات داخل العينة.

توفر الأداة نتائج تفصيلية رائعة – في هذه الحالة، لا تُظهر فقط أياً من الأفراد استهلكوا الحليب وأيهم لم يستهلكوه، ولكن أيضاً الأنواع التي أتى منها الحليب (المعْز والأغنام بنحو أساسي). قبل ظهور الباليوبروتيوميكس، كان على علماء الآثار الاعتماد على تحليل بقايا الحيوانات وأواني الطعام التي قدمت أدلة محدودة على استهلاك الحليب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى