أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تدقيق الحقائق

الحساسية المفرطة: هل تشبه الخجل أو الانطواء؟

في الآونة الأخيرة أعلن عدد من المشاهير أنهم “أشخاص حساسون جداً”. ماذا يعني هذا المصطلح، وكيف يمكن التعرف على هذه الحالة؟

في العام الماضي صارت المغنية لورد Lorde أحدث المشاهير الذين قالوا إنهم “أشخاص حساسون جداً” Highly sensitive person، عندما قالت لمجلة فوغ Vogue إن مواصفاتها الشخصية تعني أنها “لم تُصنع من أجل حياة نجوم البوب”، وأنها في حاجة إلى فترات طويلة من الوقت بمفردها للتعافي من متطلبات عملها.

تنضم لورد إلى نجوم آخرين، مثل كانييه ويست Kanye West ونيكول كيدمان Nicole Kidman، أطلقوا على أنفسهم أيضاً هذه الصفة، ووجدوا- على ما يبدو- أنها تساعدهم على فهم تجاربهم الخاصة.

متى ظهر مصطلح “شخص شديد الحساسية”؟

هؤلاء المشاهير لم يخترعوا مصطلح “شخص شديد الحساسية”. فقد ظهر في تقرير غامض في العام 1996 لعالمة النفس الأمريكية إيليْن آرون Elaine Aron. ثم اكتسب زخْماً وكثُر الاستشهاد به بعد وروده في ورقة بحثية تعود إلى العام 1997 شاركت في تأليفها مع زوجها آرثر آرون Arthur Aron، حين كتب الزوجان أن صفة شديد الحساسية كتعريف شخصي ترتبط بالخجل أو الانطواء، ولكنها تختلف عنهما. إضافةً إلى ذلك فإن السمة الرئيسة لكون المرء شخصاً شديد الحساسية، كما لاحظا، هي امتلاك “حساسية معالجة حسية” Sensory processing sensitivity.

“حدَّدت الدراسات اختلافات دماغية لدى ذوي الحساسية العالية مقارنةً بمجموعات التحكم”

ما حساسية المعالجة الحسية؟

استناداً إلى المقابلات التي أجراها كل من الزوجين آرون مع عشرات الطلبة الحساسين، خلصا إلى أن امتلاك حساسية المعالجة الحسية يتجلى بطرق مختلفة، بما في ذلك أن يكون المرء حساساً أكثر من المعتاد تجاه “التفاصيل الدقيقة، والفنون، والكافيين، والجوع، والألم، والتغيير، والإفراط في التحفيز، والمدخلات الحسية القوية، ومزاج الآخرين، والعنف في وسائل الإعلام، والتعرض للمراقبة”.

بوجهٍ عام، الأشخاص شديدو الحساسية- الذين قدَّر الزوجان آرون أنهم يمثلون ما بين 15 و%20 منا- يتأثرون بالعالم الخارجي أكثر من المتوسط، فهم يفكرون ويعالجون الأمور بنحو أعمق، وهم أكثر تعاطفاً.

من الجدير بالذكر أن هناك مفهوماً ذا صلة في الأدبيات البحثية النفسية، لكنه يركز أكثر على الأطفال. وهو ينص على أن أقلية من الأطفال هم مثل “الأزهار السحلبية” Orchids، في كونهم حساسين جداً لبيئة تربيتهم– فهذه الأزهار تذبل في الظروف العسيرة وتزدهر لدى حصولها على الدعم. وهذا على النقيض من الغالبية الذين هم مثل شتلات “الهندباء البرية” Dandelion التي تبقى بحالة جيدة حتى في حال إهمالها، بغض النظر عن ظروفها الإيجابية أو السلبية.

كيف يمكنني معرفة ما إذا كنتُ حساساً جداً؟

كجزء من أبحاثهما، أنشأ الزوجان آرون اختباراً جديداً للشخصية باسم مقياس الشخصية شديدة الحساسية Highly Sensitive Person Scale.

لمعرفة ما إذا كنت شخصاً شديد الحساسية، تَحققْ مما إذا كانت تنطبق عليك بعض هذه الأمثلة النموذجية من المقياس: هل تغمرك بسهولة وتستحوذ عليك المدخلاتُ الحسية القوية؟ هل تؤثر فيك الحالةُ المزاجية للآخرين؟ هل أنت حساس بنحو خاص لتأثير الكافيين؟ هل يزعجك أن تكون جزءاً من أشياء كثيرة تحدث في وقت واحد؟ هل تجفل بسهولة؟ هل تزعجك المحفزات الشديدة، مثل الأصوات الصاخبة أو المشاهد الفوضوية؟ ربما كونت فكرة عن الأمر. يوجد 27 عنصراً مثل هذه في المقياس الرسمي– وإذا زاد عدد ما ينطبق منها عليك، زاد احتمال أن تكون شديد الحساسية (إذا أردت التعمق أكثر، فستجد لدى الزوجين آرون أيضاً اختباراً مجانياً على موقعهما على الويب: hsperson.com).

لماذا بعض الناس حساسون جداً؟

يعتقد الزوجان آرون وزملاؤهما في البحث أن كون الشخص حساساً جداً هو أمر يرثه من عائلته، كما أن له أساساً بيولوجياً، بما في ذلك حساسية أكبر من المعتاد للإجهاد. على المستوى العصبي حددت عديد من الدراسات التي اعتمدت التصوير الدماغي اختلافاتٍ لدى ذوي الحساسية العالية مقارنة بمجموعات التحكم، مثل زيادة النشاط في مناطق المعالجة البصرية عالية المستوى في أثناء المهام البصرية، ونشاط أكبر في المناطق العصبية ذات الصلة بالتعاطف عند النظر إلى صور وجه شريك.

في مراجعة نُشرت في العام 2019، كتبت آرون وزملاؤها أن “الأفراد ذوي الحساسية العالية للمعالجة الحسية قد يدركون بحدسهم و‘يشعرون’ ويستوعبون المعلومات ويستجيبون لحالات الآخرين العاطفية…”، على الرغم من أنهم أقروا أيضاً بأن البحث في الأساس البيولوجي وأسباب كون الشخص شديد الحساسية “ما زال في مهده”.

في العام الماضي صارت المغنية لورد Lorde أحدث المشاهير الذين قالوا إنهم “أشخاص حساسون جداً” Highly sensitive person، عندما قالت لمجلة فوغ Vogue إن مواصفاتها الشخصية تعني أنها “لم تُصنع من أجل حياة نجوم البوب”، وأنها في حاجة إلى فترات طويلة من الوقت بمفردها للتعافي من متطلبات عملها.

تنضم لورد إلى نجوم آخرين، مثل كانييه ويست Kanye West ونيكول كيدمان Nicole Kidman، أطلقوا على أنفسهم أيضاً هذه الصفة، ووجدوا- على ما يبدو- أنها تساعدهم على فهم تجاربهم الخاصة.

متى ظهر مصطلح “شخص شديد الحساسية”؟

هؤلاء المشاهير لم يخترعوا مصطلح “شخص شديد الحساسية”. فقد ظهر في تقرير غامض في العام 1996 لعالمة النفس الأمريكية إيليْن آرون Elaine Aron. ثم اكتسب زخْماً وكثُر الاستشهاد به بعد وروده في ورقة بحثية تعود إلى العام 1997 شاركت في تأليفها مع زوجها آرثر آرون Arthur Aron، حين كتب الزوجان أن صفة شديد الحساسية كتعريف شخصي ترتبط بالخجل أو الانطواء، ولكنها تختلف عنهما. إضافةً إلى ذلك فإن السمة الرئيسة لكون المرء شخصاً شديد الحساسية، كما لاحظا، هي امتلاك “حساسية معالجة حسية” Sensory processing sensitivity.

ما حساسية المعالجة الحسية؟

استناداً إلى المقابلات التي أجراها كل من الزوجين آرون مع عشرات الطلبة الحساسين، خلصا إلى أن امتلاك حساسية المعالجة الحسية يتجلى بطرق مختلفة، بما في ذلك أن يكون المرء حساساً أكثر من المعتاد تجاه “التفاصيل الدقيقة، والفنون، والكافيين، والجوع، والألم، والتغيير، والإفراط في التحفيز، والمدخلات الحسية القوية، ومزاج الآخرين، والعنف في وسائل الإعلام، والتعرض للمراقبة”.

بوجهٍ عام، الأشخاص شديدو الحساسية- الذين قدَّر الزوجان آرون أنهم يمثلون ما بين 15 و%20 منا- يتأثرون بالعالم الخارجي أكثر من المتوسط، فهم يفكرون ويعالجون الأمور بنحو أعمق، وهم أكثر تعاطفاً.

من الجدير بالذكر أن هناك مفهوماً ذا صلة في الأدبيات البحثية النفسية، لكنه يركز أكثر على الأطفال. وهو ينص على أن أقلية من الأطفال هم مثل “الأزهار السحلبية” Orchids، في كونهم حساسين جداً لبيئة تربيتهم– فهذه الأزهار تذبل في الظروف العسيرة وتزدهر لدى حصولها على الدعم. وهذا على النقيض من الغالبية الذين هم مثل شتلات “الهندباء البرية” Dandelion التي تبقى بحالة جيدة حتى في حال إهمالها، بغض النظر عن ظروفها الإيجابية أو السلبية.

كيف يمكنني معرفة ما إذا كنتُ حساساً جداً؟

كجزء من أبحاثهما، أنشأ الزوجان آرون اختباراً جديداً للشخصية باسم مقياس الشخصية شديدة الحساسية Highly Sensitive Person Scale.

لمعرفة ما إذا كنت شخصاً شديد الحساسية، تَحققْ مما إذا كانت تنطبق عليك بعض هذه الأمثلة النموذجية من المقياس: هل تغمرك بسهولة وتستحوذ عليك المدخلاتُ الحسية القوية؟ هل تؤثر فيك الحالةُ المزاجية للآخرين؟ هل أنت حساس بنحو خاص لتأثير الكافيين؟ هل يزعجك أن تكون جزءاً من أشياء كثيرة تحدث في وقت واحد؟ هل تجفل بسهولة؟ هل تزعجك المحفزات الشديدة، مثل الأصوات الصاخبة أو المشاهد الفوضوية؟ ربما كونت فكرة عن الأمر. يوجد 27 عنصراً مثل هذه في المقياس الرسمي– وإذا زاد عدد ما ينطبق منها عليك، زاد احتمال أن تكون شديد الحساسية (إذا أردت التعمق أكثر، فستجد لدى الزوجين آرون أيضاً اختباراً مجانياً على موقعهما على الويب: hsperson.com).

لماذا بعض الناس حساسون جداً؟

يعتقد الزوجان آرون وزملاؤهما في البحث أن كون الشخص حساساً جداً هو أمر يرثه من عائلته، كما أن له أساساً بيولوجياً، بما في ذلك حساسية أكبر من المعتاد للإجهاد. على المستوى العصبي حددت عديد من الدراسات التي اعتمدت التصوير الدماغي اختلافاتٍ لدى ذوي الحساسية العالية مقارنة بمجموعات التحكم، مثل زيادة النشاط في مناطق المعالجة البصرية عالية المستوى في أثناء المهام البصرية، ونشاط أكبر في المناطق العصبية ذات الصلة بالتعاطف عند النظر إلى صور وجه شريك.

في مراجعة نُشرت في العام 2019، كتبت آرون وزملاؤها أن “الأفراد ذوي الحساسية العالية للمعالجة الحسية قد يدركون بحدسهم و‘يشعرون’ ويستوعبون المعلومات ويستجيبون لحالات الآخرين العاطفية…”، على الرغم من أنهم أقروا أيضاً بأن البحث في الأساس البيولوجي وأسباب كون الشخص شديد الحساسية “ما زال في مهده”.

ربما ليس من المستغرب أن مساراً بحثياً آخر قد وثق أن الأشخاص ذوي الحساسية العالية أكثر عرضة للمعاناة النفسية والعاطفية. هناك أيضاً روابط ما زال يتعين حلها بين مواصفات الشخصية الحساسة وحالات مثل التوحد التي تنطوي أيضاً بصورة متكررة على حساسية حسية متزايدة.

قالت نيكول كيدمان خلال مقابلات أُجريت معها إن معظم الممثلين هم أشخاص حساسون جداً

كيف يمكن لذوي الحساسية العالية أن يتأقلموا مع الإجهاد أو الشعور بأنهم يواجهون كثيراً من الضغوط؟

لمن يعتقدون أنهم ربما يكونون أشخاصاً شديدي الحساسية، قالت آرون وزملاؤها إنهم يحتمل بنحو خاص أن يستفيدوا من التدخلات القائمة على اليقظة الذهنية Mindfulness لمساعدتهم على التعامل مع مشاعر الإجهاد أو التعرض لضغوط كثيرة، أو في الواقع أي نوع من التدخل يمنحهم أدوات لإدارة عواطفهم وتفاعلهم العاطفي (يمكن التفكير في العلاج السلوكي المعرفيCognitive behavioural therapy، على سبيل المثال، أو العلاج المعرفي القائم على اليقظة الذهنية، أو العلاج بالقبول والالتزام Acceptance and commitment therapy). تقول آرون وزملاؤها إن إدراك أنك شخص شديد الحساسية يمكن أن يكون خطوة أولى مهمة.

إذا كان مفهوم الشخص شديد الحساسية يجد صدى لديك ويساعدك على إدارة صحتك النفسية، فهذا بالتأكيد شيء جيد. ولكن من الجدير بالذكر أيضاً أنه من منظور علمي، فإن المفهوم ليس بمنأى عن الانتقادات. إذ يعتقد عديد من الباحثين في مجال الشخصية أن مفهوم الشخص شديد الحساسية لا يختلف حقاً عن كونه انطوائياً جداً أو متفاعلاً عاطفياً جداً (أي إنه عُصابي جداً Highly neurotic) ومنفتح على التجارب، وهي جميع جوانب الشخصية التي تنطبق بالفعل على نموذج الشخصية المعروف باسم سمات الشخصية الخمس Big Five model الشهير والراسخ. على سبيل المثال، في نقد إحصائي مفصل نُشر في العام الماضي، خلص اثنان من علماء النفس الألمان إلى أنه في حين أن ورقة الزوجَين آرون المؤثرة المنشورة في العام 1997 “قدمت بعض الأفكار المثيرة للاهتمام”، فإن واقع الأمر أيضاً أن “الأساس التجريبي لحساسية المعالجة الحسية ضعيف حالياً”.


د. كريستيان جاريت Christian Jarrett

كريستيان عالم أعصاب معرفي وكاتب علوم ومؤلف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى