الفتيات في مجالات العلوم
بقلم: أليس ليبسكوم- ساوثويل
لماذا تنفر الفتيات من دراسة العلوم؟
كثير من الفتيات لا يفضلن دراسة العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في المستوى التعليمي A-level والجامعة. لذلك أردنا معرفة سبب بُعدهن عن دراسة مواد بعينها…
تظل نحو 40,000 وظيفة شاغرة كل عام في المملكة المتحدة في المجالات العلمية STEM – وهي اختصار «العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات». وما يزيد الوضع سوءا هو ترك النساء للوظائف العلمية وهن محبطات نتيجة التحيز الجنسي sexism والنزعة الذكورية وغياب فرص الترقي الوظيفي. وفي السنوات المقبلة، سيكون استبدال أولئك النساء أمراً صعباً بسبب قلة عدد الفتيات اللاتي يدرسن العلوم الأساسية في المدارس والكليات والجامعات عن عدد الفتيان. وفي المستوى الرفيع، يختار %19 فقط من الفتيات المواد العلمية STEM، مقابل %33 من الفتيان. والوضع سيِّئ بصفة خاصة في الرياضيات والفيزياء: في العام الماضي درس 59,270 فتى مادة الرياضيات في المستوى العالي A-level، مقابل 38,357 فتاة، ودرس 2,422 فتى مادة الفيزياء، مقابل 8,384 فتاة.
وفي عشية اليوم العالمي للنساء في مجالات العلوم International Women in Science Day، الذي حّل في 11 فبراير، نود أن نكتشف السبب المحدد وراء عزوف الفتيات عن دراسة بعض هذه المواد، وما الذي يمكن عمله لمنع حدوث ذلك.
استطلعنا آراء نحو 100 من قارئات مجلة «غيرل توك Girl Talk»، وهي مجلة تستهدف الفتيات اللائي تتراوح أعمارهن بين 7 و11، لنستكشف رأيهن في دراسة العلوم. أرسلنا استبيانات لما يزيد على 1,000 طالب وطالبة تتراوح أعمارهم بين 11 و14 سنة لمعرفة أكثر وأقل المواد المدرسية المفضلة لديهم، ومثلهم العليا وطموحاتهم المهنية. وأخيراً، أرسلنا استطلاعات رأي
لنحو 2,000 شخص بالغ نسألهم فيها تذكّر المشورة المهنية التي تلقوها في المدرسة.
كشفت النتائج الكثير. فعندما طلبنا إلى من تتراوح أعمارهم بين 11 و14 سنة اختيار أكثر ثلاث مواد مفضلة لديهم؛ لمسنا فارقاً ملحوظاً بين الجنسين: بالنسبة إلى الفتيات، جاء الرسم في المقدمة، وتقاسم المركز الثاني كل من اللغة الإنجليزية والأدب المسرحي (الدراما). أما بالنسبة إلى الفتيان، فقد احتلت الصدارة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT)/ الحوسبة، تليها التربية البدنية PE والرياضيات. وعندما سألنا من تمت مقابلتهم عن سبب تفضيلهم لتلك المواد، كان رد %38 من الفتيات (يناظرهن %28 من الفتيان) «لأنني أحب المعلم». أوضح بحث سابق أجراه معهد الفيزياء Institute of Physics، الأهمية الكبرى لدور المعلمين في تحديد طموحات الفتيات. وتقول بيث براملي Beth Bramley، مديرة الموازنة بين الجنسين في معهد الفيزياء Institute of Physics: «لقد تربت الفتيات على أن يكنّ أكثر تحفظاً. تستجيب الفتيات على نحو أفضل للتشجيع، ولإيمان المعلمين بقدراتهن، ويبدين حماساً كبيراً للمادة – أكثر مما يهمن جنس المعلم».
نقطة التحول
ومع ذلك؛ ففي سن أصغر، كانت الفتيات اللاتي تمت مقابلتهن مستمتعات حقاً بالعلم، وبالتجارب على وجه الخصوص، ومن ثمَّ فهناك أمر ما يحدث عند دخول الفتيات المرحلة الثانوية تقريباً، ويبعدهن عن دراسة المواد العلمية. وفقاً لبراملي، ربما يتعرضن للتهميش عندما يأتي وقت تنفيذ العمل الممتع. كما قالت براملي: «في التجارب العلمية، إذ تركت زمام الأمور للشباب، فسيكون الفتيان هم من يجرون التجارب، في حين تتراجع الفتيات للخلف ويقمن بتسجيل الملاحظات». ولكنها تقول إنها هناك طرقاً سريعة لعلاج هذه المشكلة. وفي العمل الجماعي بإمكان المعلمين تخصيص أدوار محددة للطلاب، فيمكن مثلاً أن يقوم أحد الطلاب بتسجيل الملاحظات ويكون طالب آخر مسؤولاً عن إحدى أدوات التجربة. ويمكن تبديل تلك الأدوار في كل حصة، لكي تتسنى للجميع فرصة للقيام بجميع المهام. وهناك أدلة على أنه إذا ما أجرت التجربة فتاة وتولت زمام القيادة لمرتين، ستزداد ثقتها بنفسها عند تنفيذ المهام التي تنطوي عليها التجربة.
وتلك الثقة بالنفس هي عامل رئيسي لتشجيع المزيد من الفتيات على دراسة المواد العلمية. وبسبب التحيز اللاواعي والتحيّز الجنسي والعديد من القوالب النمطية المتعلقة بدور الجنسين، تكون الفتيات أقرب احتمالاً من الفتيان للاعتقاد أنهن لا يمتلكن الكفاءة الكافية لمواصلة دراسة مواد مثل الرياضيات والفيزياء في المستوى العالي A-level، والتي ينظرن إليها على أنها مواد لفائقي الذكاء وحدهم. وتقول براملي: «هناك [أيضاً] التهديد الذي تمثله القوالب النمطية المتعلقة بمن سيدرس في ذلك الصف. وإذا أبليت حسناً في الفيزياء؛ فمن المرجح عادة أنك حصلت على درجات جيدة في اللغة الإنجليزية واللغة الفرنسية والتاريخ. ويرجح أن جميع أصدقائك يبلون حسناً في التاريخ واللغة الفرنسية، لذلك في تلك اللحظات، حتى وإن حصلت على [الدرجات الجيدة اللازمة]، فلن ترى نفسك على مسار قد يقودك لتصبح عالماً». وفي سن ثورة الهرمونات، يكون المزاج متقلباً وتتسم مجموعات الأصدقاء بالتغيّر، ولذلك قد يصعب على الشباب اتخاذ القرارات الصعبة بشأن اختيار المواد التي سيدرسونها. وفي الواقع هناك مجموعة متنامية من الأبحاث التي تظهر وجود اختلافات بين أدمغة المراهقين والبالغين. «تتطور أجزاء مختلفة من الدماغ بمعدلات مختلفة، وخلال فترة المراهقة، تتطور خلايا الدماغ الخاصة بالمكافآت الاجتماعية بوتيرة أكبر بكثير من الخلايا الدماغية المتعلقة بمهارات حل المشكلات والتخطيط واتخاذ القرارات»، كما تقول اختصاصية علم النفس السريري، د. لوسي مادوكس Lucy Maddox.
هذا منطقي، فالمراهقون حريصون على التأقلم ولا أحد يود أن يُلقب بالطالب الذي يحفظ عن ظهر قلب، لذلك فقد يكون اختيار مواد اكتسبت سمعة لكونها «سهلة» أمراً مغرياً. وربما كان من الأفضل لهم لو سمحنا لهم إبقاء خياراتهم مفتوحة لفترة أطول، بالسماح لهم بدراسة طيف أوسع من المواد. وخصوصاً لو لم تكن أدمغتهم مستعدة تماماً لاتخاذ قرارات ستؤثر في بقية حياتهم.
المشورة المهنية
على الرغم من حرص الشباب على الاستقلالية، فهم لا يأنفون من طلب المشورة: فثلاثة أرباع المستجيبين للاستبيان أخبرونا بأنهم اتبعوا توجيه آبائهم بخصوص المدرسة والحياة المهنية، وقال نصفهم إنهم أبدوا اهتماماً برأي المعلمين. وعلى الرغم من أن رغبتهم في الاستماع لنصائح الكبار مشجعة، فإنها تعني أيضاً أنه عندما يخبرك مستشارك المهني بأن وظيفتك المثالية هي عامل بناء، فقد تقودك تلك المشورة- حتى وإن أعطيت بحسن نية- إلى مسار مهني تندم عليه لاحقاً في حياتك. والدليل على ذلك: فقد قيل لمحرر مجلة مدار BBC Science world، دانييل بينيت Daniel Bennett أنه يجب أن يصبح بستانيا لتزيين الحدائق… سيشعر قرَّاء هذه المجلة بالارتياح أنه لم يتبع هذه النصيحة؛ لأن مهاراته أكثر ملاءمة للتحرير من العمل في الحدائق (على الرغم من انبهاري بقدرته على إبقاء النبتة على مكتبه حية طوال الستة أشهر الماضية).
بمناسبة الحديث عن المهن، فالخيارات المفضلة للفتيات- اللاتي تتراوح أعمارهن بين 11 و14 سنة- هي التدريس والمهن الطبية والطب البيطري/ العمل في حديقة الحيوان. ويتفق ذلك مع الحملة من أجل العلوم والهندسة Campaign for Science and Engineering، التي وجدت أن الآباء يحرصون على أن تصبح بناتهم معلمات وطبيبات وممرضات، ولكنهم أرادوا أن يصبح أبناؤهم مهندسين وعلماء وتجاراً.
ولكن حتى إذا أرادت الفتيات بصدق اتباع تلك المسارات المهنية، فلن يكون حينئذ للمواد المفضلة لديهن (الرسم واللغة الإنجليزية والدراما) نفس فائدة المواد العلمية الأساسية STEM (العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات) في مساعدتهن على بلوغ أهدافهن. وهناك أمر غير منطقي هنا. بالتأكيد، فعندما حاورنا البالغين، ذكر أكثر من نصفهم أن المشورة المهنية التي تلقوها في المدرسة كانت رديئة المستوى، فلم يزد تقييمهم لجودتها عن %12 فقط. وقال واحد تقريباً من كل خمسة من المستجيبين للاستبيان إنه غير راضٍ عن اختياره بخصوص تعليمه المتقدم، في حين وافق أقر أكثر من الثلث بأنه كان بإمكان مشورةٍ أفضل أن تبدل المسار الوظيفي الذي اتبعوه. ويمثل هذا نسبة هائلة من البالغين الذين يتوجهون إلى عملهم كل يوم، ويشعرون بعدم الرضا ويراقبون الدقائق وهي تمر ببطء حتى يحين موعد عودتهم للمنزل.
ولكن هل التوجيه المهني أفضل حالا اليوم؟ هذا الأمرتروك للنقاش. ففي عام 2015 أنشأت الحكومة البريطانية هيئة المهن والمشروعات Careers & Enterprise Company (اختصارا: الهيئة CEC) من أجل مدِّ يد العون للطلاب لتحقيق أهدافهم المهنية. وبعد ذلك، في ديسمبر 2017، أعلنت استراتيجية حكومية جديدة للوظائف والمهن، ونصت على ضرورة تلبيتها لمعيار ذهبي مؤلف من ثمانية «معايير غاتسبي القياسية» Gatsby benchmarks، لتوفير أفضل تعريف بالمهن في المدارس والكليات، التي ستحققها المدارس بمساعدة الهيئة CEC. وتلك المعايير القياسية: هي برنامج قوي للمهن؛ والتعلم من معلومات سوق العمل والمهن؛ وتلبية احتياجات كل تلميذ؛ وربط تدريس المناهج بالمهن المطلوبة؛ والالتقاء بكل من الموظفين وأرباب العمل؛ وخبرات أماكن العمل؛ وعقد لقاءات بخصوص التعليم المتقدم والعالي؛ والتوجيه والإرشاد الشخصي. ومع ذلك، فوفقاً لتقرير هيئة المهن والمشاريع لعام 2018، ففي المتوسط تحقق المدارس اثنين فقط من المعايير القياسية الثمانية، و%18 من المدارس لا تحقق أيّاً منها على الإطلاق.
مستقبل أفضل
ومع ذلك، فليست كل الأخبار سيئة. ومؤخراً، دمجت دراسة لمعهد الفيزياء بعنوان مشروع درايسون التجريبي The Drayson Pilot بين ثلاثة مسارات بحثية لمعرفة إمكانية تطوير خبرات الفتيات في مجال الفيزياء. عمل أول المسارات البحثية على ثقة الفتيات بأنفسهن، عن طريق تقديمهن للأندية اللا – صفِّية في المناهج الدراسية Extracurricular clubs ولمتحدثين من الخارج. وبحث المسار البحثي الثاني في التعليم الشامل Inclusive teaching والتحيز اللاواعي، وعرَض نطاقاً واسعاً من الفيزيائيين على الطلاب. كما تعرف الطلبة بالعلاقة بين الفيزياء والمسارات المهنية المستقبلية. أما المسار البحثي الثالث؛ فهو نهج يشمل المدرسة ككل، بمن في ذلك المعلمون والآباء. من خلال تطبيق هذه المسارات البحثية الثلاثة معاً في ست مدارس لأكثر من سنتين، ازداد عدد الفتيات اللاتي اخترن مادة الفيزياء كمستوى عالي A-level بأكثر من ثلاثة أضعاف.
تقول براملي: «يوضح هذا أن للمدارس دوراً لتؤديه وأن بإمكانها فعل شيء إيجابي. تُظهر مشروعات كهذه أنه حيثما وجدت بنية مُهيَّئة، فبوسعها إحداث تأثير هائل على خيارات الشباب».
كما أن الأخبار الإيجابية لا تنتهي. فهناك جائزة العمل الجنوسية Gender Action Award، وهي وسام شرف يُمنح للمدارس المتميزة في المساواة بين الجنسين، التي أطلقتها مؤخراً كلية كينغز كوليدج لندن King’s College London، وجامعة يونيفيرسيتي كوليدج لندن University College London ومجلس اللغات الحديثة ومعهد الفيزياء.
وهذه الجائزة تدرس التغير الثقافي في المدارس والمُعد ليعالج التحيز والقوالب النمطية الجنوسية، وتطالب المدارس بتحميل دليل يمكن تقييمه وتكريمها بناء عليه. وقد تلقت الجائزة تمويلاً من عمدة لندن، وستُنفذ في المدارس الابتدائية والثانوية في العاصمة. ومن المخطط له أن تطبّق على المستوى الوطني لأول مرة في عام 2020.
وهذا يقربنا خطوة من عالمٍ يمتلك فيه الصغار حرية اختيار المواد والمهن التي يرغبون فيها، من دون القلق بشأن العبء الناجم عن التوقعات الجنوسية.
وتقول مديرة الحملة وعالمة الفيزياء، د. جيس ويد: «سواء كانت موادَّ، أم نظماً إيكولوجية أم أجسامنا، فالعلم يتعلق بتوجيه أسئلة حول العالم المحيط بنا- ونحن بحاجة لأكبر عدد ممكن من الأصوات لتوسيع حدود فهمنا. وأنجح الأبحاث العلمية وأكثرها تشويقاً هي التي يعمل معاً أشخاص من ثقافات وخلفيات مختلفة ومن بقاعٍ شتى حول العالم. ولو أردنا أن يحقق العلم المنفعة للمجتمع بأسره؛ لوجب أن يشارك الجميع في النقاش».