أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تعليق

تحذير جديد من ثقب طبقة الأوزون

بعد عقود من الاستنفاد بسبب مركَّبات الكلوروفلوروكربون، بدأت طبقة الأوزون المحيطة بكوكب الأرض تتعافى ببطء. لكن تغيُّر المناخ يُعقد العملية، ومن ثم يهدد الحياة في القارة القطبية الجنوبية

من دون طبقة الأوزون، لن تكون هناك حياة على الأرض. تمتص طبقة الأوزون الموجودة في طبقة الستراتوسفير الأشعة فوق البنفسجية الأكثر ضرراً، وتحمي الكائنات الحية من الموت بتأثير قوة الشمس. لكن طبقة الأوزون المحيطة بالأرض تعاني – للأسف – ضعفاً كبيراً.

في ثمانينات القرن العشرين، وفي حين كان بعض العلماء في القارة القطبية الجنوبية، أنتاركتيكا، يقيسون كمية الإشعاع الشمسي الواصل إلى الكوكب، اكتشفوا ثقباً في طبقة الأوزون. وكان السبب وراء ذلك اختلاطَ مواد كيميائية من صنع الإنسان بجزيئات الأوزون وتدميرها.

كانت مجموعة المواد الكيميائية المسؤولة عن ذلك في المقام الأول عبارة عن مركَّبات الكلوروفلوروكربون، المعروفة اختصاراً بالمركبات CFCs. وكان لهذه المركَّبات عدد كبير من الاستخدامات الصناعية، وخاصة كمبرِّدات.

ولحسن الحظ، أولى العالم هذه القضيةَ اهتمامَه. وفي العام 1987، بعد عامين من نشر الدراسة الخاصة بأنتاركتيكا، وقَّع قادة العالم في قمة عُقدت في مونتريال على معاهدة دولية للتخلص التدريجي من تلك المواد الكيميائية التي تستنفد طبقة الأوزون. وعُرف ذاك الاتفاق باسم بروتوكول مونتريال Montreal Protocol، وما زال يُعَد هو المعاهدة البيئية الأكثر نجاحاً في التاريخ.

وحالياً، بعد مرور أربعة عقود، تُظهر الأبحاث أن النشاط البشري يهدد بإضعاف هذا الإنجاز العالمي.

لم تتعافَ طبقة الأوزون بالكامل بعد، ولكنها على الطريق الصحيح. ففي العام 2022، حقق العالم إنجازاً كبيراً في تعافي طبقة الأوزون مع انخفاض التركيز الإجمالي للمواد المستنفِدة للأوزون في طبقة الستراتوسفير في خطوط العرض المتوسطة إلى المستويات المسجلة في العام 1980. ووصفت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في الولايات المتحدة الأمريكية US National Oceanographic and Atmospheric Administration الأمرَ بأنه ”تقدُّم بطيء ولكن ثابت“.

كشف الانتكاسة الأخيرة علماء يراقبون من كثب ثقبَ طبقة الأوزون الذي ما زال يظهر كل عام في سماء القارة القطبية الجنوبية.

في الوقت الحاضر، تُشاهد سنوياً فوق القارة القطبية منطقة استُنفد فيها الأوزون إلى حد كبير، وذلك أساساً بسبب التفاعلات الكيميائية التي تحدث في درجات حرارة منخفضة جداً والسحب المرتفعة في الغلاف الجوي. هذه التفاعلات التي تسبب تفكيك جزيئات الأوزون تؤدي إلى ”تآكل“ طبقة الأوزون.

يظهر الثقب ثم يختفي مع بلوغ التفاعلات الموسمية في طبقة الستراتوسفير ذروتَها، ومن ثم ترجعها إلى أدنى مستوياتها. وهي تبلغ ذروتها عادةً في شهري سبتمبر وأكتوبر. ولحسن الحظ فإن هذا هو الوقت الذي تكون فيه معظم النباتات والحيوانات البرية مختبئة في أمان تحت غطاء من الثلج، وعديد من الحيوانات البحرية في أمانٍ بفضل الجليد البحري.

ولكن في السنوات الأخيرة، بقي الثقب ملحوظاً حتى شهر ديسمبر، أي حتى وقت متأخر من صيف القارة القطبية الجنوبية، وهو الوقت الذي تكون فيه النباتات والحيوانات أكثر عرضة للخطر.

يعني هذا أن شدة الأشعة فوق البنفسجية التي تصل إلى القارة القطبية الجنوبية قد تكون مماثلةً لتلك التي نراها في سيدني بأستراليا في يوم صيفي. وكما قالت لي العالمةُ المختصة بتغير المناخ البروفيسورة شارون روبنسون Sharon Robinson من جامعة ولونغونغ University of Wollongong في أستراليا: ”بلغ الأمر مستوى متطرفاً حقاً“. 

مطلع الصيف هو أيضاً موسم الذروة للتكاثر لدى عديد من الحيوانات، ومن ثم فهو فترة حساسة على نحو خاص في دورة حياتها. 

فيكتوريا غيل
فيكتوريا مراسلة علمية في بي بي سي نيوز BBC News حازت عديداً من الجوائز. يمكن متابعة تقاريرها في التلفزيون والراديو والإنترنت
نحن نضع كريمات واقية من أشعة الشمس ونظارات شمسية لنتقي بعضاً من أشعة الشمس فوق البنفسجية التي يمكن أن تزيد من خطر الإصابة بسرطان الجلد وإعتام عدسة العين Cataracts. لكن ثدييات القارة القطبية وطيورها لا تمتلك مثل هذه التدابير الوقائية، وهي عُرضة – وفقاً للعلماء – لمخاطر مماثلة من جراء الأشعة فوق البنفسجية. وفي حين أن جلد الحيوانات المغطاة بالفراء أو الريش محمي من تلك الأشعة، يخشى العلماء من أن الخطر الأكبر على حيوانات القارة القطبية الجنوبية هو الضرر الذي يلحق بأعينها.

والسبب وراء هذه الفترة الطويلة من استنفاد الأوزون الذي يمكن أن يسبب الموت بسيط: إنه تغير المناخ.

أدت حرائق الغابات المدمرة الناجمة عن الاحترار العالمي Global warming في أستراليا بين العامين 2019 و2020 إلى تشكل سحب من الجسيمات في الغلاف الجوي أدت إلى مزيد من التفاعلات المسببة لتآكل الأوزون التي خلفت كثيراً من الضرر الذي بلغ مستوًى لم نشهده في تاريخنا.

ومن المفارقات أن بعض التجارب المطروحة لتبريد المناخ، وهي ما يسمى بتقنيات الهندسة الجيولوجية (الأرضية) Geoengineering techniques، تقترح ”تكوين السُّحب“ Making clouds من خلال إطلاق جزيئات الكبريتات في الغلاف الجوي العلوي. لكن هذا من شأنه أن يؤدي أيضاً إلى استنفاد الأوزون، ومن ثم فهي، وفق روبنسون: ”فكرة سيئة“.

”حريٌ بنا أن نستجيب للنداء الآتي من القارة القطبية الجنوبية“

حريٌ بنا أن نستجيب للنداء الآتي من القارة القطبية الجنوبية. فهو يأتي من قارة متجمدة محاطة ببحر جليدي، وكلاهما يؤدي دوراً حيوياً في تبريد المناخ العالمي.

لم يعُد في وسعنا أن نكتفي بالقول إن طبقة الأوزون تتماثل للشفاء ونعبر عن رضانا بذلك. وأهم ما يمكننا فعلُه لمساعدة القارة القطبية الجنوبية، ومن ثم مساعدة أنفسنا، هو التحرك لمواجهة تغيُّر المناخ والحد من الانبعاثات الكربونية في أسرع وقت ممكن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى