أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تعليق

التأكيدات الإيجابية: هل يمكنها تحسين حياتنا؟

هل يمكن لهشتاغ متلازمة الفتاة المحظوظة #LuckyGirlSyndrome، أحدث تقليعة على تطبيق تيك توك TikTok، أن يضر أكثر مما ينفع؟

انتشرت على تيك توك تقليعةٌ تحت هشتاغ متلازمة الفتاة المحظوظة #LuckyGirlSyndrome الذي حظي وقت كتابة هذا التقرير بأكثر من 600 مليون مشاهدة. وهناك عدد كبير من النساء المشهورات على تيك توك TikTokers اللواتي يقدمن أنفسهن على أنهن قادرات على شرح هذا المفهوم.

هؤلاء يدَّعِين بنمط مشترك أنهن بمجرد أن بدأن في تكرار المانترا أو ”الإيحاءات الإيجابية“ على أساس منتظم، مثل ”أؤمن حقاً بأن ما يحدث لي هو أحسن ما يمكن“، أو ”كل شيء ينتهي على خير بالنسبة إليّ بغض النظر عما تبدو عليه الأمور في وقت ما“، صادفهن حظ وحصلن على ما كُنَّ يُرِدْنه.

على سبيل المثال توضح إحدى مروِّجات الطريقة النموذجيات التي تنسب الفضل إلى هذه الطريقة في إطلاقها مشروعاً تجارياً ناجحاً، وبناء دائرة صداقات جديدة وأكثر من ذلك بكثير، قائلة: ”إذا عدتُ إلى شعار ’أنا محظوظة جداً، فكل شيء يسير دائماً لمصلحتي‘، وهذا حقاً يثير شعوراً بالحظ لديك، ويشحذك بالحماسة ويغير تردداتك تماماً… وسوف يجذب تماماً أشياء مختلفة إلى حياتك“.

تقترن التقليعة بنوع من العلوم الزائفة Pseudoscience التي تحمل أسماء مختلفة، مثل ”قانون الافتراض“ و”قانون الجذب“ و”الظهور“ – بنحو أساسي، إذا تصرفتَ كأن الأشياء الجيدة تحدث لك دائماً، فإنها ستحدث. هذا صدى ”الترتيب الكوني“ (الذي دافع عنه النجم التلفزيوني نويل إدموندز Noel Edmonds – هل تذكرونه؟)، وهو اعتقاد العصر الجديد أنك إذا دونتَ قائمة بالأشياء التي تتمنى حدوثها، فسوف تتحقق.

من منظور علمي، مثل هذه المفاهيم الدرامية هي في ظاهرها مجرد هُراء. أشار النقاد أيضاً، عن حق، إلى احتمال حدوث ضرر في نشر فكرة أن عديداً من الأشخاص الذين يواجهون صعوبات في الحياة يتحملون اللوم لعدم كونهم إيجابيين بما فيه الكفاية، ومن ثم عدم التركيز على المظالم المؤسسية والمجتمعية – أو أن سوء الحظ بالمفهوم القديم – هو المسؤول حقاً عن محنتهم.

”بعدَ تبنِّي فلسفة الفتاة المحظوظة، ينسب مشاهيرُ تيك توك إليها أي شيء حسنٍ يحدث تالياً“

ومع ذلك يقسِم كثير من مشاهير التيك توك TikTokers على أن طريقة التأكيد الإيجابي غيرت حياتهم. هذا بلا شك بسبب التحيز التأكيدي Confirmation bias – بعد تبني فلسفة الفتاة المحظوظة – ينسبون إليها أي شيء حسن يحدث تالياً. ويعزفون عن أخذ النتائج السيئة في الاعتبار، ويفسرونها على أنها إشارات مؤقتة.

ما جوانب علم النفس الأخرى المؤثِّرة هنا؟ إن مجرد الرغبة في حدوث شيء ما يمكن أن يكون غير فعال، لكن عديداً من المدافعين عن هشتاغ متلازمة الفتاة المحظوظة، يتحدثون بلغة قوة التفكير الإيجابي. هل هناك أي حقيقة وراء فكرة أن ترديد عبارات تؤكد الذات يمكن أن ينمي عقلية إيجابية تعود بالفعل بسلسلة من الفوائد في الحياة؟

هنا يمكن لعلم النفس أن يشرح الأمر بدقة أكثر. من ناحيةٍ تشير الأدبيات البحثية إلى أن إخبارك نفسَك بأنك محظوظ وتخيلَك أهدافَك – ولكن من دون المبادرة وفعل أي شيء لتحقيق تلك الأهداف – من المحتمل، إذا أتى بشيء، أن يأتي بنتائج عكسية. هناك تقنية قائمة على الأدلة تُعرَف باسم ”التباين العقلي“ Mental contrasting وهي تُظهر أنه في الواقع هناك احتمال أكبر لتحقيق أهدافنا إذا أمضينا وقتاً في التفكير في المشكلات والعقبات التي تنتظرنا. ما يجعل هذا التفكير مفيداً هو أنه يساعدنا على توقع الصعوبات المستقبلية وإيجاد حلول لها.

من ناحية أخرى هناك عدد كبير من الأبحاث التي تُظهر فوائد التفاؤل بوجه عام في الحياة. في المتوسط يميل المتفائلون إلى أن يكونوا أكثر سعادة ويعيشوا فترة أطول ويتمتعوا بصحة أفضل. يُعتقد أن السبب في ذلك هو أن وجود توقعات إيجابية يقلل بنحو طبيعي من القلق والتوتر. 

يتحمس المتفائلون أيضاً بفضل نظرتهم الإيجابية لاستثمار الوقت والجهد من أجل تحقيق أهدافهم ومراعاة اهتماماتهم. حتى أن هناك تمريناً متفقاً عليه قائماً على الأدلة، يُعرف باسم ”أفضل (تدخل) ذاتي ممكن“ Best possible self intervention يتضمن قضاء الوقت في تخيُّل نفسك في المستقبل مع تحقيق كل أحلامك ورغباتك، وقد ثبت أنه يزيد من مستوى التفاؤل لدى الناس.

لاحِظْ أن هذا الخط من البحث لا يدعم فكرة هشتاغ متلازمة الفتاة المحظوظة المبسطة القائلة بأن القول بأنك محظوظ يجعلك محظوظاً، لكنه يُلمح إلى فوائد محتملة من كونك متفائلاً ومحفزاً (خاصة إذا أتْبعتَ ذلك بالعمل الجاد).

هناك أيضاً مسار بحثي جاد في الآثار المفيدة للتأكيدات الذاتية الإيجابية. ومع ذلك، في الأدبيات النفسية، هذه ليست عبارات جوفاء تكررها عن كونك محظوظاً في الحياة. بدلاً من ذلك هي تدور حول حديث الشخص عن التزامه بما يقدره وتجديد هذا الالتزام – كأن يكون، على سبيل المثال، مستقلاً – أو أن يكون عضواً في مجموعة أو منظمة اجتماعية معينة (مثل مدرسة أو جامعة)، أو أن يكون متواضعاً أو رياضياً. تشير الدراسات إلى أن تأكيد قيم المرء بهذه الطريقة يمكن أن يساعد على الحماية من الوصمات Stigma والقوالب النمطية Stereotyping.


د. كريستيان جاريت Dr. Christian Jarrett
كريستيان عالم نفس وكاتب. وهو نائب رئيس تحرير مجلة Psyche الإلكترونية الصادرة عن مجلة Aeon. أحدث كتبه هو كن مَن تريد Be Who You Want (منشورات: Robinson)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى