أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تعليق

دماغُنا لا ينضج فجأةً مع بلوغنا سنَّ الخامسة والعشرين

إذا كنا نعرف أن نمو الدماغ لا يكتمل حتى نبلغ من العمر 25 عاماً، فلماذا نطلب إلى الشباب اتخاذَ كل تلك القرارات التي من شأنها تغيير مجرى حياتهم؟

ربما سمعتُم أو قرأتم أن نمو الدماغ لا يكتمل قبل سن الخامسة والعشرين. وهي فكرة تُؤخَذ على أنها مُسلَّم بها، ويتناقلها الناس على نطاق واسع. وهي تفترض أن من لم يبلغوا بعد 25 عاماً لا يمكنهم التفكير في الأمور بعقلانية، أو اتخاذ قرارات حكيمة، ومن ثم فالمسؤولية الملقاة على عاتقهم أقل شأناً من تلك المطلوبة ممن هم أكبر سناً. شكَّلت هذه الفكرة أساساً للإرشادات والتوجيهات التي تُصدرها الجهات الحكومية وعقوبات السجن وغيرِ ذلك كثير.

لكن المشكلة هي أنها ليست حقيقة، ولم تكن كذلك في أي وقت من الأوقات، بغض النظر عن عدد المؤثرين في تطبيق تيكتوك TikTok الذين يصرّون على ذلك. كيف ولماذا وقع هذا الخطأ؟ حسناً، لأسباب كثيرة.

على الرغم من انتشار هذه الفكرة لا توجد مجموعة بيانات فعلية أو دراسة محددة يمكن الاستناد إليها أو الإشارة إليها كمصدر واضح للقول بأن ”الدماغ البشري يتوقف عن النمو في سن الـ 25“. 

من الممكن أن يكون سوء الفهم ناجماً عن دراسات مسح الدماغ التي تعود إلى أشخاص لم يتجاوز عمرهم 25 عاماً. ولكن هذا مثل القول إن العدائين لا يمكنهم الركض مسافةً تزيد على 100 متر بعد مشاهدة نهائي سباق 100 متر في الألعاب الأولمبية. هذا الحد يفرضه السياق، وليس البيولوجيا. ويرى آخرون أن الرقم 25 هو مجرد رقم مُستحب، وهذا سبب انتشاره فحسب. لقد انتشرت عديد من الخرافات الغريبة بهذه الطريقة (مثل: إننا ”نستخدم %10 فقط من أدمغتنا“).

ولأن سن الـ 25 عاماً ليست نقطة نهاية ثابتة لنمو الدماغ، فهذا لا يعني أن الدماغ لا يتطور قبل بلوغ ذلك العمر. لأنه ينمو بالفعل. وفي كثير من الحالات ينمو ويتطور بعد هذا العمر أيضاً.

والحقيقة هي أن من الصعب تحديدَ الحد النهائي لنمو الدماغ ونضجه؛ فالدماغ البشري هو في الأساس عبارة عن تجميع لعديد من المناطق المختلفة، وهي على درجات متفاوتة من التعقيد، وتنضج بمعدلات مختلفة.

”من المهم أن نتذكر أن نمو الدماغ ليس مثل بناء منزل“

ولكن، حتى لو ركزنا على الفص الجبهي Frontal lobe، حيث يحدث كل الاستدلال والتفكير (في الغالب)، ما زال من المهم أن نتذكر أن نمو الدماغ ليس مثل بناء منزل. ليس عليك الانتظار حتى الانتهاء من بناء جميع الجدران والأرضيات، وتمديدات السباكة وخطوط الكهرباء قبل أن تتمكن من الانتقال للعيش فيه. 

نمو الدماغ أشبه بعملية التطور. وُجدت عديد من الأنواع التطورية Evolutionary species بين المخلوقات البدائية الشبيهة بالقوارض التي كانت الثدييات الأولى، والإنسان المعاصر. لكن كل مرحلة من هذه المراحل كانت، في وقتها، نوعاً ناجحاً يؤدي وظائفه كاملة. ولم تكن هناك أنواع وسيطة غير قادرة على البقاء وأداء وظائفها، مثل جذع فأر على زوج من الأرجل الضخمة تنتهيان بقدمين.

وينطبق الشيء نفسه على الدماغ البشري. حتى لو اعتقد البعض أن مَن تقل أعمارهم عن 25 عاماً لا يملكون قدرة جيدة على اتخاذ القرار مثل كبار السن، فهذا لا يعني أنهم لا يستطيعون أن يفعلوا ذلك، أو لا ينبغي السماح لهم بذلك. دعونا نفكرْ في الأمر بطريقة أخرى: أنا، مثلاً، لا أملك قوة تضاهي قوة الشهير إيدي هول أقوى رجل في العالم يحمل لقب إيدي ”الوحش“ هول Eddie The Beast Hall. لكن هذا لا يمنعني من حمل أكياس التسوق الثقيلة من السيارة.

وحتى لو كان من باب حُسن النية تماماً أن تستند التشريعات الرسمية أو السياسة الحكومية إلى فرضية مُفادها أن الدماغ البشري لا ينمو بما فيه الكفاية قبل عمر الـ 25 عاماً، فهذا يشكل سابقة مُهمة. إذا كان يُنظَر إلى سن الـ 25 على أنه الحد الأدنى القانوني الذي يجعلنا نثق بشخص وقدرته على التفكير بعقلانية واتخاذ القرارات، فإن ذلك يُفترَض أن ينطبق منطقياً على معظم جوانب الحياة.

مثلاً يختار عدد لا يُحصَى من الأشخاص مجالَ دراستهم ويحصلون على شهاداتهم الأكاديمية، ويكملون حتى الدكتوراه، قبل وقت طويل من بلوغهم منتصف العشرينات من عمرهم. كما أن المملكة المتحدة هي الدولة الوحيدة في أوروبا التي تسمح للجيش بتجنيد من تقل أعمارهم عن 18 عاماً (وعليهم أن يخدموا حتى يبلغوا 22 عاماً).

تقبل أكاديميات كرة القدم لاعبين لا تتجاوز أعمارهم تسعَ سنوات. وعمر الـ 25 عاماً هو أقرب إلى سن التقاعد للاعب المحترف، كما هي الحال في عديد من الألعاب الرياضية.

هذه مجرد ثلاثة أمثلة عن إيلاء الشباب الثقةَ لاتخاذ قرارات مصيرية تؤثر في حياتهم قبل وقت طويل من ”اكتمال نمو“ أدمغتهم المُفترَض. وإذا بدأنا في الإصرار على أن أي شخص دون الـ 25 عاماً ليس ناضجاً بما يكفي لاتخاذ مثل هذه القرارات، فستكون لذلك تداعياتٌ جسيمة.

دعونا نأخذ الأمر أبعد من ذلك. فلنفترضْ أن الحجة هي أن قدراتِك على التفكير العقلاني يجب أن تصل إلى ذروتها قبل أن تتمكن من اتخاذ قرار بشأن أي شيء مهم. في هذه الحالة نحتاج أيضاً إلى حد أقصى للعمر، وليس مجرد حد أدنى.

د. دين بورنيت Dr Dean Barbett
دين عالم أعصاب ومؤلِّف. صدر كتابه الأخير بعنوان الجهل العاطفي Emotional Ignorance حالياً بغلاف ورقي (منشورات: Guardian Faber)
النمو يمثل جانباً واحداً، ولكن هناك أيضاً التدهور المعرفي Cognitive declin، فنحن لا يمكننا تجنب التقدم في العمر والإنتروبيا Entropy. ولهذا السبب يُظهر الأشخاص تراجعاً في القدرات العقلية بدءاً من منتصف العمر وما بعده. ومع ذلك تشير بعض الدراسات إلى أن إدراكنا يبدأ فعلياً في الانخفاض في العشرينات من عمرنا. قد يقترح هذا أنه ربما تكون هناك نافذة مدتها بضعة أشهر يمكن خلالها ”الوثوق“ بنا لاتخاذ القرارات.

هذه، بالطبع، نظرة اختزالية إلى حد كبير، ومفرطة في التبسيط. ولكن يمكن قول الشيء نفسه عن فكرة ”أقل من 25 عاماً“ برمتها. حتى لو كان ذلك صحيحاً. وهو ليس كذلك في الغالب. وليس من الضروري أن تكون في عمر معين لتفهم ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى