أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تدقيق الحقائقتعليق

إثراء الحياة البرية: هل هي مجرد فكرة عصرية عابرة؟

في يوليو الماضي أُطلق سراح أربعة ثيران بيسون في مقاطعة كنت Kent في المملكة المتحدة. والسؤال المطروح هو: هل إعادة إثراء الحياة البرية هي أفضل طريقة لتعزيز التنوع البيولوجي؟

إعادة إثراء الحياة البرية Rewilding هي حديث الساعة. يُنصح ملاك الأراضي بإعادة إثراء الحياة البرية في الأراضي الزراعية والأراضي البراح والجبال، في حين يُطلب إلى الحكومات الالتزام بسياسات إعادة إثراء الحياة البرية. خلال مبادرة No-Mow May (وهي مبادرة رائعة) تُحدث الناس عن إعادة إثراء الحياة البرية على الشريط الأخضر الممتد بجانب الطريق. وهناك نظام إيكولوجي مزدهر من الكتب والمدونات ومواقع الويب التي تحث مالكي المنازل على إعادة إثراء الحياة البرية في حدائقهم وتبدو مشابهة بنحو غريب ”لزراعة الحدائق من أجل الحياة البرية“.

في الواقع كثيرٌ ممّا يسمى إعادة إثراء الحياة البرية هو إعادة تسمية لشيء كان لدينا بالفعل. عندما أعلنت مؤسسة آسبينال Aspinall Foundation عن خطة لنقل الأفيال من حديقة حيوانات في كِنت إلى كينيا، لم يُسمَّ المشروعُ ”نقلَ“ الأفيال أو ”الإفراجَ عنها من الأسر“ أو ”إعادة تقديمها“. لا، فما كان مقرراً هو ”إعادتها إلى البرية“.

تُعتبر إعادة إثراء الحياة البرية منطقية إذا نظرنا إليها من منظور أوسع. الفكرة الأساسية هي أن البشر حولوا الأراضي التي كانت ذات يوم برية إلى أراضٍ مستخدمة استخداماً مختلفاً. تهدف إعادة إثراء الحياة البرية إلى إعادة الأراضي إلى ما كانت عليه لو لم نكن موجودين. هذه الحالة البرية، كما يُفترَض، تدعم نظاماً اًإيكولوجياً أكثر تنوعاً وتعقيداً من الناحية الوظيفية.

لقد عمدنا إلى تحويل – نزع الصفة البرية، إذا شئت القول – مساحات شاسعة من الأراضي في مختلف أنحاء الكوكب لاستخدامات مختلفة. أنت تعيش في واحدة من هذه الاستخدامات (سكن). ربما ذهبت إلى المحل (تجارة) في وقت سابق عبر طريق (نقل) لشراء خبز (زراعة). ربما تقرأ هذا على هاتفك: يتطلب ذلك طاقة (توليد الطاقة) ومواد (تعدين) وتصنيع (صناعة). كل هذه الأنواع من الأراضي يمكن إعادتها إلى طبيعتها البرية.

مهما كانت الأرض التي نعيدها إلى طبيعتها البرية، فهناك عديدٌ من الأسئلة الأساسية التي يجب طرحها. إلى أي حقبة من الحياة البرية نريد أن نعود: ما قبل الثورة الصناعية، وما قبل الزراعة، أو ما قبل الإنسان؟ إذا أعدت قطعتك من الأرض إلى طبيعتها البرية لمحاكاة هذا النظام الإيكولوجي ”المفقود“، فكيف ستلائم المشهد الأوسع مع جميع الاستخدامات الأخرى للأراضي؟ هل أنت متأكد من أن القطعة التي ستعود إلى طبيعتها البرية ستدعم بالفعل مزيداً من التنوع البيولوجي؟ ما مقدار التغييرات التي ترغب في الاضطلاع بها لتحويل الأرض إلى هذه الحالة الجديدة والمحافظة عليها؟ هل ستعيد إدخال الأنواع التي فُقدت؟

هذا هو السؤال الأخير الذي يجتذب معظم العناوين الرئيسة. هذه هي الحال بنحو خاص عندما تكون الأنواع المعاد إدخالُها من الحيوانات المفترسة، مثل الذئاب أو الوشق، وكلاهما اقتُرحت إعادة إدخاله إلى المملكة المتحدة. في الآونة الأخيرة، ظهرت أنواع أخرى في دائرة الضوء، وأعلنت عناوين وسائل الإعلام أن ”البيسون عاد إلى المملكة المتحدة“.

كاد البيسون الأوروبي ينقرض، ولكن بفضل بعض جهود الحفاظ الجادة، فإنه يتعافى، وأُطلق قطيع صغير منه في مقاطعة كنت. تَستحضر ”إعادة البيسون إلى الطبيعة البرية“ صوراً للحيوانات العاشبة الضخمة التي تجول عبر المساحات الطبيعية، لكن الواقع مختلف نوعاً ما. ستعيش حفنة من الحيوانات خلف سياج في غابة حيث سيتمكن الزوار من رؤيتها. هناك حقيقة أخرى تنتقص إلى حد ما من فكرة إعادة إثراء الحياة البرية، وهي أن البيسون الأوروبي لم يعش يوماً في المملكة المتحدة. ومن ثم فهي ليست عائدة ولن ”تعود إلى حياتها البرية“، لأنها لم تكن هنا مطلقاً. النوع الذي عاش في المملكة المتحدة هو بيسون الغابة البليستوسيني المنقرض.

إعادة إثراء الحياة البرية أمر مهم، ويشحذ الهمم بما لا يرقى إليه الشك. إنه يقوم على فكرة أننا سبب البلاء على هذا الكوكب، وأن أفضل طريقة للتغيير هي طردُنا، وترك الطبيعة تأخذ مجراها. تبدو إعادة إثراء الحياة البرية مشروعاً عظيماً ونبيلاً، فهي تجذب عناوين الصحف وتأييد المشاهير والتبرعات. بالتأكيد، إذن، لكن هل إعادة إثراء الحياة البرية تعني الحفظ الجيد؟

”نحتاج إلى التأكد من أن إعادة إثراء الحياة البرية ليست الأداة الوحيدة لحل كل المشكلات“

 

حسناً، ربما يكون الأمر كذلك في بعض الأحيان، لكن الأمر يطرح عدداً كبيراً من المشكلات. أولاً، معظم عمليات الحفظ ليست ساحرة أو مثيرة أو جذابة بنحو خاص للمشاهير أو الصحافيين أو المانحين. تميل إعادة إثراء الحياة البرية إلى جذب الأضواء، وهذا يمكن أن يؤدي، بنحو مؤسف، إلى التغاضي عن عديد من المشروعات الأخرى، التي ثبت نجاحها.

المشكلة الثانية في إعادة إثراء الحياة البرية هي أكثر جوهرية. في العالم المتقدم تميل إعادة إثراء الحياة البرية إلى التركيز على الأراضي الزراعية أو غيرها من الأراضي غير السكنية. من الطبيعي أن ننظر إلى العالم الأوسع بالطريقة نفسها. اقترح عالم الأحياء الراحل إدوارد أوزبورن ويلسون Edward Osborne Wilson، على سبيل المثال، تخصيص نصف مساحة العالم من أجل الحياة البرية. يبدو ذلك سهلاً: يمكنني رؤية كثير من الأراضي التي يمكن إعادتها إلى طبيعتها البرية من نافذة منزلي. لكنني أتناول الطعام المنتَج بواسطة الزراعة المكثفة الذي اشتريته من السوبر ماركت. في أجزاء كثيرة من العالم يعيش الناس بنمط مختلف تماماً: فهم يعتمدون على اتصال أوثق بالأرض، وأحياناً يعود هذا الارتباط إلى آلاف السنين. الأراضي التي نعدها نحن أراضي برية محتملة، هي بالنسبة إليهم موطنُهم.

يمكن أن تنجح عملية إعادة إثراء الحياة البرية، بالتأكيد، ومن المحتمل أن تكون جزءاً مهماً من مجموعة أدوات تعافي كوكبنا. لكننا نحتاج إلى التأكد من أن إعادة إثراء الحياة البرية ليست الأداة الوحيدة لحل كل المشكلات؛ بمعنى آخر: أننا لن نراها المطرقة التي تجعل كل مشكلة تتعلق بالحفظ مسماراً. إذا كان للحفظ أن يسير على خير ما يرام، فنحن في حاجة إلى أكثر من أداة واحدة. هذا يعني أننا نحتاج إلى التفكير بجدية أكبر حول كيف نتشارك الأرض التي نستخدمها للعيش مع التنوع البيولوجي الذي نحتاج إليه للبقاء على قيد الحياة.

البروفيسور آدم هارت Prof Adam Hart 

(AdamHartScience@) آدم عالم أحياء وعالم حشرات ومذيع يظهر بنمط متكرر على راديو BBC 4 وخدمةBBC العالمية BBC World Service.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى