أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تحليل

سولاريس: مشروع وكالة الفضاء الأوروبية لتوليد الطاقة في الفضاء

هل يساعدنا بناء شبكة من محطات الطاقة المدارية على حل أزمة الطاقة؟

اجتمع بعض وزراء العلوم في أوروبا في باريس في أواخر نوفمبر 2022، لاتخاذ قرار بشأن قائمة أولويات وكالة الفضاء الأوروبية (اختصاراً: الوكالة إيسا ESA) للسنوات الثلاث المقبلة. يمكن أن يساعد أحد القرارات التي اتخذوها أوروبا على الاستغناء عن الوقود الأحفوري وتزويد الدول الأعضاء في الوكالة إيسا، بما في ذلك المملكة المتحدة، بمصدر آمن للطاقة. كان القرار هو إعطاء الضوء الأخضر لسولاريس Solaris، وهو مشروع جريء لدراسة جدوى بناء محطات طاقة تجارية في المدار.

ستتغذى محطات الطاقة هذه بضوء الشمس. فهي ستُزوَّد بألواح شمسية ضخمة لامتصاص طاقة الشمس وتحويلها إلى طاقة كهربائية تُرسَل إلى الأرض على شكل موجات دقيقة (ميكروية). على الأرض ستستقبل هوائياتٌ ضخمة هذه الموجات الميكروية، ومن ثم تغذي مباشرة شبكة الكهرباء بالطاقة الناتجة.

يبدو الأمر كأنه ينتمي إلى الخيال العلمي، ولكننا، كما يشير د. سانجاي فيجيندران Sanjay Vijendran من الوكالة إيسا، كنا نفعل شيئاً مشابهاً جداً على مدار الستين عاماً الماضية، شارحاً أن ”كل قمر اصطناعي للاتصالات منذ ستينات القرن العشرين هو أساساً قمر اصطناعي يعمل بالطاقة الشمسية في الفضاء بحجمٍ صغير“.

ذلك لأن مثل هذه الأقمار الاصطناعية تولد الكهرباء بألواحها الشمسية وتستخدمها لنقل البيانات إلى الأرض حيث يُحول ما ترسله مرة أخرى إلى كهرباء بحيث يمكن قراءة البيانات. يقول فيجيندران: ”الفيزياء المتضمَّنة في هذه السلسلة بكاملها هي نفسها تماماً بالنسبة إلى الطاقة الشمسية المنتجة في الفضاء، لكن مقياسها يختلف تماماً“.

سيُقاس حجم الألواح الشمسية اللازمة لتوليد الطاقة على أساس تجاري بالكيلومترات. هذا أطول بعشر مرات من الألواح الشمسية في محطة الفضاء الدولية ISS. ويجب أن تُبنى على بُعد 36,000 كيلومتر من الأرض، في مدارات أقمار الاتصالات اللاسلكية نفسها، بحيث تبقى فوق محطاتها الأرضية. وسيتعين بناؤها باستخدام الروبوتات.

”الشيء الوحيد الذي منعنا بالفعل من بناء محطات طاقة تدور في المدار هو تكلفة نقل المواد إلى الفضاء“

على الرغم من أن كل هذا يبدو من الخيال، فإن الشيء الوحيد الذي منعنا بالفعل من بناء محطات طاقة تدور في المدار هو تكلفة نقل المواد إلى الفضاء. تقليدياً يكلف حمل كل كيلوغرام إلى الفضاء نحو 1,000 دولار (820 جنيهاً إسترلينياً تقريباً)، ولكن نظراً إلى الحجم الذي تحتاج إليه محطة طاقة مدارية، فإن ذلك سيجعل تكلفة الكهرباء التي تولدها المحطة باهظة جداً وغير مجدية تجارياً.

لكن الأمور تتغير. مع ظهور سبيْس إكس SpaceX وصواريخها القابلة لإعادة الاستخدام، تنخفض تكاليف الإطلاق نحو المدار. يقول جون مانكينز John Mankins، الفيزيائي السابق في الوكالة ناسا الذي يشغل حالياً منصب رئيس شركة Artemis Innovation Management Solutions: ”إن 300 دولار (250 جنيهاً إسترلينياً تقريباً) لكل كيلوغرام هو التكلفة الأمثل لمحطة الطاقة الشمسية الفضائية“.

مانكينز خبير عالمي في أقمار الطاقة الشمسية عمل على عديد من دراسات الجدوى التي تعود إلى تسعينات القرن العشرين. أظهرت كل دراسة أجراها سابقاً حول المفهوم أن تكلفة الإطلاق هي العامل الباهظ. ولكننا لسنا بعيدين جداً عن ذلك. يقول: ”300 دولار للكيلوغرام ليس ممكناً فحسب في يوم من الأيام، إنه أمر لا مفر منه في السنوات الخمس أو السبع المقبلة“.

ومن ثم تتعاون الوكالة إيسا حالياً مع القطاعات الصناعية الأوروبية لإنتاج تصميمين للأقمار الاصطناعية المنتجة للكهرباء من الطاقة الشمسية. لقد بدؤوا أيضاً برنامجاً لتطوير تكنولوجيا الخلايا الشمسية والهوائيات الضخمة، بحثاً عن طرق لجعلها أخف وزناً وأكثر كفاءةً من النماذج الحالية.

إن إقامة محطة للطاقة الشمسية في الفضاء أمر رائع، ويعني أن الوكالة إيسا ليست منهمكة وحدها في استكشاف هذه التكنولوجيا.

في المملكة المتحدة، نشرت شركة Frazer-Nash Consultancy الاستشارية تقريراً في سبتمبر 2021 للحكومة خلص إلى أن ”إقامة محطة للطاقة الشمسية في الفضاء ممكنة من الناحية التقنية ومجدية من حيث التكلفة، ويمكن أن تعود بفوائد اقتصادية كبيرة على المملكة المتحدة، وأن تدعم مسار الكربون الصفري“.

يسعى الصينيون أيضاً إلى الحصول على التكنولوجيا، ويخططون لدراسة جدوى إرسال الطاقة إلى الأرض من المدار في العام 2028. ستكون هذه بعثة لبرهنة الجدوى، وليست محطة طاقة تجارية. ولكن مع ذلك، إذا نجحت، فسيكون ذلك تطوُّراً مهماً.

في الولايات المتحدة، أطلق معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا قمراً اصطناعياً تجريبياً يسمى Space Solar Power Demonstrator (اختصاراً: القمر SSPD) في 3 يناير 2023، لاختبار التقنيات المطلوبة لمحطة طاقة مدارية تعمل بكامل طاقتها. يقول فيجيندران: ”من الواضح أن علينا أن نُسرِّع الخطى“.

إذا سارت خطة الوكالة إيسا على ما يرام، فسيوضع سولاريس من جديد على جدول الأعمال عندما يجتمع وزراء العلوم الأوروبيون مرة أخرى في غضون ثلاث سنوات. ولكن هذه المرة، سيكون لطلب المال من أجل بناء الأقمار الاصطناعية والبدء في توسيع نطاق التكنولوجيا إلى شيء قابل للتطبيق تجارياً. يقول فيجيندران: ”سولاريس هو بمنزلة جسر للتحقق من أن توليد الطاقة الشمسية في الفضاء قابل للتنفيذ حقاً ومفيد حقاً قبل أن نطلب بلايين اليوروهات“ لذلك.


د. ستيوارت كلارك Dr. Stuart Clark
ستيوارت عالم فلك وصحافي علمي ومؤلف لعديد من الكتب العلمية الشهيرة، وآخرها كتاب بعنوان تحت جِنح الليل Beneath The Night (منشورات: Guardian Faber).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى