أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تحليل

الكويكبات القاتلة: هل نحن في أمان حقاً؟

تقترح دراسة جديدة أننا في مأمن من الارتطامات الكبيرة، لكن علينا أن نقلق بشأن الارتطامات الصغيرة

إنها الكارثة الكونية المطلقة. صخرة فضائية قاتلة في مسار تصادم مع الأرض. عندما ترتطم بنا، يُسدل الستار على الإنسانية في حين نتلاشى في ظلمات التاريخ، تماماً مثلما حل بالديناصورات قبلنا.

على الرغم من كونه موضوعاً لسلسلة من أفلام هوليوود المروعة، فإن الأمر لا يخلو من بعض الأخبار السارة. وجدت دراسة حديثة أنه من غير المرجح أن نصطدم بأي من الكويكبات المعروفة القريبة من الأرض وعددها نحو ألف ويزيد قطرها على كيلومتر واحد خلال الألفية المقبلة (يُعتقد أن الكويكب الذي أنهى وجود الديناصور ريكس ورفاقه قبل 66 مليون سنة يتراوح عرضه بين 10 و15 كم (6-9 أميال).

الدراسة التي قادها أوسكار فوينتيس مونيوز Oscar Fuentes-Muñoz من جامعة كولورادو بولدر University of Colorado Boulder، هي تحسن ملحوظ عن العمل السابق الذي كان في إمكانه أن يتنبأ فقط بما سيحدث خلال القرن المقبل.

”الادعاء القائل بأننا أمام ’ألف سنة خالية من الارتطامات‘ لا يخلو من المحاذير المهمة، ولا سيما أنه ينطبق فقط على الكويكبات الكبيرة التي نعرفها بالفعل“

ومع ذلك فإنه وفقاً للبروفيسور فيل بلاند Phil Bland، خبير الكويكبات من جامعة كيرتن Curtin University في أستراليا، فإن الادعاء القائل بأننا أمام ”ألف سنة خالية من الارتطامات“ لا يخلو من المحاذير المهمة، ولا سيما أنه ينطبق فقط على الكويكبات الكبيرة التي نعرفها بالفعل.

يقول: ”إنه لا يتحدث عن الـ 5% التي ما زالت تنتظر من يكتشفها… إنه لا يشمل المذنبات أيضاً والتي لن نتمكن مطلقاً من السيطرة عليها“.

قد يكون هذا مهماً، لأن عديداً من المذنبات التي يمكن أن تكون بحجم الكويكبات، تتجه نحونا من خارج المجموعة الشمسية ولم يسبق أن وصلت إلى المجموعة الشمسية الداخلية من قبل. وليست لدينا أي وسيلة لتعقبها إلا بعد أن تصير قريبةً جداً منا.

ثم هناك جميع الكويكبات التي يقل عرضها عن كيلومتر واحد (ما يزيد قليلاً على نصف ميل). يقول بلاند: “لسنا جيدين على الإطلاق في تتبع الأشياء الصغيرة”.

في نهاية الأمر، السماء فسيحة الأرجاء وهذه الأشياء صغيرة نسبياً. ويبدو الأمر أشبه بالبحث عن إبرة صغيرة قاتمة في كومة قش كبيرة بشكل لا يمكن تصوره، بل وحتى أكثر قتامة منها. إذ تعكس بعض الكويكبات %5 فقط من ضوء الشمس الذي تتلقاه.

لتوضيح مدى احتمال حدوث اصطدام مفاجئ، خذ مثلاً الكويكب 2023 DZ2 الذي يبلغ عرضه 70 متراً ومر بين الأرض والقمر في مارس 2023. اكتشفه علماء الفلك قبل شهر فقط من ذلك.

لو ضرب ذاك الكويكب الأرض، لكان من الممكن أن يدمر مدينة.  حدث هذا العبور القريب بعد شهرين فقط من وصول كويكب بحجم شاحنة أُطلق عليه اسم 2023 BU إلى مسافة 3,600 كيلومتر (2,230 ميلاً) من الطرف الجنوبي لأمريكا الجنوبية. هذا أقرب بعشر مرات من بعض أقمار الاتصالات لدينا. واكتُشف قبل أقل من أسبوع من مروره بالقرب منا.

لا تحتاج هذه الكويكبات حتى إلى الارتطام بسطح الكوكب لإحداث ضرر كبير. يقول بلاند: “يمكن للأجسام الصغيرة التي يصل حجمها إلى 50 متراً أن تسبب انفجاراً في الجو يكون مدمراً حقاً فوق منطقة معينة”. 

في فبراير 2013، انفجر جسم طوله بين 15 و20 متراً في الغلاف الجوي فوق مدينة تشيليابينسك Chelyabinsk في روسيا. أصيب من جراء ذلك ما يقرب من 1,500 شخص وتضرر أكثر من 7,000 مبنى. بلغت التكلفة الإجمالية للإصلاحات نحو 26 مليون جنيه إسترليني.

منذ ذلك الحين عكف علماء الفلك على تكثيف جهود البحث وفقاً لذلك. في العام الماضي صار مشروع نظام التنبيه الأخير للصدمات الأرضية Asteroid Terrestrial-impact Last Alert System (اختصاراً: المشروع ATLAS) الذي تموله الوكالة ناسا أولَ مسح قادر على البحث في السماء المظلمة بالكامل كل 24 ساعة عن الأجسام القريبة من الأرض Near-Earth objects (اختصاراً: الأجسام NEOs) التي يمكن أن تشكل خطراً مستقبلياً على الكوكب. ووصلت أعمال بناء مرصد فيرا سي روبن Vera C Rubin في تشيلي أيضاً إلى مرحلة متقدمة في مايو 2023 مع اكتمال هيكل التلسكوب. إنه حالياً جاهز للتكامل مع كاميرا التلسكوب التي تبلغ دقتها 3,200 ميغابكسل، وهي أكبر كاميرا رقمية جرى صنعها على الإطلاق، وستشكل في النهاية تلسكوب المسح الشامل الكبير Large Synoptic Survey Telescope (اختصاراً: التلسكوب LSST).

يأمل علماء الفلك في البدء استخدامَ التلسكوب LSST لمسح السماء في أكتوبر 2024. يقول بلاند: ”سيمنحنا نظرة جديدة مثيرة للاهتمام حقاً على هذه المجموعة من الكويكبات الصغيرة“.

بعد ذلك بقليل تأمل ناسا إطلاق قمرها الاصطناعي نيو سيرفيور NEO Surveyor في العام 2028. ومن المفترض أن يكتشف عشرات الآلاف من الأجسام القريبة من الأرض بأقطار صغيرة تصل إلى 30 متراً.

جزء من نيزك يبلغ عرضه نحو 20 متراً انفجر فوق مدينة تشيليابينسك الروسية في العام 2013

إذن ماذا يحدث إذا اكتشف أحد هذه المشروعات كويكباً في طريقه للارتطام بنا مباشرة؟ يشير فوينتيس مونيوز Fuentes Muñoz وزملاؤه في دراستهم إلى أن ”ارتطام الكويكبات هو إحدى الكوارث الطبيعية القليلة التي يمكن للبشر أن يفعلوا شيئاً لتداركها“.

سجلت الوكالة ناسا تقدماً كبيراً في العام 2022 عندما تمكنت بعثة اختبار إعادة توجيه الكويكب المزدوج Double Asteroid Redirection Test (اختصاراً: البعثة DART) من ضرب الكويكب ديمورفوس بجسم بحجم الثلاجة.

نجح الاصطدام في تغيير مدار ديمورفوس حول كويكب ثانٍ يسمى ديديموس بمعدل 32 دقيقة. يعد هذا انتصاراً بالنظر إلى أن عتبة ناسا للنجاح حُددت على أساس 73 ثانية فقط. ربما يمكننا في المستقبل إخراج كويكب يهددنا عن مساره بطريقة مماثلة.

في ذلك الوقت قال مدير ناسا بيل نيلسون إن نجاح البعثة DART ”يظهر أن ناسا تحاول أن تكون جاهزة لأي شيء يلقي به الكون نحونا“. إلا أن استكمال قائمة التهديدات المحتملة الأصغر حجماً خطوة كبيرة مهمة في حد ذاتها وفي الاتجاه الصحيح.


كولين ستيوارت Colin Stuart
(@skyponderer)
كولين كاتب ومتحدث في علم الفلك حائزٌ لعديد من الجوائز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى