منذ عقود، يعمل علماء الأحياء التركيبية Synthetic biology على إعادة تصميم الحياة، لكنهم كانوا حتى الوقت الحالي يعبثون بالخلايا المفردة، وهو ما يشبه نسخة محسَّنة من التعديل الجيني. وفي عام 2010 أنشأ كريغ فنتر Craig Venter وفريقه أول خلية تركيبية، انطلاقاً من حشرة تصيب الماعز. وبعد أربع سنوات دخل السوق أحد المنتجات الأولى من عصر البيولوجيا التركيبية، عندما بدأت شركة سانوفي الدوائية Sanofi ببيع أدوية الملاريا التي تنتجها خلايا خميرة معدلة Re-engineered yeast cells.
لكن، في الوقت الحالي، بدأ علماء الأحياء بإيجاد طرق لتنظيم الخلايا المفردة في مجموعات قادرة على أداء مهام بسيطة. إنها آلات صغيرة جداً، أو ‘زينوبوتات’ Xenobots كما يسميها عالم الأحياء جوش بونغارد Josh Bongard من جامعة فيرمونت University of Vermont. وفكرتها مستوحاة من الاستفادة من العمل الشاق الذي تؤديه الطبيعة التي تبني آلات صغيرة منذ بلايين السنين.
ويصنع فريق بونغارد في الوقت الحالي زينوبوتات من الجلد ومن خلايا قلب أجنة الضفادع، وينتج آلات تستند إلى تصاميم منقوشة على جهاز حاسوب فائق. وبمجرد الجمع بين هذين النوعين من الخلايا صمم الفريق آلات قادرة على الزحف في قعر طبق اختبار Petri dish في المختبر، ودفع كرة صغيرة وحتى التعاون فيما بينها. ويقول بونغارد: “إذا قمت ببناء مجموعة من هذه الزينوبوتات ورششت طبق الاختبار بكريات صغيرة، فإنها تتصرف في بعض الحالات مثل كلاب رعي صغيرة وتدفع هذه الكريات لتشكل منها أكواماً”.
يشغل جهاز حاسوبهم خوارزمية تطورية بسيطة تولد في الأساس تصاميم عشوائية تُرفض أكثر من %99 منها، إذ يجري فقط اختيار تلك التصاميم القادرة على أداء المهمة المطلوبة في نسخة افتراضية من طبق الاختبار. وكما يوضح بونغارد، ما زال يتعين على العلماء تحويل التصاميم النهائية إلى حقيقة، عبر رصف الطبقات ونحت الخلايا باليد. ويمكن أتمتة هذا الجزء من العملية في النهاية، وذلك باستخدام طابعة ثلاثية الأبعاد أو تقنيات معالجة الخلايا باستخدام مجالات كهربائية.
لا يمكن مع ذلك حالياً تسمية هذه الزينوبوتات بالكائنات الحية، لأنها مثلا، لا تأكل ولا تتكاثر. ونظراً لعدم قدرتها على استخدام الطعام، فإنها أيضاً ‘تموت’، أو على الأقل تتحلل وبسرعة، مما يعني أنها لا تشكل خطراً واضحاً على البيئة أو الناس. ومع ذلك، فإن الجمع بين هذا النهج وتقنيات البيولوجيا التركيبية التقليدية قد يؤدي إلى إنشاء كائنات جديدة متعددة الخلايا قادرة على أداء مهام معقدة. فمثلا، يمكن أن تتصرف على أنها آلات توصيل للدواء قابلة للتحلل البيولوجي، وإذا صُنعت من خلايا بشرية، فإنها ستكون أيضاً متوافقة حيوياً، مما يجنبها إثارة ردود أفعال مناعية سلبية. لكن هذا ليس كل شيء. ويقول بونغارد: “في العمل المقبل، نتطلع إلى إضافة أنواع خلايا إضافية، ربما مثل الأنسجة العصبية، لتكون هذه الزينوبوتات قادرة على التفكير”.