أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
مقالات رئيسية

عوالم أخرى

قبل نحو عامين، وسَّع التلسكوب جيمس ويب الفضائي آفاقَنا، ومكننا من النظر أبعد من أي وقت مضى. ولكن حتى قبل إطلاق التلسكوب ويب، كان العمل جارياً على تصميم التلسكوبات التي ستخلفه، وهذا الجيل المقبل من المراصد الفضائية سيكون في متناوله اكتشاف وجود حياة على كواكب أخرى

د. ستيوارت كلارك

عوالم أخرى
قد يكون للكوكب الخارجي GJ 486 b (الموضح هنا)، غلاف جوي يحتوي على بخار الماء

قبل نحو عامين، أطلق صاروخ آريان 5 التلسكوب جيمس ويب  Webb Space Telescope إلى الفضاء. كان الإنجاز نتيجة تعاون بين الوكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية (اختصاراً: الوكالة إيسا ESA) ووكالة الفضاء الكندية، ورأت الأوساط العلمية على نطاق واسع أن التلسكوب ويب هو خليفة التلسكوب هابل الفضائي. فهو يمتلك في الواقع قدرات رصدية لم يكن في وسع علماء الفلك الذين أطلقوا هابل في العام 1990 سوى أن يحلموا بها.

ومع ذلك، حتى عندما انطلق التلسكوب ويب إلى الفضاء في 25 ديسمبر 2021، تابعه علماء الفلك وهم يحلمون بالتلسكوب الذي سيخلفه. ذلك لأنهم كانوا يعرفون تماماً مدى إمكانات التلسكوب ويب: حجم مرآته، والأطوال الموجية التي يمكنه رصدها، وقدرات أدواته.

تقول سارة روغايمر Sarah Rugheimer، أستاذة الفيزياء الفلكية من جامعة يورك York University، في تورونتو، بكندا: ”حتى قبل إطلاقه، كنا نقول: نحن في حاجة إلى تلسكوب آخر سيكون أكبر منه“.

يستغرق تطوير التلسكوبات الكبيرة وقتاً طويلاً – عقوداً في معظم الحالات – ولذلك يبدأ التخطيط لها مبكراً. تقول روغايمر: ”لا نكتفي بالانتظار لنرى ما سيحدث مع تلسكوب مثل ويب، لأننا نعرف بالفعل، من الناحية النظرية، بعض حدود قدراته“.

”على الرغم من قوة ويب، فإنه لا يمتلك القدرة على جمع الضوء للاضطلاع بهذا النوع من التحليل“

في مجال علم الأحياء الفلكي Astrobiology، تهتم روغايمر بالبحث عن علامات الحياة على الكواكب التي تدور حول نجوم أخرى غير نجمنا. أفضل طريقة لفعل ذلك هي عزل الضوء الآتي من هذه الكواكب الخارجية وتحليله بحثاً عن غازات قد تكشف عن عمليات تمثيل غذائي خارج كوكب الأرض. التلسكوب ويب قادر على فعل ذلك على الكواكب الغازية الأكبر حجماً، لكن تلك ليست الكواكب التي نتوقع وجود الحياة عليها. يعتقد علماء الفلك أن الكواكب الصخرية التي يماثل حجمها حجم الأرض هي أهداف أفضل بكثير. ولكن على الرغم من قوة ويب، إلا أنه لا يمتلك القدرة على جمع الضوء للاضطلاع بهذا النوع من التحليل لأكثر من خمسة من هذه الأنواع من الكواكب.

عوالم أخرى
ستٌّ من المرايا الثماني عشرة التي تشكل مصفوفة التلسكوب ويب

تشرح روغايمر: ”عندما تفكر في العثور على حياة في الكون وتسأل أحدهم: ’حسناً، كم عدد الكواكب التي تريد تحليلها؟‘، لن يقول لك خمسة. سيقول مئات أو أكثر“.

لذلك، عندما يتعلق الأمر بالبحث عن الحياة على الكواكب الخارجية، يُعَد ويب بمنزلة ميدان اختبار لتلسكوب لاحق سيكون أكبر وأفضل.

جديد ومحسَّن
في يناير 2023، قال د. مارك كلامبين Mark Clampin، مدير قسم الفيزياء الفلكية لدى ناسا، في اجتماع للجمعية الفلكية الأمريكية American Astronomical Society إن خليفة ويب سيُطلق عليه اسم مرصد العوالم الصالحة للحياة Habitable Worlds Observatory (اختصاراً: المرصد HWO).

على الرغم من أن عملية تصميم التلسكوب HWO ما زالت في بدئها – حتى الاسم ما زال مؤقتاً – أصبح هناك أمران واضحان بشأن المشروع، وهما أن التلسكوب HWO سيكون كبيراً مثل ويب، لكنه سيرصد بالأطوال الموجية نفسها التي استخدمها هابل.

”مثل هابل، سيصمم HWO على أساس تحديثه دورياً، على الرغم من أن بعثات الصيانة هذه ستنجزها مركبات فضائية روبوتية“

هذا يعني أن مرآة HWO يجب أن يبلغ قطرها نحو 6 أمتار (19 قدماً) وبدلاً من الأشعة تحت الحمراء، يجب أن يعمل بأطوال موجية بصرية وفوق بنفسجية. ومثل ويب، سيكون موقعه عند نقطة لاغرانج 2 (Lagrange Point 2 أو اختصاراً النقطة L2)، وهي نقطة الجاذبية الجميلة على بعد 1.5 مليون كيلومتر (نحو 932,000 ميل) من الأرض. ومثل هابل سيجري تصميمه على أساس تحديثه على نحو دوري، على الرغم من أن بعثات الصيانة هذه ستنجزها مركبات فضائية روبوتية بدلاً من رواد الفضاء.

عوالم أخرى
البروفيسور سارة روغايمر

يأتي مفهوم هذه البعثة من دمج اثنتين أخريين درستهما الوكالة ناسا في أواخر العام 2010. الأولى كانت تسمى LUVOIR، وهو اختصار لتسمية المساح الكبير للأشعة فوق البنفسجية والبصرية والأشعة تحت الحمراء Large Ultraviolet, Optical and Infrared Surveyor. وكما يوحي الاسم، فإنها ستغطي نطاقاً كبيراً من الأطوال الموجية التي تتمحور حول الضوء المرئي، وستكون مرصداً فيزيائياً فلكياً عاماً، كما كان ويب وهابل.

جرى تطوير تصميمين مفاهيميين لمهمة LUVOIR: أحدهما بمرآة قطرها 8 أمتار (26 قدماً) والآخر بمرآة قطرُها 15 متراً (49 قدماً). سيُصنع كلا التصميمين من قطع مرايا سداسية مثل ويب.

المفهوم الثاني الذي درسته ناسا هو مهمة تصوير الكواكب الخارجية الصالحة للحياة (HabEx). وُضع التصور على أساس بناء تلسكوب فضائي بمرآة قطرها 4 أمتار (13 قدماً). وعلى الرغم من تطويره لدراسة الأجواء الخاصة بالكواكب الخارجية، فإنه يمكنه أيضاً توسيع نطاق عديد من الأبحاث التي كان هابل رائداً فيها.


HabEx، (مهمة تصوير الكواكب الخارجية الصالحة للسكن) كان مقترحًا تم دمجه مع LUVOIR (المساح الكبير للأشعة فوق البنفسجية والبصرية والأشعة تحت الحمراء) ليصبح مهمة مرصد العوالم الصالحة للسكن

المراصد الكبرى الجديدة

وضع مشروع المسح العقدي لعلم الفلك والفيزياء الفلكية للعام 2020 (2020 Astronomy and Astrophysics Decadal Survey) تطوير مجموعة جديدة من المراصد الفضائية التكميلية على رأس أجندة الولايات المتحدة للفيزياء الفلكية الفضائية. استجابةً لهذه التوصية بدأت ناسا مشروعاً مخصصاً للتطوير التكنولوجي لبرنامج المراصد الكبرى الجديدة.

كانت مراصد ناسا الكبرى الأصلية هي التلسكوب هابل الفضائي، والمرصد كومبتون لأشعة غاما Compton Gamma Ray Observatory، والمرصد تشاندرا للأشعة السينية Chandra X-ray Observatory، والتلسكوب سبيتزر الفضائي Spitzer Space Telescope. ومن خلال عملها بنحو فردي وتعاوني، أعادت هذه المهمات كتابة الكتب المدرسية وأحدثت ثورة في فهمنا للكون. لكن هذه المركبات الفضائية صارت قديمة؛ فقط هابل وتشاندرا ما زالا يعملان.

يتضمن برنامج المراصد الكبرى الجديدة ثلاث مهام. مرصد العوالم الصالحة للحياة والذي سيعمل بالأطوال الموجية فوق البنفسجية والبصرية والأشعة تحت الحمراء؛ ومرصد الأشعة السينية، لينكس Lynx، وبعثة الأشعة تحت الحمراء البعيدة المسماة أوريجنز (الأصول) Origins.

وفي أوروبا، تجري أيضاً دراسة بعثات كبيرة أخرى، مثل بعثة الأشعة السينية أثينا الجديدة NewAthena وبعثة الأشعة تحت الحمراء لايف LIFE. وإذا حصلت البعثات الأوروبية والأمريكية على تمويل حتى اكتمالها، فستوفر معاً معرفة علمية تكميلية قيِّمة.

متى قد نشهد إطلاق أول هذه المراصد الرائعة؟ يقول البروفيسور سكوت غاودي Scott Gaudi، من جامعة ولاية أوهايو The Ohio State University: ”يتوقع القائمون على المسح العقدي أن يحدث ذلك في العام 2045، لكن في أيامي الأكثر تفاؤلاً قد أقول إننا، في اعتقادي، قادرون على أن نفعل ذلك بحلول أواخر ثلاثينات القرن العشرين. لكن هذا يتطلب توافر الظروف الملائمة والتمويل“.


عوالم أخرى
أحد مفهومي LUVOIR التصميمية يزود المرصد بمرآة قطرها 15 متراً

يقول سكوت غاودي، أستاذ كرسي توماس جيفرسون للاكتشاف واستكشاف الفضاء Thomas Jefferson Professor for Discovery and Space Exploration من جامعة ولاية أوهايو الذي شارك في الدراسة حول HabEx: ”صمّمت HabEx لتكون بعثة أكثر تحفظاً إلى حد ما [من LUVOIR] مع القدرة على السعي إلى تحقيق الهدف العلمي الرئيس المتمثل في التصوير المباشر والتقاط أطياف الكواكب الشبيهة بالأرض حول النجوم القريبة الشبيهة بالشمس. سيمكنها أيضاً تسهيل إجراء دراسات علمية فلكية على نطاق واسع، من النوع الذي كان من الممكن الاضطلاع به باستخدام تلسكوب مثل هابل لكن مع فتحة أكبر وأدوات تكنولوجية حديثة“.

عوالم أخرى
بفضل قدرات ويب، تمكن علماء الفلك من اكتشاف جزيء من كاتيون الميثيل في قرص كوكبي أولي في نظام نجمي داخل هذه الصورة لشريط كوكبة الجبار

قُدم كلا المشروعين إلى المسح العقدي لعلم الفلك والفيزياء الفلكية للعام 2020 الذي تديره الأكاديمية الوطنية للعلوم National Academy of Sciences في الولايات المتحدة، إلى جانب مفهومي بعثتين أخريين: تلسكوب الأشعة السينية المسمى لينكس، وتلسكوب الأشعة تحت الحمراء البعيدة المسمى أوريجنز.

وبعد المداولات اللازمة، أوصى المسح الوكالة ناسا بإجراء برنامج للتطوير التكنولوجي مدة خمس سنوات لتجهيز نفسها لبناء كل هذه البعثات (انظر: المراصد الكبرى الجديدة)، مع ما ينطوي عليه دمج LUVOIR وHabEx في [ص 62] بعثة واحدة مع تلسكوب قطره 6 أمتار (19 قدماً). هذه هي البعثة التي تسمى حالياً HWO والتي كشف عنها كلامبين في الجمعية الفلكية الأمريكية، وستكون أول بعثة يجري تطوير التكنولوجيا الخاصة بها قبل البدء في تنفيذها.

“مرصد العوالم الصالحة للسكن سيغير ذلك تمامًا من خلال
فتح البحث عن كواكب خارج نظامنا الشمسي”

التقط ويب هذه الصورة للنجم Wolf-Rayet 124 (في الوسط) في أثناء عملية التخلص من طبقاته الخارجية قبل أن يتحول إلى سوبرنوفا (مستعر أعظم) Supernova

أنفاس الحياة
إن البحث عن الحياة في عوالم أخرى هو حلم راود علماء الفلك على مر العصور. تقليدياً، اعتُمِد على استخدام التلسكوبات الراديوية للاستماع إلى إشارات تنتمي إلى اتصالات آتية من خارج كوكب الأرض. يفترض هذا بالطبع أن الكائنات الفضائية متقدمة تقنياً (ولكن ليست متقدمة جداً)، لذا فهي تستخدم اتصالات الراديو.

ولكن، عند البحث عن الأنواع غير الذكية، فقد اقتصر الأمر حتى الوقت الحالي على مجموعتنا الشمسية، والمركبة الفضائية المصممة لمسح تضاريس المريخ، أو مراقبة أقمار المشتري وزحل بحثاً عن علامات تدل على وجود قابلية للعيش أو الحياة عليها.

ومن شأن المهمة HWO أن تغير ذلك تماماً من خلال المضي قُدُماً وتوسيع البحث إلى كواكب خارج مجموعتنا الشمسية، ومن خلال كونها حساسة لعلامات الحياة في أي مرحلة من مراحل تطورها. الأساس وراء ذلك هو حقيقة أن جميع الكائنات الحية تتنفس. وهذا يعني استنشاق أو سحب غاز وإخراج أو طرد آخر. على الأرض تُجبر هذه العملية غلافنا الجوي على الخروج من ”التوازن الكيميائي“ Chemical equilibrium عن طريق توفير كمية من الأكسجين والميثان في غلافنا الجوي أكبر مما يمكن أن تكون عليه الحال في ظروف الاستقرار الكيميائي.

اقترح مفهوم مهمة داروين التابع لوكالة الفضاء الأوروبية استخدام أسطول من المركبات الفضائية لمراقبة الأجواء للكواكب الخارجية

إذا اختفت الحياة من الأرض غداً، فسيُزال الأكسجين والميثان الذي يحتويه الغلاف الجوي تدريجياً عن طريق العمليات الكيميائية والجيولوجية.

لذا فإن العثور على كوكب يحيط به غلاف جوي لا يمكن تفسيره بالكيمياء وحدها يمكن أن يكون علامة على وجود أشكال حياة تتنفس تعمل باستمرار على تزويد الغلاف الجوي بجزيئات لا توجَد معاً في الطبيعة. والطريقة التي يمكن من خلالها فعل ذلك هي عزل الضوء الآتي من الكوكب المستهدف.

يحمل الضوء معلومات أكثر بكثير من مجرد مقدار سطوع جسم سماوي. يؤدي تقسيم الضوء إلى الأطوال الموجية المكونة له إلى إنتاج طيف يشبه قوس قزح يتقاطع مع سلسلة من الخطوط الداكنة. تنتج هذه الخطوط بفعل الذرات والجزيئات المختلفة التي مر عبرها الضوء.

تمتص كل مادة كيميائية نمطاً مختلفاً من الأطوال الموجية، ومن ثم تنتج نمطاً مختلفاً من الخطوط الداكنة. إنها مثل بصمة الإصبع، وتسمح لعلماء الفلك بتحديد التركيب الكيميائي لجسم سماوي، بغض النظر عن مدى بُعد ذاك الجسم.

لكن جمع ما يكفي من الضوء من كوكب ما هو أمر صعب جداً، لأن الكوكب يعكس ضوء النجوم فقط، ونجمه الأم أكثر سطوعاً ببليون مرة.

يقول غاودي: ”التشبيه الذي يستخدم غالباً هو أن الأمر يشبه محاولة اكتشاف يراعة ]تُصدر ضوءاً خافتاً[ بجوار ضوء كشاف اصطناعي. تبعد اليراعة عن الكشاف نحو 5 أمتار (16 قدماً)، لكنهما موجودان في لوس أنجلوس، في حين أنت واقف في مدينة نيويورك. هذا هو التشبيه. على الرغم من أن الأمر في الواقع أسوأ بكثير من ذلك إذا أجريت عملية حسابية صحيحة“.

ما يعنيه هذا عملياً هو أن التلسكوب سيحتاج إلى بعض الوسائل لحجب ضوء النجم حتى يمكن رؤية الكوكب. في البعثة HWO، سيستخدم جهاز يسمى كوروناغراف Coronagraph لحجب الضوء من النجم المركزي، ولكنها عملية حساسة تعتمد على الدقة القصوى.

يقول غاودي: ”إن تخفيض أو تقليل سطوع نجم مضيء أو الكورونوغرافيا coronagraphy هي تقنية صعبة، خاصة على هذا المستوى. إنها واحدة من أعمدة التكنولوجيا التي نتعامل معها حالياً، ونحاول تطويرها إلى النقطة التي يجب أن تصلها لاستخدامها في مهمة مرصد العوالم الصالحة للحياة“.

في حين تراهن الوكالة ناسا على الكورونوغرافيا، هناك طرق أخرى لحجب ضوء النجوم الباهر.

تشارك روغايمر في مشروع يسمى مقياس التداخل الكبير للكواكب الخارجية Large Interferometer For Exoplanets، أو اختصاراً المشروع لايف LIFE. ومن الممكن أن يصير لايف الذي يتولى تنسيقه المعهد الفِدِرالي السويسري للتكنولوجيا (ETH) Swiss Federal Institute of Technology في زيورخ، بعثة مستقلة.

مثل البعثة HWO، تركز البعثة لايف على استكشاف الكواكب القريبة لتحليل أغلفتها الجوية بحثاً عن آثار للحياة. على عكس البعثة HWO، تعطي لايف الأولوية لجزء الأشعة تحت الحمراء من الطيف وهي ليست تلسكوباً واحداً مزوداً بجهاز كورونوغراف. بدلاً من ذلك، فإن لايف هي عبارة عن أسطول من التلسكوبات الفضائية التي من شأنها أن تجمع ضوءها بطريقة تؤدي إلى عملية تسمى التداخل الهدّام Destructive interference لإزالة الوهج الصادر عن النجم، مما يتيح للضوء الخافت المنعكس من الكوكب أن يتألق من خلاله.

أُطلقت المركبة كيبلر الفضائية التابعة لناسا في العام 2009 للبحث عن كواكب خارجية بحجم الأرض تدور في المناطق الصالحة للحياة حول نجومها

يمثل ذلك إحياء لفكرة كانت وكالة الفضاء الأوروبية رائدة فيها في منتصف تسعينات القرن العشرين وتناولتها الدراسات طوال عقد تقريباً. في ذلك الوقت كان المفهوم يسمى داروين Darwin ويفترض أن يضم ثلاثة أو أربعة تلسكوبات فضائية بطول 4 أمتار (13 قدماً) ومركبة فضائية مركزية تجمع الأشعة. وفق التصور كان يفترض أن يكون داروين قادراً على التقاط صور أكثر تفصيلاً بمقدار 10 إلى 100 مرة من ويب.

لقد كانت بعثة مكلفة وصعبة من الناحية التكنولوجية، وفي النهاية تقرر التخلي عنها لأننا في ذلك الوقت لم نكن نعرف ما يكفي عن الكواكب الخارجية. لم يكن لدى علماء الفلك أي فكرة عن عدد العوالم الموجودة بحجم الأرض أو مدى قربها من المجموعة الشمسية. صُمم داروين لكي يعثر أولاً على الكواكب، ويحلِّل أغلفتها الجوية ثانياً. ولكن في أسوأ السيناريوهات كان من الممكن أن يكتشف داروين أن العوالم الشبيهة بالأرض نادرة، ومن ثم لا يجد هدفاً يمكن أن يتقصاه.

تقول روغايمر: ”أود أن أقول إن هذا هو السبب الرئيس وراء عدم المضي قدماً بالمفهوم داروين“.

”أجرى التلسكوب كيبلر الفضائي التابع لناسا إحصاءً للكواكب الخارجية، وأظهر أن عدد الكواكب يفوق عدد النجوم في المجرة“

حالياً، بعد نحو ثلاثة عقود، أصبحت الأمور مختلفة تماماً. أجرى التلسكوب كيبلر الفضائي التابع لناسا إحصاءً للكواكب الخارجية أظهر أن عدد الكواكب يفوق عدد النجوم في المجرة. وأكثر من ذلك من المرجح أن يكون لدى 20 إلى 50% من النجوم كواكب صخرية مماثلة في الحجم للأرض، وتقع داخل مناطقها الصالحة للحياة، وهي المنطقة المدارية حيث يكون الجو دافئاً بدرجة كافية لوجود الماء السائل على السطح.

يركز مفهوم المشروع لايف على الجزء تحت الأحمر من الطيف لسببين. أولاً، التباين بين النجم والكوكب هو مليون إلى واحد فقط، مما يعني أن النجم أكثر سطوعاً بمليون مرة من الكوكب. وهذا أفضل ألف مرة من التباين في المنطقة المرئية من الطيف حيث يفوق سطوع النجم الكوكب بمقدار بليون مرة إلى واحد. لذا فإن تبَيُّن إشارة الكوكب من وهج النجم أسهل بالأطوال الموجية للأشعة تحت الحمراء.

ثانياً، تتفاعل كمية أكبر من الجزيئات مع الأشعة تحت الحمراء مقارنةً بالضوء المرئي، ومن ثم يمكن أن يكون تحليل الغلاف الجوي أكثر اكتمالاً.

لكن هذا لا يعني أن المرئي هو من الدرجة الثانية. يمكن اكتشاف الأكسجين والماء وثاني أكسيد الكربون بأطوال موجية مرئية، وكلها ضرورية لإظهار ما إذا كانت هناك حياة في العالم المستهدف. سيكشف الطول الموجي للأشعة فوق البنفسجية المستخدم في البعثة HWO أيضاً عن النشاط المغناطيسي للنجم الأم. وإذا كانت هذه المستويات مرتفعة، فمن شأنها أن تضعف صلاحية الكوكب للحياة.

والشيء الآخر الذي قد نتمكن من رؤيته بأطوال موجية مرئية هو انعكاس ضوء النجم من أي محيطات قد تكون موجودة على الكوكب.

بالطبع الوضع المثالي هو أن يكون لدينا كل من البعثتين HWO ولايف معاً. تقول روغماير: ”لو كانت لدي أموال طائلة، لنفذت كليهما. نحن نحتاج إلى جميع الأطوال الموجية“.

يبقى أن نرى ما إذا كان علماء الفلك سيحصلون على كليهما. وبعيداً عن البحث عن الحياة على كواكب أخرى، هناك عدد كبير من أعمال الرصد الأخرى التي يمكن لهذه المراصد تنفيذُها أيضاً (انظر: ما الذي سترصده البعثة HWO؟’). لذا، مهما كان شكل خليفة ويب، فمن المؤكد أن عليه إنجاز كثير من العمل.


د. ستيوارت كلارك Dr. Stuart Clark
(@DrStuClark)
ستيوارت هو زميل الجمعية الفلكية الملكية Royal Astronomical Society ومؤلف كتاب تحت جنح الليل: كيف شكلت النجوم تاريخ البشرية Beneath the Night: How the stars have shaped the history of humankind (منشورات: Faber).


ما الذي سترصده البعثة HWO؟ 

علامات الحياة على كواكب خارج مجموعتنا الشمسية ليست هي الأشياء الوحيدة التي سيبحث عنها مرصد العوالم الصالحة للعيش…

1. الحركة
سوف يقيس المرصد HWO حركة النجوم الفردية في المجرات خارج مجرة درب التبانة للسماح لعلماء الفلك بتحليل دوران تلك المجرات. يُعتقَد أن دوران المجرة يتحدد من خلال توزيع المادة المعتمة الغامضة حولها. ستسمح هذه القياسات لعلماء الفلك بدراسة هذا التوزيع.


2. التوسع
سترصد البعثة HWO النجوم القيفاوية المتغيرة Cepheid variable stars للسماح لعلماء الفلك بقياس معدل توسع الكون بدقة أكبر بكثير. اكتشف علماء الفلك ”توتر هابل“ Hubble tension، إذ لا يتطابق معدل التوسع المحدد بطرق مختلفة. وهذه القياسات إما أن تساعد على حل التوتر وإما أن تؤكد حقيقته.


3. الشفق القطبي
سترصد البعثة HWO الشفق القطبي على الكواكب الخارجية Exoplanets للسماح لعلماء الفلك بتقصي التأثير المغناطيسي للشمس. يمتلئ الفضاء بين الكواكب بالمجالات المغناطيسية والجزيئات المشحونة كهربائياً الآتية من الشمس. ستسمح هذه الأرصاد لعلماء الفلك بفهم كيف تتفاعل الكواكب مع هذه المكونات.


4. البراكين
ستتقصى البعثة HWO البراكين الجليدية على أقمار مثل يوروبا Europa وإنسيلادوس Enceladus للسماح لعلماء الفلك باستكشاف تصميماتها الداخلية. ويعتقد أن الأقمار التي تشهد انفجارات بركانية من المياه والجليد تحتوي على محيطات. ستسمح أرصاد البعثة HWO لعلماء الفلك بدراسة تكوين هذه المحيطات من دون الحاجة إلى زيارة الأقمار.


5. الأجرام
ستقيس البعثة HWO الأجرام الموجودة في حزام كويبر Kuiper Belt، خارج مدار نبتون Neptune، للسماح لعلماء الفلك بحساب حجمها وكثافتها. إن الأجرام الصخرية الجليدية الموجودة على حافة مجموعتنا الشمسية هي ”بقايا“ من تكوين الكواكب. سيسمح رصدها لعلماء الفلك بفهم مزيد عن تكوين المجموعة الشمسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى