قطار أنفاق لندن: هل يؤذي هواؤه صحتَنا؟
يأمل عمدة لندن أن تجري %80 من التنقلات في المدينة سيراً على الأقدام أو بالدراجة أو باستخدام وسائل النقل العام بحلول العام 2041. ولكن ما مدى تلوث هواء مترو الأنفاق؟
في أي يومٍ من أيام الأسبوع، يمكن أن يستقل مترو أنفاق لندن ما يصل إلى خمسة ملايين مسافر يصعدون إليه وينزلون منه. تخدم خطوطه الأحد عشر 272 محطة، وفي أوقات الذروة يمكن أن يتجاوز عدد القطارات- المحمَّلة بالركاب تحت شوارع لندن- الخمسمئة قطار.. نظراً إلى أنه قيد الاستخدام المستمر منذ القرن التاسع عشر، بقي مترو أنفاق لندن على حاله إلى حد كبير، ولم يحدَّث، أو تشمله الأبحاث مثل أشكال النقل الأخرى.
لقد أتاحت الجائحة لشركة النقل في لندن (TfL) التي تدير مترو الأنفاق الفرصة لإجراء بعض التحسينات. جرى فحص أنظمة التهوية فيه، ووفقاً لاستراتيجية رئيس بلدية لندن لتحديث النقل في العام 2021 فإن “البنية التحتية للتهوية في مترو أنفاق لندن صُممت لتجاوز الحد الأدنى من المتطلبات القانونية لتجديد الهواء على نحو كافٍ”.
ولكن ما مدى نقاء الهواء الذي نتنفسه في قطار الأنفاق؟
يوضح د. ديفيد غرين David Green الذي يقود فريق علوم الأيروسول في جامعة إمبريـال كوليدج لندن Imperial College London، وعضو لجنة المملكة المتحدة المعنية بالتأثيرات الطبية لتلوث الهواء Committee on the Medical Effects of Air Pollution (اختصاراً: اللجنة COMEAP): “الهواء، حتى قبل وصوله إلى مترو الأنفاق، ليس نظيفاً تماماً”. غرين هو أيضاً جزء من مجموعة تعمل بتكليف من الهيئة Tfl لإعادة التقييم المنتظم لمخاطر انتشار كوفيد19- في مترو الأنفاق.
يضيف: “يحتوي الهواء في المدينة في الأصل على مستوى منخفض من الجسيمات Particulate matter، ولكن إضافةً إلى ذلك لدينا كل هذه الانبعاثات الإضافية [المتأتية من قطار الأنفاق]”.
يشمل ذلك الجسيمات التي تأتي من العربات التي تتحرك على طول القضبان، وكتل الفرامل التي تحتك بالعجلات، والتوصيل الكهربائي بين لوحة التجميع وسكة النقل. هناك أيضاً جسيمات تأتي من ركاب المترو، البشر وغيرهم. تساهم خلايا الشعر والجلد والألياف البلاستيكية من الملابس ونفايات الكائنات التي تعتبر مترو الأنفاق موطنها في تحديد نوعية الهواء.
بعض الجسيمات كبيرة بما يكفي لتلتقطها الشعيرات الموجودة في أنوفنا وحلوقنا، مما يمنعها من الوصول إلى رئاتنا وإحداث ضرر فيها. هذه الجسيمات قطرها أقل من 10 ميكرومترات، أو نحو 0.01 مم، وتُعرف بالجسيمات PM10. الجزيئات الأصغر التي يقل قطرها عن 2.5 ميكرومتر تُسمى الجسيمات PM2.5، وهي الجزيئات التي يمكن أن تدخل عميقاً في الرئتين، وقد تدخل أيضاً إلى مجرى الدم لتُنقل إلى جميع أنحاء الجسم، فتؤثر في الدماغ والقلب وغيرهما من الأعضاء.
ما زالت قيم التعرض في المملكة المتحدة للجسيمات PM2.5 أعلى من إرشادات منظمة الصحة العالمية World Health Organization (اختصاراً: المنظمة WHO) التي غيرت هدفها أخيراً إلى متوسط تعرُّض سنوي لا يتجاوز 5 ميكروغرامات/م3. في السابق، كان الهدف 10 ميكروغرامات/م3. أما الحد الذي وضعه الاتحاد الأوروبي فهو 25 ميكروغراماً/م3، وهو أيضاً الحد الذي اعتمده قانون المملكة المتحدة.
يقول غرين: “إن المبادئ التوجيهية الجديدة للمنظمة WHO تمثل تحدياً كبيراً، ولا أعتقد حالياً أن أي موقع في المملكة المتحدة سيتلاءم معها”. وفقاً لأحدث دراسة أجرتها اللجنة COMEAP، كانت تركيزات الجسيمات PM2.5 في مترو أنفاق لندن أكبر بعدة مرات من بيئات النقل الأخرى في لندن، وأكبر منها في أنظمة مترو الأنفاق الأخرى حول العالم.
“ركوب الناس مترو الأنفاق أفضلُ بكثير من ركوب سياراتهم للتنقل في أنحاء لندن”
اختر وسيلة تنقلك
ومع ذلك عند التفكير في جودة الهواء في مترو الأنفاق، يقول غرين إنه من المهم مراعاة السياق داخل نطاق وسائط النقل. قارن تقرير في العام 2021 معدلات الجسيمات PM2.5 في مترو الأنفاق والحافلة والسيارة وثلاثة أنواع من القطارات وركوب الدراجات والمشي. من المثير للاهتمام، أن أقل قدر من التعرض لهذه الجسيمات سُجل في القطارات الكهربائية والهجينة، حتى بالمقارنة مع ركوب الدراجات والمشي، على الرغم من أن هذه لم تكن هي الحالَ عندما كانت هذه القطارات تعمل في المحطات إلى جانب قطارات تعمل بالديزل.
يقول غرين: “[إن السفر في قطار الأنفاق] مدة ساعة واحدة كل يوم من أيام الأسبوع على مدى 48 أسبوعاً في السنة على خط فيكتوريا سيزيد من تعرضك السنوي للجسيمات PM2.5 بمقدار 6.8 ميكروغرام/م3. تضاف هذه الزيادة إلى تعرُّض الأفراد المعتاد للملوثات في الهواء، والتي تختلف بحسب الموقع… هذا مقابل 1.2 ميكروغرام/م3 في السيارة. لكن تذكر أن السيارة تلوث الآخرين أيضاً”.
يعتبر غرين ذلك مسألة أساسية. إذ يقول: “من الأفضل أن يركب الناس مترو أنفاق لندن أكثر من ركوب سياراتهم للتنقل في أرجاء المدينة. هذا لأنك إذا كنتَ جالساً في سيارتك، فإنك تتعرض لتركيزات عالية جداً من ملوثات السيارات. أنت تجلس مباشرة خلف عادم السيارة [التي أمامك]، لذلك يكون تعرضك
أعلى من تعرُّض راكبي الدراجات على الطريق أو المشاة المارين بالقرب منك. والشيء الآخر هو أنك تلوث العالم الذي يعيش فيه الآخرون. لذلك في حين أن السيارة ليست أسوأ من قطار الأنفاق من حيث التعرض للجسيمات PM2.5، فإنها أسوأ بكثير من حيث الملوثات الأخرى مثل أكاسيد النيتروز”.
أما أولئك المضطرين إلى التنقل بالمترو، فيتعلق الأمر باختيار أفضل طريق. فقد وجد بحث غرين أن الخطوط العميقة، مثل الخط الشمالي، هي عموماً أسوأ من خطوط المستوى الأعلى مثل خطوط سيركل، وديستريكت وهامرسميث أند سيتي، ومتروبوليتان. كما تؤدي الخطوط القديمة ونوع القطارات المستخدمة دوراً في ذلك، لذا يقترح غرين اختيار الخطوط والمحطات الأحدث التي تحتوي على أبواب إضافية على منصة الركوب لتقليل التعرض. ومع ذلك فهو يقر بأنه في بعض الأحيان لا يوجد كثير من الخيارات.
كما يُعنى غرين بصحة العاملين في مترو أنفاق لندن. فللأسف لا توجد بيانات كافية لتوضيح الآثار الصحية طويلة المدى الناجمة عن العمل في قطار الأنفاق.
يقول: “نحن نعمل من كثب مع الهيئة TfL لمقارنة الإجازات المرضية للعاملين في مترو أنفاق لندن بالعاملين الآخرين في الهيئة… نريد أيضاً أن ننظر في بيانات المعاشات التقاعدية لنرى ما إذا كان الأشخاص الذين يعملون في قطارات الأنفاق قد يموتون أبكر قليلاً من الأشخاص الذين لا يعملون فيها. لكن [هذه الدراسات] ما زالت في مراحلها الأولى في الوقت الحالي”.
مع ذلك، يمكن طمأنة ركاب المترو إلى أن خطر الإصابة بكوفيد19- ضئيل جداً.
قال متحدث باسم الهيئة TfL لمجلة BBC Science Focus: “تُنظَّف قطارات الأنفاق والمحطات بمواد تنظيف كتلك المستخدمة في المستشفيات التي تقتل الفيروسات والبكتيريا عند الملامسة وتوفر حماية مستمرة… تُجري جامعة إمبريال كوليدج لندن اختبارات مستقلة شهرياً منذ سبتمبر 2020، إذ تأخذ مسحات من نقاط الاتصال في المحطات وفي الحافلات، وعينات من الهواء في قاعات التذاكر، وحتى آخر جولة مسح أُجريت في ديسمبر 2021، لم يُعثر على أي أثر لفيروس كورونا على شبكة النقل العام”.
إيمي باريت Amy Barrett
إيمي هي مساعدة التحرير في مجلة BBC Science Focus