أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تدقيق الحقائق

نفايات الفضاء: هل هي كارثة مقبلة؟

يدعو عديد من الخبراء إلى تحرُّك عاجل قبل أن يُسبب الحطام العائم في المدار حول الأرض بدءَ سلسلة أحداث متلازمة كيسلر.

تشير التقديرات إلى أن هناك حالياً نصفَ مليون قطعة من الحطام بحجم كرة صغيرة أو أكبر، و100 مليون قطعة من الحطام يزيد عرضها على ملِّيمتر واحد“

 

في مايو 2021، عُثرَ على ثقب في ذراع روبوتية على متن محطة الفضاء الدولية International Space Station (اختصاراً: المحطة ISS). وذهبت التقديرات إلى أن قطعة من الخردة الفضائية Space junk هي التي أحدثته. وفي حين لم يُصب أي من رواد الفضاء لحسن الحظ، فقد أعاد ذلك تسليط الضوء على مشكلة الحطام المداري Orbital debris المتفاقمة.

كيف وصلنا إلى هنا؟

من السهل أن ننسى أنه قبل سبعة عقود فقط كان القمر هو الشيء الوحيد الذي يدور حول الأرض. لكن في 1 يناير 2021، كان في المدار 6,542 قمراً اصطناعياً أكثر من نصفها بقليل مستخدمة الآن. ويمثل هذا كمية كبيرة من المعادن غير المفيدة التي تحوم حول الكوكب بسرعة 28,000 كم/ساعة، أي أسرع بعشر مرات من الرصاصة. يصف جان فورنر Jan Wörner، المدير العام السابق لوكالة الفضاء الأوروبية European Space Agency (اختصارا: الوكالة إيسا ESA)، الأمر على هذا النحو: “تخيلوا مدى خطورة الإبحار في عرض البحر لو أن معظم السفن التي فُقدت على مر التاريخ ما زالت تتهادى فوق الماء”.

حتى أصغر الشظايا، بما في ذلك الصواميل والمسامير الضالة والجزيئات المجمدة من وقود الصواريخ، يمكن أن تُسبب أضراراً هائلةً. وحتى بقع الطلاء تشكل تهديداً، فقد أُجبرت ناسا على استبدال عديد من النوافذ التالفة في مكوك الفضاء القديم. وتقول وكالة ناسا إن الحطام المداري بحجم ملِّيمتر يُعد أعلى المخاطر لإنهاء بعثة معظم المركبات الفضائية الروبوتية التي تعمل في مدار منخفض حول الأرض.

ما مدى خطورة المشكلة؟

إنه أمر سيئ جداً ويزداد سوءاً. إذ تشير التقديرات إلى أن هناك حالياً نصف مليون قطعة من الحطام بحجم كرة بلية اللعب أو أكبر، و100 مليون قطعة من الحطام يزيد عرضها على مليمتر واحد. ولكن لا تتعقب وزارة الدفاع الأمريكية سوى حركة 27,000 قطعة منها.

اضطرت محطة ISS إلى إجراء 29 مناورة لتجنب الحطام منذ العام 1999، بما في ذلك ثلاث مناورات في العام 2020 وحده. ولا يساعد أن بعض الدول قررت عمداً تفجير أقمارها الاصطناعية بالصواريخ في إطار مناورات عسكرية تجريبية. ومثل هذه الخطوة التي اتخذتها الهند في العام 2019 نتجت عنها 400 شظية من الحطام الفضائي.

ويُتوقَّع أن يزداد الفضاء ازدحاماً مع تضاعف عدد عمليات إطلاق الأقمار الاصطناعية بخمس مرات في العَقد المقبل. في يناير 2021 أُطلق 143 قمراً اصطناعياً إلى الفضاء دفعة واحدة على متن صاروخ سبيس إكس فالكون SpaceX Falcon rocket. ويهدف مشروع خدمة الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية Starlink لشركة SpaceX إلى وضع 12,000 قمر اصطناعي في المدار خلال السنوات الخمس المقبلة. كل هذه الأجهزة الإضافية تزيد بصورةٍ كبيرةٍ من فرص الاصطدامات ومتلازمة كيسلر Kessler syndrome المخيفة.

ما متلازمة كيسلر؟

متلازمة كيسلر هي سلسلة كارثية من الأحداث يتحطم خلالها قمر اصطناعي من جراء ارتطامه بقطعة من النفايات الفضائية (أو الاصطدام بقمر اصطناعي آخر)، ثم يدمر الحطام الناتج مزيداً من الأقمار الاصطناعية مما يؤدي إلى إنتاج مزيد من النفايات، وهكذا دواليك في سلسلة لا تنتهي. إنه ما يُسمى التفاعل التسلسلي أو تأثير الدومينو Domino effect– إذ يؤدي سقوط قطعة إلى سقوط الأخرى المجاورة لها تباعا- وقد سمي على اسم عالم ناسا دونالد كيسلر Donald Kessler الذي أوضح مخاطر ذلك في العام 1978.

وفقاً لتقرير استدامة الفضاء Space Sustainability report الصادر في العام 2020 عن منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي Organisation for Economic Co-operation and Development (اختصاراً: المنظمة OECD)، فإن متلازمة كيسلر قادرة على جعل بعض المدارات غير صالحة للاستعمال للأنشطة البشرية. ويرجح التقرير أن يؤدي ذلك إلى تعطيل خدمات الإنترنت والطقس والاتصالات على نحو خاص.

ما مدى قُربنا من تحفيز متلازمة كيسلر؟

توقع تقرير للأمم المتحدة يعود إلى العام 2013 أن تحدث اصطدامات كارثية مرة كل خمس إلى تسع سنوات خلال القرنين المقبلين. وهذا يحدث بالفعل. في العام 2009 اصطدم قمر الاتصالات الاصطناعي إيريديوم Iridium بالقمر الاصطناعي الروسي غير المستخدم كوزموس 2251 (Kosmos 2251)، مما أدى إلى تدمير المركبتين الفضائيتين. وقع الحادث على الارتفاع نفسه تقريباً لأحد الأقمار الأكثر عرضة للخطر وهو القمر الاصطناعي لرصد الأرض إنفيسات Envisat الذي يبلغ وزنه ثمانية أطنان. سيبقى إنفيسات في المدار مدة 150 عاماً مقبلة، وهناك احتمال بنسبة 15 إلى %30 أن يصطدم بقطعة من الخردة الفضائية خلال ذلك الوقت. لا يتعين بالضرورة أن تحدث متلازمة كيسلر بسرعة. فقد تكون هذه الارتطامات هي أول قطعة من السلسلة، ثم تحدث الاصطدامات بوتيرة أسرع بمرور الوقت.

نفايات الفضاء

ما الذي يمكننا فعله حيال هذا؟

سيساعد تنظيم عمليات الإطلاق الجديدة على نحو أفضل، إذ إن الكل يتصرف حالياً كما يرغب. هناك لوائح وُضعت لمحاولة التخفيف من المخاطر، مثل قاعدة الخروج من المدار بعد 25 عاماً للبعثات الموجودة في مدار أرضي منخفض. ولكن يفيد تقرير بيئة الحطام الفضائي Space Debris Environment Report الصادر عن الوكالة إيسا بأن أقل من %60 من أولئك الذين يحلقون في مدار أرضي منخفض يلتزمون حالياً بالقواعد. يجب تغليظ عقوبات المخالفين، وأن يتوقف التفجير المتعمد للأقمار الاصطناعية. كما يساعد تعزيز تتبُّع الخردة الفضائية لأنه يمكن إزاحة الأقمار الاصطناعية المشغَّلة من مسار التصادم عن طريق تشغيل صواريخها الصغيرة الدافعة. ومع ذلك فإن الأقمار الاصطناعية المنتهية الصلاحية ما زالت مُعيقة، ولا يوجد ما يسعنا فعله لتجنب الاصطدام. لهذا السبب يطالب كثيرون بعملية تنظيف. في العام 2018، اختبرت بعثة ريموف ديبري RemoveDEBRIS البريطانية استخدام خطاف لجمع النفايات من المدار. وفي هذه الأثناء شكلت الوكالة إيسا أول بعثة لإزالة الحطام الفضائي في العالم. سُمِّيت المهمة كليرسبيس – 1 ClearSpace-1))، وستُطلق في العام 2025، على أن تحاول التقاط الطبقة العليا من صاروخ بقي في الفضاء منذ العام 2013.

 

كولين ستيوارت Colin Stuart (@skyponderer)

كولين هو مؤلف ومحاضر في علم الفلك. يمكن الحصول مجاناً على نسخة من كتابه الإلكتروني على colinstuart.net/ebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى