مكان سحري
الحدائق الترفيهية تستخدم تقنيات ذكية لجعل زيارتك لا تنسى، وكل ذلك دون إجبارك على تنزيل تطبيق أو تسجيل الدخول عبر الإنترنت.
أليكس كروتوسكي Aleks Krotoski اختصاصية علم النفس الاجتماعي، ومقدمة برنامج «الإنسان الرقمي» Digital Human على محطة BBC الإذاعية الرابعة.
الحدائق الترفيهية؟ أنا أعشقها. في غضون شهر أو نحو ذلك، ستفتح أفضل الحدائق الترفيهية في المملكة المتحدة أبوابها للموسم الجديد؛ فتفتننا بألعابها المبهجة المصممة بعناية. كالمعتاد، سأكون أول الداخلين إليها، وسأُجبر على تجربة العروض المسبقة، إلى أن أغوص فيها مثل تابع مستسلم طوعاً لمصيره. نعم، قد أكونُ من المبشرين بالعالم الرقمي، لكن بالنسبة إلي لا يوجد شيء بمثل تلك القدرة على أسرك أو جعلك تدمن عليه مثل التجربة الكاملة لقضاء يوم في مخيلة شخص آخر.
وفي عام 2018 قالت د. كاريسا بيكر Carissa Baker، الأستاذة المساعدة في الحدائق الترفيهية والقصص المحكية من جامعة سنترال فلوريدا University of Central Florida، إن الحدائق الترفيهية تجمع القصص وتحكيها. إذ تبدأ رواياتها المميزة قبل دخولك الحديقة، وتُروى فيما تختبره هناك، وتستمر بعد مغادرتك. إنها تغمرنا بالأساطير أو الفولكلور أو الأفلام – تبعاً للمكان الذي تزوره في العالم – وتبسط ذلك العالم بشكل فريد عن طريق وضعنا في وسطه. كيف تفعل ذلك؟ يعتقد البعض أن الأمر يرجع إلى الاتجاه الإبداعي وتصميم النظام السردي. لكنني أسميها كما أراها: إنها تستخدم جميع الحيل النفسية الواردة في كتب علم النفس الاجتماعي لديَّ لحملنا على الإحساس والتصرف بالطريقة التي يتنبأ بها من يقفون وراء الكواليس. وحتى أروع من ذلك.
كلُّ شيء في الحدائق الترفيهية معدٌ لهدف ما. وكل شيء محسوب حسابه. وفي حين أن المصممين في العالم الرقمي يستنتجون ما نشعر به، فإن هذه الحدائق الترفيهية تخلق فعلياً هذه المشاعر. ومن الأمثلة الشهيرة على ذلك، شارع ماين ستريت Main Street USA في ديزني لاند، والذي تجتازه عند دخولك الحديقة: صُمِّمت المجموعات من منظور قسري Forced perspective، بحيث تبدو المباني أطول وأكبر مما هي عليه. ويكثر استخدام مثل هذه التقنيات في ساحات عصر النهضة الإيطالية وإنجلترا في عهد الملك جورج لجعل المباني تبدو أكبر مما كانت عليه. وصُمِّم شارع ماين ستريت الأسطوري لكي تشعر بأنه أكبر وأكثر إبهاراً للعين مما هو عليه حقّاً، ومن نتيجة ذلك أنه يأسر قلوب الزائرين ويثير فضولهم لاستكشاف المكان منذ لحظة دخلوهم الحديقة؛ نحن أبطال قصة ديزني لاند. إنها حقّاً خدعة غامرة.
والعالم الرقمي لا يمكنه بأي حال أن يضاهي سحر مثل هذه الأماكن. نعم يمكن للمصممين الرقميين إنشاء شيء من لا شيء بفضل الرياضيات والكهرباء، لكن أفضل محاولاتهم ليست سوى صور يحدها فضاء ثنائي الأبعاد. فكل ما لديهم في جعبة أدواتهم هي الرؤية والصوت. وبشكل غامض، ما زالوا يبهروننا ويدفعوننا إلى التفكير في أنهم قد تمكنوا من إعادة تكوين مشاعر الإنسان في حين أنهم يستخدمون إنسانيتنا.
لكنه لا يوجد مكان للرقمي في الحدائق الترفيهية. نعم، توجد وراء الكواليس آلات للبيانات تحاول تتبعنا لجعل تجاربنا أفضل وذات طابع شخصي أكبر. وباستثناء مثال أو مثالين بارزين، لا تستخدم التكنولوجيا الرقمية لجعلنا نقضي وقتاً أفضل في الحديقة بأي طريقة عملية. إنها تحول دون ذلك. وربما هذا هو السبب الذي يجعلني أحب الحدائق الترفيهية. لأنني عندما أكون هناك، أريد أن أعيش رؤية شخص آخر، وأن أنساق مع الشعور.
التطبيق التالي الناجح ليس على جهازك. إنه الأماكن التي تبهرنا وتجبرنا على إبقاء هواتفنا في جيوبنا حتى نتمكن من خوض تلك التجربة بالفعل.