أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تمهيد

نهاية العالم النباتي

يستمر العمل مستمراً حثيثاً لتوثيق أنواع النباتات والفطريات في العالم وحمايتها... وكل شيء على المحك إذا خسرنا السباق

من أجل الزراعة، أزيلت الغابات المطيرة، موطن عديد من الأنواع غير المكتشَفة من النباتات والفطريات

في القرن التاسع عشر، حلم تشارلز داروين Charles Darwin بقائمة تصف معظم النباتات المعروفة في العالم وأين يمكن العثور عليها. وفي أكتوبر 2023، حققت الحدائق النباتية الملكية في كيو Royal Botanic Gardens at Kew في ضواحي لندن هذا الحلم من خلال نشر ما وُصف بأنه قاعدة بيانات النباتات الأكثر شمولاً التي جرى تجميعها على الإطلاق.

لكن العالم تغير منذ أن حلم داروين بالفكرة. ومن هنا فإن التقرير الصادر بعنوان حالة النباتات والفطريات في العالم 2023 State of the World’s Plants and Fungi 2023، لا يشرح فقط تفاصيل اكتشافات شملت أكثر من 18,000 نوع جديد من النباتات والفطريات منذ العام 2020، بل أيضاً التزايد المذهل لمستوى خطر الانقراض الذي تواجهه.

يحتمل أن هناك عديداً من الأنواع الجديدة من النباتات التي لم يُعثر عليها بعدُ في الغابات المطيرة الأطلسية في البرازيل

شارك أكثر من 200 عالم من 30 دولة في إنتاج 60,000 تقييم لحفظ الأنواع خضعت لمراجعة الأقران Peer review وتُعَد أساس التقرير. تحدثنا إلى واحدة من هؤلاء العلماء هي د. ماتيلدا براون Matilda Brown، محللة علوم الحفاظ على الطبيعة في الحدائق النباتية الملكية في كيو لمعرفة مزيد عنها.

ماذا وجد التقرير؟
يفحص التقرير الحالة الصحية للنباتات والفطريات على مستوى العالم، ويخلص إلى رقمين كبيرين.

أولاً، باستخدام نمذجات جديدة، وجدنا أن 45% من جميع النباتات المزهرة مهددة بالانقراض. وثانياً: وجدنا أن من بين الأنواع التي لم نصفها بعد (في ورقة علمية رسمية)، في السنوات والعقود المقبلة، فإن أكثر من ثلاثة أرباعها أو 77% مهددة بالفعل بالانقراض. بالنسبة إلى الفطريات، من الصعب الحصول على تلك الصورة الكبيرة لخطر الانقراض، لأننا لم نصف إلا نحو 10% من الأنواع الفطرية. ومن بين هذه، أقل من 1% شملتها تقييمات الحفظ (أوراق بحثية توضح بالتفصيل مدى تعرُّضها للخطر).

مارسدينيا كايريدنسيس Marsdenia chiridensis هو نوع جديد اكتُشف بعد العام 2020

ما الذي يمكن أن نخسره؟
العالَم بلا نباتات وفطريات هو عالم بلا بشر. فالنباتات تدعم جميع جوانب الحياة البشرية: فهي ما نأكل، وما نرتدي، وما نحصل منه على الأدوية.

تسعة من كل عشرة من الأدوية لدينا تأتي من النباتات، بما في ذلك الأدوية التي نستخدمها لعلاج سرطان الدم (اللوكيميا) وتأتي من نبتة كتارنتوس روزوس Catharanthus roseus المزهرة من مدغشقر.

كما أنها هي التي تمدنا بالهواء الذي نتنفسه. 

عندما نتحدث عن فقدان هذا القدر من التنوع النباتي، فإننا نتحدث عن فقدان قدر هائل من الفرص المستقبلية المحتملة.

على سبيل المثال، هناك نوع يُسمى الضرم فيبريس أوناني Vepris onanae جرى وصفه علمياً في العام 2022 فقط، ولكننا بدأنا بدراسة خصائصه المحتملة المضادة للميكروبات. إنها شجرة حمضيات متوسطة الحجم توجد في الغابات المطيرة في الكاميرون، لكنها مهددة بالفعل. عديد من الأنواع التي اكتشفناها من فورنا يمكن أن توفر فوائد غير مستغلة للبشرية.

هناك استخدامات طبية فعالة وقوية للفطريات أيضاً، بَدءاً من البنسلين وحتى أدوية الكوليسترول. وقد بدأنا من فورنا في استكشاف بعض استخداماتها الأخرى، مثل استخدامها كمواد بناء وحتى كمعالج حيوي Bioremediator [كائنات حية دقيقة تحلل الملوثات]، لأننا نعلم أن بعض الفطريات يمكنها بالفعل هضم البلاستيك. إنها آفاق مهمة حقاً للعلوم.

كيف سيبدو العالم من دون نباتات وفطريات؟
سيعتمد ذلك على الكيفية التي نفقد بها هذه الأنواع. إذا كنا نتحدث عن نهاية العالم المناخية المترافقة مع أحداث جفاف ضخمة، فقد تصير أجزاء كبيرة من العالم غير صالحة للسكن بالنسبة إلى معظم النباتات. ولكن إذا كنا ننظر إلى فقدان الموائل Habitat ومن ثم التجدد، فمن المحتمل أن نرى مزيداً من الأنواع الضارة التي تحل محلها.

يمثل كل نوع قدراً معيناً من التاريخ التطوري الفريد الذي قد يصل إلى مئة مليون سنة. وهذا أمر لا يمكن تعويضه؛ فنحن لا يمكننا تكرار عشرات الملايين من السنين من التطور لإعادتها، ولا ينبغي لنا أن نفقد الأنواع لمجرد أنها ليست مهمة بالنسبة إلينا.

في نهاية المطاف، سيتجدد التنوع البيولوجي Biodiversity المفقود من خلال التطور الطبيعي والأنواع الجديدة، لكنه لن يساعدنا كبشر.

هذا مستوى خطير من التهديد. ما سبب ذلك؟
أكبر تهديد للنباتات هو فقدان الموائل Habitat loss، أو على الأقل، هو التهديد الموثق الأكبر والأكثر إلحاحاً. إنه شيء يمكننا رؤيته في صور الأقمار الاصطناعية. يمكننا أن نرى أن الأرض قد تغيرت من غابات مطيرة عذراء إلى أراضٍ زراعية.

هناك تهديدات أخرى مثل الإفراط في جمع الأنواع المفيدة، ومن المؤكد أن تغير المناخ يلوح في الأفق. ولكن من الصعب جداً توثيق ذلك لأنه للحصول على تقدير لتغير المناخ، يجب أن تكون لدينا معلومات كافية عن نوع ما حتى نتمكن من النظر إليه في ظل سيناريوهات مناخية مختلفة وتحديد نسبة النطاق الذي سيفقده.

ليس من الممكن النظر إلى كل نوع على حدة عندما يكون هناك نحو ثلث مليون نوع للنمذجة. من المؤكد أننا نشعر بالقلق بشأن تغير المناخ، ولكن من الصعب جداً تحديد رقم لذلك.

متى سنبلغ نهاية الحد؟ وهل تبقى لنا وقت لإصلاح الأمر؟ وكيف يمكن أن نفعل ذلك؟
نظراً إلى صعوبة توثيق خطر انقراض النباتات، فإننا لا نزال نعمل على إطار زمني. نحن نعلم أن معدلات الانقراض تضاعفت عما كانت عليه قبل العام 1900. لكن تضييق نطاق الأمر إلى الوقت الذي قد ينقرض فيه نوع معين هو أمر أصعب مما قد يظن البعض.

لذا فإن ما ننظر إليه حالياً هو مستوى تهديد أكثر من كونه توقعاً. إنها أيضاً أداة تحذير وأداة لتحديد الأولويات: فهي تخبرنا، إذا لم نفعل شيئاً، ما الأنواع التي من المرجح أن تنقرض أولاً، مقارنةً بتلك التي من المحتمل أن تكون قادرة على الصمود.

”نحن نعلم أننا إذا أردنا تغيير اتجاه منحنى فقدان التنوع البيولوجي، فيتعين علينا أن نتحرك الآن“

ونحن نعلم أننا إذا أردنا تغيير اتجاه منحنى فقدان التنوع البيولوجي، فيتعين علينا أن نتحرك الآن. هناك بعض الأشياء التي نعلم أننا فقدناها بالفعل ولن نتمكن من استعادتها. ولكن هذا لا يعني أننا ينبغي ألا نتحرك في الحال للحفاظ على أكبر قدر ممكن من التنوع البيولوجي.

إن الحفاظ على النظم الإيكولوجية Ecosystems هو أفضل وسيلة لزيادة ذاك التنوع البيولوجي إلى الحد الأقصى في المستقبل، لأن هذا يحمي جميع الأنواع الموجودة فيه، بما في ذلك تلك التي نعرف عنها، فضلاً عن تلك التي لم نعثر عليها بعد.

د. ماتيلدا براون

ماتيلدا هي محللة علوم الحفاظ على الطبيعة Conservation science analyst في الحدائق النباتية الملكية في كيوRoyal Botanical gardens Kew.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى