يبدو أننا نتجه نحو تناول بروتين مصنوع… من الهواء!

يطرأ تغيُّر على الطريقة التي نحصل بها على طعامنا. وبخُطى ثابتة تتحول المزارع إلى مختبرات؛ وبدل حقول المحاصيل نبني جدراناً عمودية لزراعة النباتات والثمار؛ وبدل اللحوم نتناول خلايا مستنبتة. وأخيراً ها نحن نصنع البروتين من الهواء.

طوّرت البروتين سولين Solein شركةُ سولار فودز Solar Foods ليكون وسيلةً آمنة وصديقة للبيئة ولذيذة لإدخال البروتين في نظامنا الغذائي. أُسست شركة سولار فودز في العام 2021، وتعمل حالياً على رفع مستوى التحدي من خلال الكشف عن أول مصنع لها في فانتا، بفنلندا.

إنتاج البروتين من الهواء 

ولكن كيف يمكن تحويل الهواء إلى طعام؟ يقول يينغ تشانغ Ying Zhang، عالم الأحياء الدقيقة الجزيئية والأستاذ المساعد من جامعة نوتنغهام University of Nottingham: ”إنها عملية تعتمد على تخمُّر الغاز، إذ تستخدم هذه الطريقة الغاز الذي يتضمن ثاني أكسيد الكربون، ومن هنا يأتي مصطلح ’بروتين هوائي‘ Air protein“.

يستخدم سولين نوعاً خاصاً من الميكروبات التي تنمو عن طريق التغذي بالهواء (ثاني أكسيد الكربون) والهيدروجين. عند تغذيتها بما يشبه حساءً من النتروجين والمعادن والمواد المغذية الأخرى، تتكاثر الميكروبات ومن ثم يمكن فصلُها عن السائل من خلال الطرد المركزي (تدوير الجزيئات بسرعة كبيرة). يُجفف ما يتبقى ويُحوَّل إلى مسحوق ناعم يصل محتواه من البروتين لما يقارب 60 إلى %70. يمكن تحويل المسحوق إلى رقائق أو تجميعُه في قطع لتقليد شكل اللحوم.

لا يحتوي سولين على نسبة عالية من البروتين فحسب، بل إنه خالٍ من الغلوتين ومنتجات الألبان وفول الصويا. إنه نباتي، ولا يحتوي على مسببات الحساسية المعروفة، ولكنه يحتوي، وفقاً لشركة سولار فودز، على جميع الأحماض الأمينية الأساسية التسعة والكربوهيدرات والدهون والمعادن الموجودة في الأطعمة الأخرى. هذا البروتين متعدد الاستخدامات، وبدأ يُستخدم في صنع المعكرونة والجيلاتو وألواح الوجبات الخفيفة، من بين أشياء أخرى.

الميزة الكبرى التي تجعل البروتين سولين مرغوباً فيه هي بصمته الكربونية. فهو لا يحتاج إلى الكمية نفسها من المياه لري الأراضي، أو إلى

”تدعي شركة سولار فودز أن إنتاج البروتين سولين أكثر مراعاة للمناخ بمقدار 100 مرة من اللحوم“

القدر نفسه من الكهرباء الذي تحتاج إليه بعض المصانع. تدعي شركة سولار فودز أن إنتاج سولين أكثر مراعاة للمناخ بنحو 10 مرات من معظم البروتينات النباتية و100 مرة أكثر من اللحوم.

طعام المستقبل

إذن يمكن أن يُقال إنه معجزة غذائية، أليس كذلك؟ حسناً، لا يخلو الأمر من عيوب. أولاً، سولين ما زال ينتظر موافقة الجهات التنظيمية المعنية. حتى تاريخ كتابة هذا المقال، حصل على موافقة رسمية بصفته غذاء مبتكراً في سنغافورة فقط، وهذا يسمح باستيراد الأطعمة التي تحتوي على سولين وتصنيعها وبيعها. قدمت شركة سولار فودز طلبات اعتماد في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة: لا يمكن أن يحظى بروتين الهواء الذي تنتجه على قوة دفع عالمية من دون الحصول على موافقة بلدان أخرى.

والمسألة الثانية هي الهيدروجين الذي تعتمد عليه عملية التخمير إلى حد كبير. ولكن من المعروف أن الهيدروجين قابل للانفجار. أوضح باسي فاينيكا Pasi Vainikka، الرئيس التنفيذي لشركة سولار فودز، لمجلة بي بي سي ساينس فوكس أنهم يأخذون مسألة إدارة الهيدروجين على نحو جاد، باستخدام المواد المناسبة في الأنابيب والخزانات، إضافةً إلى المواد المناسبة لظروف التعامل مع الغازات القابلة للانفجار. وقال: ”إنها مسؤولية فريقنا، فضلاً عن أنها مهارة أساسية وأحد الأصول الاستراتيجية“.

يمكن أن يكون الهيدروجين وسيلة صديقة للبيئة للحصول على الوقود، لكن ذلك يعتمد على طريقة إنتاجه. في حالة شركة سولار فودز، الطريقة المفضلة هي استخدام المحلل الكهربائي، وهو جهاز يصعق الماء لتقسيمه إلى هيدروجين وأكسجين.

وأخيراً، حتى لو أنشأت شركة سولار فودز مصنعاً آمناً وحصلت على موافقة واسعة النطاق، فسيبقى هناك القلق والتساؤلات التي يثيرها أي منتج جديد. وفي حين أن سولين يحتوي على البروتين والمواد المغذية الأخرى اللازمة، إلا أنه يبقى جزءاً لم نتثبَّت بعد من فوائده في نظامنا الغذائي.

هناك بالتأكيد عقبات ينبغي العمل على تذليلها. لكن سولين يبدو واعداً. يحتوي هذا المنتج على نسبة عالية من البروتين، وهو صديق للبيئة، ويبلغ سعره المتوقع 6 يورو للكيلوغرام الواحد (نحو 5 جنيهات إسترلينية / 6.50 دولار)، ويمكن أن يغيِّر مستقبل الغذاء؛ شرطَ أن ينجح في الحصول على موافقة الجهات التنظيمية.