يعتمد حل المشكلات على نوعين من الذكاء: المتبلور والسائل. يشمل الذكاء المتبلور Crystal intelligence استخدام المعرفة المخزنة للإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالوقائع (مثل: ما سرعة الضوء؟)، التي تعتمد بدورها على قدرتنا على تعلّم المعلومات وتذكرها.
يتعلق الذكاء السائل Fluid intelligence بحل المشكلات الأكثر إبداعاً، مثل كيفية نقل أسد وجدي وملفوف عبر نهر في قارب يحمل مسافرا واحدا. لقد أثبت هذا النوع من الذكاء أنه يصعب الوصول إليه، ويرجع السبب في ذلك جزئياً إلى أن الحلول تميل إلى القفز إلى الوعي، وهو كامل التشكّل، كلحظات “آها!”، ولا يكشف أي قدر من الاستبطان عن العمليات الإدراكية التي أدت إليها. يبدو أيضاً أن أدمغتنا تستخدم استراتيجيات متنوعة لحل الأنواع المختلفة من الألغاز. نميل إلى حل المشكلات البسيطة- تلك التي تشمل عددا قليلا من العوامل- بصورة منهجية. فمثلا، لحل مسألة “إذا كان ABC = 123، فكم تكون DEF ؟”، ستحتاج إلى معرفة ثلاثة أشياء: الأبجدية، وتسلسل الأرقام، وتقنية الترميز الخاصة بربط تسلسلين على التوازي. بمجرد حصولك على هذه المعرفة، يمكنك العثور على الإجابة عن طريق مطابقة الحروف مع أرقامها المناسبة، دون الحاجة إلى البحث في أي مكان آخر عن أي معلومة إضافية. في هذه الحالة، يساعد تركيز انتباهك على المشكلة في التوصل إلى الحل الصحيح.
من ناحية أخرى، تتطلب المشكلات المعقدة مقاربة مختلفة، لأن عدد الأشياء التي تحتاج إلى معرفتها والتوفيق بينها أكبر مما يستطيع عقلك الواعي التعامل معه. فمثلا، يمكن أن تؤدي حركة في لعبة الشطرنج إلى بلايين النتائج، ولا يستطيع أي عقل بشري التفكير فيها جميعاً، ناهيك عن وضعها في الاعتبار في وقت واحد للمقارنة بينها. يستجيب لاعبو الشطرنج عديمو الخبرة عادة إلى تعقيد إحدى مسائل الشطرنج عن طريق التركيز بشدة على إيجاد تسلسل محتمل للأحداث. وبدلاً من أن يفيدهم، فإن هذا الانتباه الضيق والشديد التركيز قد يجعل لعبهم أسوأ.
يرجع السبب في ذلك إلى أن تركيز الانتباه على الحساب المتسلسل، الذي ينفذه نصف الكرة المخية الأيسر، يغلق مناطق نصف الكرة المخية الأيمن المعنية بأخذ منظور أوسع. وفي المقابل، يستخدم اللاعبون المحنكون نصفي الكرة المخية الأيمن والأيسر لديهم. ينتج نشاط نصف الكرة المخية الأيمن إحساساً بديهياً بجوهر المشكلة، ويوفر سياقاً للحسابات الواعية التي تحدث في نصف الكرة المخية الأيسر. إن هذا الاستخدام للحدس، عند صقله بسنوات من الخبرة، يميز الخبراء عن المبتدئين ليس فقط في لعبة الشطرنج، ولكن أيضاً في كل مجال يتطلب حل المشكلات المعقدة.
سلطت دراسة أجريت في عام 2008 في جامعة فيينا الطبية Medical University of Vienna مزيداً من الضوء على المدى الذي يمكن أن يعيق به ضيق التركيز – حل المشكلات. عن طريق مراقبة الموجات الدماغية للمتطوعين وهم يكافحون لحل أحد ألغاز الكلمات، وجد الباحثون أن الانتباه المكثّف يحصر الدماغ في نمط معين من النشاط، مما ينتج عنه رؤية نفقية معرفية Cognitive Tunnel Vision. وفي المقابل، فإن الانتباه المنخفض المستوى يسمح بتغيير الأنماط العصبية، مما يسهّل دمج المعلومات الجديدة. يمثل ذلك الفرق بين محاولة معرفة ماهية كائن ما عن طريق التحديق فيه من منظور واحد، أو السير حوله بتمهّل، ومن ثم تقبل أي تلميح قد يرشدنا.
إضافة إلى النظر إلى المشكلة من زوايا متعددة، فالحل الألمعي للمشكلات يرفض الخيارات السيئة بسرعة، قبل أن تتمكن من استنفاد الموارد المعرفية المحدودة. أدخلت هذه المقدرة مؤخراً على الذكاء الاصطناعي، مما نتج عنه آلات تمكنت لأول مرة من التغلب على أفضل اللاعبين في لعبة «غو» Go، وهي لعبة استراتيجية صينية قديمة. يمكن لهذا النوع من الذكاء الاصطناعي «الذاتي التعلم» أن يتدرب على استراتيجياته، ويلاحظ الاستراتيجيات التي لا تعمل، ويُعيد إرسال المعلومات إلى النظام، وعليها علامة لتعليمات لتجنب استخدامها في المستقبل. في الدماغ البشري، تنفّذ عملية مماثلة في منطقة تسمى القشرة الحزامية الأمامية (اختصارا: القشرة Acc)
(Anterior Cingulate Cortex). إن هذا الجزء الصغير من النسيج، المحتجز في الطية العميقة التي تقسم نصفي الكرة المخية، ربما فعل أكثر من أي منطقة أخرى في الدماغ لجعل البشر أفضل مخلوقات قادرة على حل المشكلات في الأرض. حتى الآن، ربما.
اضبط قدراتك في حل المشكلات
تحدّ نفسك بمشكلات متزايدة التعقيد. في النهاية، سيتعلم دماغك التخلي عن استراتيجية الانتباه الثابت التي يستخدمها لحل المشكلات البسيطة، ويبدأ في النظر إلى المشكلات من منظورات متعددة.
إذا علقت في حل أحجية، حوّل انتباهك إلى شيء آخر وارجع إليها لاحقاً. يؤدي هذا إلى إيقاف تشغيل نمط التفعيل العصبي الذي يحبس الدماغ في نهج غير ناجح، ويسمح للدماغ باحتضان المشكلة، ومن ثم التفكير بصورة لاواعية بحثا عن معرفة قد تفيد. عندما تعود إلى الأحجية، فمن المرجح أن تُدمج هذه المعلومات الجديدة في محاولة حل المشكلة.
اجمع بين حل المشكلات وبين نشاط منخفض المستوى مثل المشي أو الركض. يساعد هذا على تقليل الانتباه المركز لأنك تحتاج إلى استخدام بعض مواردك الواعية لتنفيذ النشاط الذي تؤديه، كما أنه يزيد من تدفق الدم وإطلاق الإندورفينات، مما يؤدي إلى زيادة نشاط الخلايا الدماغية تماماً مثلما يفعل مع الخلايا في الأجزاء الأخرى من الجسم.
مارس العصف الذهني بمفردك. غالباً ما تتطلب المشكلات المعقدة حلولاً في النصف الأيسر، لذا يمكن أن يساعد التفكير البعيد و الواسع ، في مجالات لا تبدو ذات صلة لأول وهلة، على توسيع نطاق رؤيتك. كلما زادت تفاهة الأفكار التي تسمح لنفسك بالتوصل إليها، تحرر ذهنك أكثر بحيث يمكنه التعثر بالحل.