تقرير المناخ الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ
يمكن تأمين مستقبل قابل للعيش للجميع إذا تحركنا الآن - وفق علماء المناخ
هل يمكن للبشرية معالجة تغير المناخ، أو إننا جميعاً محكوم علينا بالهلاك؟ هذا هو السؤال الكبير المطروح في صميم تحليل جديد أجرته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ Intergovernmental Panel on Climate Change (اختصاراً: الهيئة IPCC)، ونُشر في 20 مارس 2023 بعد أسبوع من المناقشات مع خبراء المناخ الرئيسين في العالم. باختصارٍ هذا التقرير مهم جداً، ولكنه يتضمن 36 صفحة ممتلئة بالمصطلحات الصعبة، كما أن قراءته ليست سهلة. فيما يلي تلخيص لكل ما تحتاجون إلى معرفته.
ما هذا التقرير الجديد؟
التقرير الجديد هو القسم الرابع والأخير من تقرير التقييم السادس (AR6). نُشرت الأقسام الثلاثة السابقة من تقرير AR6 في أغسطس 2021 وفبراير 2022 وأبريل 2022. يُطلق على هذا التقرير اسم التقرير التجميعي Synthesis Report وهو ملخص لنتائج الأقسام الثلاثة السابقة، ويمثل أحدث أفكار الهيئة IPCC بشأن أفضل السبل للتعامل مع تغير المناخ.
ما الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ؟
الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ هي هيئة تابعة للأمم المتحدة مكلفة بتقييم الجانب العلمي المتعلق بتغير المناخ. أنشأتها في العام 1988 المنظمة العالمية للأرصاد الجوية World Meteorological Organization وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة United Nations Environment Programme بهدف تزويد الحكومات بالعلوم الدقيقة التي يمكن أن تبني سياساتها المناخية حولها. أعضاء الهيئة IPCC حالياً من 195 دولة.
لا تُجري الهيئة أبحاثاً خاصة بها. بدلاً من ذلك يتطوع خبراء عالميون بوقتهم لتقييم آلاف الأوراق العلمية المنشورة كل عام، لإنتاج ملخَّص للصورة الحالية فيما يتعلق بتغيُّر المناخ ومخاطره المستقبلية.
ماذا يقول التقرير الجديد عن الوضع الحالي؟
يقول إنه اعتباراً من العام 2020، أدى النشاط البشري – إلى حد كبير انبعاث غازات الدفيئة – إلى ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض بمقدار 1.1 درجة سيليزية فوق مستويات حقبة ما قبل الصناعة. يقترب هذا من حد 1.5 درجة سيليزية الذي اقترحته الهيئة IPCC في العام 2018، ويرجع ذلك أساساً إلى استخدام مصادر الطاقة غير المستدامة وتغيُّر استخدام الأراضي وأنماط الاستهلاك.
أدى هذا الارتفاع في درجة الحرارة بالفعل إلى تغيرات واسعة النطاق في الغلاف الجوي للأرض وأنظمة الطقس والمحيطات والغلاف الحيوي. كان العقد الماضي أكثر دفئاً من أي فترة خلال نحو 125,000 عام، وكانت تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي في أعلى مستوياتها منذ ما لا يقل عن مليوني عام، كما أن الغطاء الجليدي في القطب الشمالي في الصيف أقل من أي وقت مضى في الألف عام الماضية.
كذلك فإنّ مستويات سطح البحر ترتفع بوتيرة أسرع من أي قرن سابق على امتداد 3,000 عام، والمحيطات تزداد احتراراً بنمط أسرع من أي وقت منذ العصر الجليدي الأخير، وبلغت نسبة حمضية المحيطات أعلى مستوياتها منذ 26,000 عام.
قال هوسونغ لي Hoesung Lee، رئيس الهيئة IPCC: ”إن تعميم اللجوء إلى العمل المناخي الفعال والعادل لن يقلل فقط من الخسائر والأضرار التي تلحق بالطبيعة والناس، بل سيحقق أيضاً فوائد أوسع… ويؤكد هذا التقرير التجميعي على الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات أكثر طموحاً، ويُظهر أننا إذا تحركنا الآن، فسيكون لا يزال في إمكاننا تأمين مستقبل قابل للعيش ومستدام للجميع“.
يشير التقرير إلى أنه مع كل زيادة في الاحترار ستتزايد صعوبة التغلب على التحدي، وستعاني المناطق الضعيفة تحت وطأة الضرر أكثرَ من غيرها.
قالت مؤلفة التقرير أديتي موخيرجي Aditi Mukherji، مديرة منصة مجال التكيف مع المناخ والتخفيف من آثاره من المعهد الدولي لإدارة المياه International Water Management Institute: “إن العدالة المناخية مهمة، لأن أولئك الذين ساهموا بأقل قدر في تغير المناخ يتأثرون بتبعاتِه بقدر غير متناسب… يعيش ما يقرب من نصف سكان العالم في مناطق معرضة بشدة لتغيُّر المناخ. في العقد الماضي كانت الوفيات الناجمة عن الفيضانات والجفاف والعواصف أعلى بـ 15 ضعفاً في هذه المناطق من غيرها”.
هل محكوم علينا جميعاً بالهلاك؟
ليس بعد. فعلى الرغم من أن التقرير يذكر أن وتيرة ونطاق التدابير الحالية لا يكفيان ببساطة للتخفيف من الآثار المتتالية لتغيُّر المناخ، فإنه يوضح أننا ما زالت لدينا فرصة للحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 درجة سيليزية إذا تحركت حكومات العالم على الفور.
التدابير الرئيسة التي يجب اعتمادُها هي: التحولُ السريع عن اعتمادنا على محطات الطاقة التي تعمل بالفحم والوقود الأحفوري، وهي الدافع الأول لتغير المناخ؛ والاستثمارُ بكثافة في الطاقة النظيفة والمتجددة؛ وزيادةُ استخدام وسائل النقل العام والمركبات الكهربائية؛ ووقف إزالة الغابات.
إضافةً إلى المساعدة على التخفيف من آثار تغير المناخ، فإن إجراء هذه التغييرات المقترحة يمكن أن يوفر أيضاً فوائد أوسع للمجتمع، كما يقول التقرير. على سبيل المثال إذا اختار عدد أكبر من الأشخاص السير وركوب الدراجات واستخدام وسائل النقل العام بدلاً من سياراتهم، فستتحسن الحالة الصحية وجودة الهواء. وأوضح الخبراء أن الفوائد الاقتصادية الناجمة عن تحسن الحالة الصحية بفضل تحسين جودة الهواء وحدها ستكون مساوية أو حتى أكبر من تكاليف تقليل الانبعاثات.
يمكن أن يؤدي تغيير عاداتنا الغذائية وطرق إنتاج الغذاء دوراً مهماً أيضاً. يمكننا أن نساعد المناخ إذا تناولنا كمية أكبر من النباتات وأقل من اللحوم، وقللنا من هدر الطعام، ولجأنا إلى تحسين الممارسات الزراعية.
قال لي: ”من المرجح أن تنجح التغييرات التحوُّلية حيثما توجد ثقة، وحين يعمل الجميع معاً لإعطاء الأولوية للحد من المخاطر، وحين يجري تقاسم المنافع والأعباء على نحو عادل“.
وأوضح: ”نحن نعيش في عالم متنوع كلُّ شخص فيه لديه مسؤوليات مختلفة وفرص مختلفة لإحداث تغيير. يمكن للبعض أن يفعل كثيراً، في حين سيحتاج البعض الآخر إلى الدعم لمساعدتهم على إدارة التغيير“.
متى سيُنشَر التقرير التالي للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ؟
التقرير التالي، AR7، لن يصدر حتى العام 2030 تقريباً، وبحلول ذاك الوقت يجب أن تكون لدينا فكرة أفضل عن مدى قتامة الصورة أو الفرص التي لدينا.
جايسون غوديير Jason Goodyer
جايسون هو المحرر المسؤول عن التكليفات في مجلة BBC Science Focus