أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم الطبيعيةتكنولوجياعلم الأحياء التطوري

صــعـــــود المستنسخات

تُستنسخ الحيوانات، بدءاً من الحيوانات الأليفة والمواشي إلى كلاب العمل والأنواع المنقرضة، لمجموعة متنوعة من الأغراض. ولكن استنساخ الحيوانات من مادتها الوراثية يخلق مشكلات بالسرعة نفسها التي يجد حلولاً لها

د. هيلين بيلتشر

مرّت ما يقرب من 25 عاماً منذ ولادة النعجة دوللي، الأكثر شهرة على وجه الأرض، في مزرعة في أسكتلندا. فقد كانت خطوة صغيرة بالنسبة إلى شاة، وقفزة عملاقة لنوعها. ومع ولادة النعجة الشهيرة وُلدت وعود بتطبيقات مبتكرة، ولكن في ذلك الوقت، لم يكن أحد يعرف حقاً على أي نحو سيُستخدم الاستنساخ.
حالياً، يبدو أن الاستنساخ وجد في نهاية المطاف مكانه المناسب. ومع تزايد عدد الأنواع المستنسخة، بما في ذلك الإبل والقطط والماشية، تؤسَّس شركات لتقديم خدمات الاستنساخ التجارية، مع النمو الكبير لهذا القطاع.
يجري استنساخ المئات من الحيوانات الأليفة والمواشي والدواجن كل يوم، في معظم أنحاء العالم. ومع بدء استنساخ الأنواع البرية أيضاً، يُعتقد أن هذه التقنية يمكن أن تساعد على مساعي الحفاظ عليها. ولكن القضايا الأخلاقية ما زالت كبيرة ومثيرة للانقسام مثلما كانت عليه يوم ولادة دوللي. إذاً، أنىّ لهذا الأمر البغيض في مجال بيولوجيا الخلية أن يحدث فرقاً، وما الذي يجب أن نصنعه بهذه النسخ المتشابهة جينياً؟

نجاح استنساخ حيوانات مهددة بالانقراض

في أغسطس 2020 وُلد مُستنسخ كامل النمو من حصان شوفالسكيز Przewalski’s المهدد بالانقراض في تكساس. خيول شوفالسكيز وموطنها سهوب آسيا الوسطى، هي آخر أنواع الخيول “البرية” حقاً. إذ ما زال يوجد نحو 2,000 فردٍ منها، لكنها تفتقر إلى التنوع الجيني المطلوب؛ لأنها جميعاً تنحدر من 12 فرداً اصطيدت في البرية.
المهر الصغير، المسمى كورت Kurt، استُنسخَ باستخدام خلايا مجمدة عمرها 40 عاماً من حصان أصيل لم تعد جيناته منتشرة بين أفراد جنسه حاليا. ونظراً لأن كورت مطابق وراثياً للحصان الأصيل، يؤمل عندما يكبر ويتكاثر بأن يستعيد كورت هذا التنوع الجيني المفقود من خلال ذريته. ويقول بوب ويزا Bob Wiese، كبير مسؤولي علوم الحياة في حديقة حيوان سان دييغو العالمية San Diego Zoo Global الذي شارك في المشروع: “يُتوقع أن يكون المهر أحد أكثر الأفراد أهمية جينياً بين نوعه”.
استُنْسخت أنواع برية أخرى كذلك بنجاح، بما في ذلك ذئب البراري والقط البري الإفريقي وبقرة نادرة من جنوب شرق آسيا من نوع بانتنغ Banteng. ولكن العديد من دعاة الحفاظ على البيئة يعارضون الاستنساخ لأنهم يرون أنه مكلف ولم تثبت فائدته ويصرف الانتباه عن التركيز على طرق الحفظ المجربة والمختبرة، مثل المناطق المحمية ومبادرات مكافحة الصيد الجائر.

وحيوانات منقرضة أيضاً (ولكن ليس الديناصورات)

لن نحصل على حديقة جوراسية حقيقية. فاستنساخ الديناصورات غير ممكن لأن حمضها النووي DNA اندثر قبل زمنٍ طويل. ولكن الأمر قد يكون ممكناً في حيوانات انقرضت في فترة أحدث، من الناحية النظرية على الأقل. “كل” ما نحتاج إليه هو مصدر للحمض النووي DNA (من الخلايا الموجودة في جثة مجمدة أو عينة متحف على سبيل المثال) ونوع حي تربطه به قرابة وثيقة للمساعدة على رعاية الجنين المستنسخ.
في حالة الماموث الصوفي، فهذا يعني نقل مستنسخ إلى رحم فيلة آسيوية تؤدي عمل الأم البديلة. ولكن المشكلة هي أن الأفيال الآسيوية مهددة بالانقراض هي الأخرى. إنها نقطة رئيسية يثيرها معارضو مثل هذا الطرح الذين يتساءلون أيضاً عن قيمة “استعادة حيوان منقرض” اختفى موئله الطبيعي منذ فترة طويلة من الزمن.
ومع ذلك، يقترح المدافعون عن الفكرة أن بعض الحيوانات، التي تعد أنواعاً رئيسية، يمكنها هندسة نظمها الإيكولوجية. إذا أُطلقَ ماموث صوفي في شمال سيبيريا، على سبيل المثال، فإن سلوكه قد يؤدي إلى نمو مساحات عشبية خصبة تستفيد منها أنواع أخرى.

استنساخ حيوانك الأليف ليس بالفكرة الجيدة

توجد حالياً ثلاث شركات على الأقل لاستنساخ الحيوانات الأليفة لقاء ما يزيد على 40 ألف دولار (ما يزيد قليلاً على 30 ألف جنيه إسترليني)، يمكنها توليد نسخة طبق الأصل من كلبك أو قطك الأليف المحبوب. فقد اشترت المغنية باربرا سترايسند Barbra Streisand ومصممة الأزياء ديان فون فورستنبرغ Diane von Furstenburg، على سبيل المثال، مستنسخين لكلبيهما الأليفين، لكن هذه الممارسة تثير أسئلة أخلاقية مقلقة.
في أحد إعلانات الاستنساخ، من شركة سينوجين Sinogene الصينية، يجد مالك حيوان أليف حزين عزاءه عندما تعيد الشركة له كلبه على هيئة جرو وليد. إنها صورة التقطت بعناية لتحريك المشاعر، لكن الاستنساخ لا يضمن حتى إنتاج نسخة طبق الأصل، ناهيك عن حيوانات ذات شخصيات متطابقة.
تقول جيسيكا بيرس Jessica Pierce، اختصاصية أخلاقيات علم الأحياء، من مركز أخلاقيات علم الأحياء والعلوم الإنسانية Center for Bioethics and Humanities، في جامعة كولورادو University of Colorado، دنفر: “عندما يفقد الناس حيواناً أليفاً، يصيرون عرضة للتلاعب بمشاعرهم… فيسقطون في ذلك الفخ، كأن يقال لهم: ‘يمكننا إصلاح الأمر، ليس عليك أن تقول وداعاً’، وهذا غير صحيح”.
إضافة إلى ذلك، فالاستنساخ عملية غير فعالة، أياً كان النوع المراد استنساخه. إذ يتطلب الأمر عدة بدائل من الكلاب لتحقيق حمل واحد ناجح وعشرات الأجنة المستنسخة لولادة جرو واحد صحي. وتنفق الكلاب وهي لا تزال مجموعة من الخلايا في طبق الزرع في المختبر، وتنفق الأجنة في الرحم، ويندر أن يكتمل نمو جنين كلب، ثم ما يلبث أن ينفق بعد الولادة. وتقول بيرس: “إنه ينطوي على خلق طبقة كاملة من الكلاب الأدنى مرتبة وغير المرئية…. لماذا نسلك هذا الطريق في حين هناك الملايين من الكلاب التي تستحق الرعاية في الملاجئ؟”

لكن كلاب الأثر المستنسخة تجوب بعض المطارات بالفعل

بعض الشركات التي تستنسخ الكلاب الأليفة تستنسخ أيضاً حيوانات عاملة، مثل كلاب الكشف عن المخدرات. ويقول عالم الأحياء الخلوية د. بي أولوف أولسون P Olof Olsson، في مؤسسة أبو ظبي لأبحاث التكنولوجيا الحيوية Abu Dhabi Biotech Research Foundation في كوريا الجنوبية: “هذا هو أول شيء نفعله مع استنساخ الكلاب”. وتُعرف الشركة أيضاً بـ سوام بَيوتك Sooam Biotech، وقد أنتجت مئات من الكلاب المستنسخة والعديد منها تعمل حالياً. فإذا استلمت يوماً حقيبة من السير الدوار في مطار إنتشون Incheon Airport في سيول، فمن المحتمل أن كلباً مستنسخاً فحصها.
الفكرة هي إنتاج حيوانات مهيأة وراثياً لتتعلم وتنجح فيما تعمل به. ويتطلب تدريب كلب بوليسي الكثير من الوقت والمال، ولكن حتى لدى توفير أفضل تدريب مع ألمع الحيوانات، لا يتقن ذلك سوى نحو نصف الكلاب المولودة بالطريقة التقليدية. فالكلاب المستنسخة تتعلم على نحو أفضل. ويقول أولسون: “ينتهي الأمر بنسبة 80 إلى %90 منها في الخدمة، وقد قيل لنا عدة مرات إن مستنسخاتنا تستجيب بشكل أفضل للتدريب”. هنا، صار الاستنساخ وسيلة لتقليل عدد الكلاب غير المستجيبة للتدريب وتقليل التكاليف.

قد يدخل لحم المستنسخات بيوتنا قريباً

القطط والكلاب المستنسخة هي جزء من نشاط القطاع، لكن هل سترغب في أكل لحم حيوان مستنسخ؟ في الصين، حيث يتزايد الطلب على لحوم البقر عالية الجودة، تعتقد شركة استنساخ أخرى أن عملاءها سيفعلون ذلك.
تبني شركة بويالايف جينوميكس Boyalife Genomics، التي تعمل مع مؤسسة أبو ظبي لأبحاث التكنولوجيا الحيوية، منشأة استنساخ بقيمة 30 مليون دولار (نحو 23 مليون جنيه إسترليني) في مدينة تيانجين الساحلية، حيث تخطط لاستنساخ بعض من أجواد أنواع الأبقار في العالم. والهدف من ذلك، وفقاً للرئيس التنفيذي للشركة شو شياوتشون Xu Xiaochun، هو البدء بإنتاج 100 ألف من أجنة الماشية المستنسخة سنوياً، ثم زيادتها إلى مليون. في نهاية المطاف، تأمل الشركة بأن تستحوذ على %5 من سوق الماشية المذبوحة الممتازة في الصين، ومن خلال زيادة الإنتاج، تأمل بويالايف بخفض تكلفة الاستنساخ.

حيوانات منوية من حيوانات مستنسخة تُباع عبر الإنترنت

في قطاع الزراعة تُنتج مستنسخات من حيوانات التربية عالية القيمة لأغراض التكاثر. فعلى سبيل المثال، كان الثور فاينل أنسير Final Answer الذي وُلد من حمل طبيعي قوياً جداً لدرجة جعلته أحد أكثر ثيران سلالة أنغوس غزارة في الإنجاب. إذ أنتج خلال حياته أكثر من 500 ألف وحدة من السائل المنوي استخدمت لإنجاب مئات الآلاف من العجول عن طريق التلقيح الاصطناعي.
حالياً، يعد الاستنساخ أمراً روتينياً نسبياً في قطاع تربية الماشية، لذا عندما تقدم فاينل أنسير في العمر، عمد مربوه إلى استنساخه. ففي عام 2014 عندما نفق فاينل أنسير أخيراً، حل محله فاينل أنسير الثاني Final Answer II الذي لا تختلف حيواناته المنوية عن تلك التي أنتجها الثور الأصلي. وحالياً يمكن بيع حقنة واحدة منها عبر الإنترنت مقابل نحو 22 دولاراً (نحو 17 جنيهاً إسترلينياً). كما استنسخت المئات من حيوانات الماشية الأخرى ذات القيمة المماثلة، فهذه التقنية تعد هنا بمثابة وثيقة تأمين. وتقول عالمة الهندسة الجينية الزراعية أليسون فان إينينام Alison van Eenennaam، من جامعة كاليفورنيا University of California، في ديفيس: “إن توليد حيوان بديل ليس بالمفهوم السيئ”.

بينما تُركب المهور المستنسخة في ملعب البولو

في عام 2016 دخل أدولفو كامبياسو Adolfo Cambiaso – ليونيل ميسي Lionel Messi عالم رياضة البولو – التاريخ عندما لم يركب مهراً واحداً فحسب، بل ستة مهور بولو مستنسخة، في نهائي بطولة الأرجنتين المفتوحة المرموقة. وكانت معظم المهور نسخاً من الحيوان نفسه، وهي فرس رشيقة لا مثيل لها تُدعى كوارتيترا Cuartetera، وقد أنتجتها شركة الاستنساخ كريستفيو جينيتكس Crestview Genetics التي يمتلكها كامبياسو.
أثارت هذه الممارسة مخاوف من أنها توفر ميزة غير عادلة لأولئك الذين لديهم الأموال لتحمل تكلفتها، لكن الهيئة التي تنظم لعبة البولو الأرجنتينية متساهلة حيال الأمر. فهي تسمح عملياً بأي تقنية تربية ترفع مستوى اللعب، بما في ذلك الاستنساخ.
في الوقت نفسه، استُنْسِخَت خيول لرياضات أخرى، بما في ذلك خيول أصيلة وخيول القفز، وتتبنى الهيئات المنظمة المعنية أحكامها الخاصة. لا يوجد، على سبيل المثال، سبب يمنع الحصان المستنسخ من المنافسة في الألعاب الأولمبية، حتى وإن لم يحدث هذا بعد.
لكن لا أحد يعرف درجة تطابق هذه الحيوانات المستنسخة. ويخضع كل كائن حي للقوى المتفاعلة نفسها بين المكونات الجينية والبيئة أو “الطبيعة والتنشئة”. لذلك، على الرغم من أن لدى الحيوانات المستنسخة الحمض النووي DNA نفسه للحيوان الذي استُنسخت منه، فهذا لا يكفي لضمان دقة النسخة ومطابقتها للأصل. بعض الخصائص، مثل الكتلة العضلية، قابلة للانتقال بالوراثة أكثر من غيرها، مثل الشخصية على سبيل المثال. إذ يمكن أن تؤثر البيئة التي نشأ فيها الحيوان، قبل الولادة وبعدها، في نشاط الجينات الرئيسية مع ما لذلك من تداعيات كبيرة. وهذا هو السبب الذي يسهم في ظهور علامات مختلفة على بعض حيوانات كوارتيترا المستنسخة، ولماذا تفشل بعض الكلاب البوليسية المستنسخة في التخرج بعد التدريب ولماذا لن “تكون” الحيوانات الأليفة المستنسخة مطلقاً نسخة طبق الأصل عن الحيوان الأصلي. تماماً مثل التوائم البشرية المتطابقة، قد تكون الحيوانات غير البشرية المستنسخة متشابهة، لكنها لن تكون متطابقة تماماً لبعضها البعض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى