أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فضاء

عين في السماء

مع الاستعداد لإطلاق التلسكوب جيمس ويب الفضائي لاحقاً هذا العام، دعونا نُلقِ نظرة على ما يتفوق به وريث التلسكوب هابل على سلفه

نيشا بيرجراز-هويل Nisha Beerjeraz-Hoyle

بعد ما يقرب من 20 عاماً من العمل على تطويره وتأخير إطلاقه 16 مرة، أصبح التلسكوب جيمس ويب الفضائي James Webb Space Telescope (اختصاراً: التلسكوب JWST، أو التلسكوب جيمس ويب) جاهزاً تقريباً. هذا المرصد الفضائي الأكبر على الإطلاق المقرر إطلاقه في 31 أكتوبر 2021 يُتوقع أن يُحدث ثورة في فهمنا للكون والمساعدة على حل بعض أعظم ألغازه.
لم تكن رحلة سهلة. فالتلسكوب -الذي صُمم قبل 30 عاماً ليكون خلَفاً للتلسكوب هابل الفضائي Hubble Space Telescope، وليكون “تلسكوب الجيل التالي”، كما أطلق عليه في بداية الأمر- نجا من تهديدات بإلغاء المهمة وتغييرات في القيادة وعديد من تأجيلات الإطلاق. والتلسكوب الذي سُمي على اسم مدير ناسا الثاني جيمس إي. ويب James E. Webb ويُتوقع أن تبلغ كلفته 10 بلايين دولار (7.2 بليون جنيه إسترليني تقريباً)، هو سادس أعلى بعثة فضائية كلفةً على الإطلاق. وهذا ليس مفاجئاً؛ فالتلسكوب JWST حافل بالابتكار والتعقيد، وهو نتاج تعاون دولي كبير بين وكالات الفضاء الأمريكية والأوروبية والكندية، وغالباً ما يوصف بأنه أحد أكبر مشروعات ناسا وأكثرها جرأة، ولن يكون هناك ما يضاهي قيمة مساهماته في مجال العلم والتكنولوجيا.

نظرة أعمق
على مدار أكثر من 25 عاماً، منَّ علينا التلسكوب هابل بصور جميلة للكون البالغ من العمر 13.8 بليون عام، ملتقطاً الضوء المنبعث بعد 500 مليون سنة فقط من الانفجار (العظيم) الكبير Big bange. وستكون “عيون” التلسكوب جيمس ويب العاملة بالأشعة تحت الحمراء قادرةً على التحديق أعمق في تاريخ الكون المبكر، وصولاً إلى وقت ميلاد أولى النجوم والمجرات.
كما سينطلق التلسكوب إلى مسافة أبعد عن الأرض من سابقه. ففي حين يتبع هابل مداراً قريباً، على ارتفاع نحو 550 كم فوق الأرض، سوف يحوم التلسكوب JWST على بعد 1.5 مليون كم منا ويدور حول الشمس. وسوف يلقي نظرة على المريخ والمذنبات والكواكب القزمة Dwarf planets والكواكب النجمية Exoplanets، ليعلمنا مزيداً عن الكيفية التي تشكلت بها الكواكب والمجموعات الشمسية.
لكن هابل ليس التلسكوب الوحيد الذي سيتفوق عليه التلسكوب JWST. بل سيخطف بريق مرصد فضائي رائع آخر هو: سبيتزر Spitzer (أطلق في العام 2003 وتقاعد في أوائل العام 2020). وكما تشرح ناومي رو-غورني Naomi Rowe-Gurney، عالمة الكواكب من جامعة ليستر University of Leicester: “أظهرت البيانات التي وصلتنا بفضل سبيتزر بعض السلوك غير المتوقع حقاً الذي يحدث على أورانوس، وليست لدينا أي فكرة عن سبب ذلك. الطريقة الوحيدة التي يمكننا بها اكتشاف ذلك هي استخدام قدرات التلسكوب JWST وأشعته تحت الحمراء”.
كما سيعمّق التلسكوب جيمس ويب أيضاً معرفتنا بالكواكب النجمية. إذ تضيف رو-غورني قائلة: “نكتشف
مزيداً من الكواكب النجمية ذات الكتلة الشبيهة بكتلتي العملاقين الجليديين أورانوس ونبتون. ونظراً إلى أننا لا نعرف كثيراً عن عمالقة الجليد في مجموعتنا الشمسية، لا يمكننا فهم تلك الموجودة في أنظمة الكواكب الأخرى. من المؤكد أن التلسكوب JWST سيغير الطريقة التي ننظر بها إلى مجموعتنا الشمسية”.

تصميم التلسكوب ويب
عند النظر إلى التلسكوب الشاهق المنتصب فوق رؤوس المهندسين في مركز جونسون الفضائي التابع لوكالة ناسا في هيوستن، تكساس، يمكن أن نفهم لمَ سيُحدث تغييراً في رؤيتنا للكون. فمرآة التلسكوب الأساسية هي آية من الجمال. يبلغ قطر هيكل المرآة المصمم على شكل قرص من العسل
6.5 أمتار، وتتكون من 18 قطعة بريليوم مطلية بالذهب قابلة للتعديل.
بالمقارنة مع التلسكوب هابل، يحظى التلسكوب جيمس ويب بستة أضعاف مساحة تجميع الضوء Light-collecting area وبمجال رؤية Field of view أوسع بكثير (أكبر بنحو 15 مرة). ومع ذلك، يبلغ وزنه 6,500 كغم، أي ما يقرب من نصف كتلة سلفه.
ستتولى أربع أدوات علمية موجودة على التلسكوب تحليل الضوء الذي تلتقطه أجهزته البصرية، وهي تُعرف مجتمعة باسم وحدة أدوات العلوم المتكاملة Integrated Science Instrument Module (اختصاراً: الوحدة ISIM). يجب أن تبقى الآليات البصرية في درجة حرارة منخفضة جداً تحت الصفر °-223س للحصول على أفضل فرص لاكتشاف الآثار الخافتة لضوء الأشعة تحت الحمراء. تتطلب أداة منتصف الأشعة تحت الحمراء Mid-Infrared Instrument (اختصاراً: MIRI) درجة حرارة منخفضة أدنى من °-266س، أي بالكاد أعلى من الصفر المطلق. ولمنع حرارة الشمس وضوئها من التأثير في أرصاده، جُهِّز التسلكوب JWST بمبردات للتبريد الفائق Cryocoolers وبدرع شمسي واقٍ من خمس طبقات بحجم ملعب التنس.
على الرغم من حجمه الهائل، يجب أن يُطوى المرصد كله إلى حجم مناسب لوضعه داخل مخروط مقدمة صاروخ أريان 5 (Ariane 5). وبمجرد نشره، سينفتح التلسكوب من تلقاء نفسه وينشر أدواته ويبرِّد أجهزته ويُعايرها. إذ يتوقف نجاح المهمة على التنفيذ المتقن لهذا التسلسل الذي لم يسبق للعلماء أن اختبروا مثله في الفضاء.
وما يزيد من المخاطر أن التلسكوب JWST سيكون بعيداً عن متناول بعثات الإصلاح المأهولة، على عكس هابل الذي احتاج إلى خمس بعثات. هذا ما جعل فريق المهمة يولي الاختبارات أهمية قصوى في كل خطوة على الطريق.
ولكن اختبار المرصد المصمم للانتشار والتشغيل في الفضاء ليس بالأمر السهل، وذلك وفقاً لبول غيْذنر Paul Geithner، نائب المدير الفني للمشروع الذي يشرح قائلاً: “لم نتمكن من اختبار المرصد كله ككيان واحد كامل في بيئة فضائية محاكاة، الأمر يختلف عن الأيام الأولى لعصر الفضاء عندما كان بإمكانك وضع المركبة الفضائية كلها في غرفة فراغ حراري واختبارها كاملة دفعةً واحدة”. بدلاً من ذلك اختُبرت الوحدات الفردية التي صُممت في أجزاء مختلفة من العالم، قبل جمعها وتجميعها في “جزأين عملاقين” يشتملان على عنصر التلسكوب البصري/وحدة أدوات العلوم المتكاملة Optical Telescope element/Integrated Science Instrument Module وتُعرف اختصاراً بالوحدة OTIS، وحافلة المركبة الفضائية المدمجة والدرع الشمسي الواقي. اختُبرت كل وحدة في غرفتي الصوت والاهتزاز حيث تُحاكَى عملية الإطلاق العنيفة والصاخبة، كما وُضعت في ثلاجة كبيرة، تُعرف باسم “الغرفة A”، عدة أشهر للتحقق من قدرتها على تحمل درجات الحرارة الجليدية في الفضاء.
ظهرت بعض العقبات على هذا الطريق الطويل، مثل براغي التثبيت السائبة التي عُثر عليها بعد اختبار الصوت والاهتزاز في العام 2016، وعلى الأخص، تمزُّق الدرع الشمسي بعد تجربة نشره في مارس 2018. ويوضح غيْذنر قائلا: “الهندسة المتطورة لأجهزة التصوير الفضائية الحديثة تُشعرك بالتواضع”.

العد التنازلي النهائي
في أغسطس 2019، دُمِجَ النصفان العملاقان في منشأة نورثروب غرومان في كاليفورنيا لتجربة التجميع الكامل. وفي العام 2020، في أثناء جائحة كوفيد19-، حقق التلسكوب JWST المُجمَّع بالكامل إنجازاً مذهلاً: لقد اجتاز كل اختبار أخضِع له.
كما هو معروف، وقبل نجاح الاختبار، أُجِّل إطلاق التلسكوب مرة أخرى. لكن هذه المرة كان ذلك فقط من مارس إلى أكتوبر 2021، وهو تأخير معقول بالنظر إلى أن الفريق اضطُر إلى العمل من بُعد ومع التزام التباعد الاجتماعي في أثناء نوبات العمل، خلال مرحلة حرجة.
ومع تبقي أشهر فقط على إطلاق التلسكوب من غويانا الفرنسية، أتيح لغيذنر الوقت للتفكّر في مغزى المشروع: “في حين أن التلسكوب JWST هو أداة علمية ومثل تحدياً هندسياً هائلاً، إلا أنه في النهاية، قصة إنسانية، ومشروع جيل”. في الواقع ما من شك في أن الاكتشافات التي يمكن أن يحققها ستخدم الأجيال المقبلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى