أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
س&ج

هل ستغير اللحوم المصنَّعة العالم؟

د. إيما ديفيز Emma Davies
إيما كاتبة علمية متخصصة في البيئة والغذاء وعلم السموم.

كيف تُصنع اللحوم المصنعة؟

تُعرف اللحوم المصنعة Artificial meat أيضاً باسم اللحوم المستزرعة أو المنتجة من الخلايا، وهي تنمو من خلايا حيوانية في المختبر. عملت شركات ناشئة على زراعة لحوم بقر ودجاج وحتى أسماك. ولكن، لا شيء منها متاح تجارياً حتى الوقت الحالي.
هناك طرائق مختلفة لزراعة اللحوم المصنعة، لكن معظمها يستخدم الخلايا الجذعية البالغة Adult stem cells المأخوذة من حيوان حي. بالنسبة إلى لحوم البقر، تُؤخذ عينة صغيرة من العضل من بقرة، تحت تأثير التخدير الموضعي. ثم يُقطع العضل إلى قطع أصغر باستخدام إنزيمات لهضمها وإطلاق الخلايا الجذعية.
تُغمر الخلايا الجذعية في وعاء ضخم يسمى مفاعل حيوي Bioreactor بمرق يحتوي على الأملاح والفيتامينات والسكريات والبروتينات، إضافة إلى عوامل النمو Growth factors. تسمح البيئة الغنية بالأكسجين في درجة حرارة معينة للخلايا بالتكاثر بقدر كبير. ثم تتمايز Differentiate الخلايا الجذعية إلى ألياف عضلية تتجمع معاً بمساعدة مادة تَحِلُّ مَحَلَّ السقالات Scaffolding. يصير اللحم جاهزاً للإعداد أو الطهي في غضون أسابيع.
لا يزال إنتاج قطعة ستيك سميكة بعيد المنال، إذ يبدو صنع اللحم المفروم أسهل. والطباعة ثلاثية الأبعاد هي أحد الخيارات الممكنة لإنتاج شريحة لحم طرية، ولكن هذه التقنية ما زالت في مهدها.

هل سيكون مذاق اللحوم المصنعة لذيذاً مثل اللحم الحقيقي؟

وُصف أول برغر من اللحم البقري المصنع (كُشِفَ النقاب عنه في العام 2013 وبلغت كلفة تطويره 250,000 يورو) بأنه جاف وكثيف إلى حد ما، ويتألف فقط من ألياف العضلات.
يحتاج البديل الجيد للحوم إلى تقليد الرائحة والملمس والمذاق، وهذا ليس بالأمر الهين. في الحيوان تتكون العضلات من ألياف منظمة وأوعية دموية وأعصاب وأنسجة ضامة وخلايا دهنية. تساهم الآلاف من جزيئات النكهة في المذاق الغني للحوم الحقيقية. من الممكن إضافة نكهات اصطناعية إلى اللحوم المصنعة، لكن تحقيق التوازن بينها أمر صعب.
في العام 2013 أحرز بعض التقدم، إذ تدَّعي شركة هولندية تُدعَى ميتايبل Meatable حالياً أنها قادرة على إعادة برمجة الخلايا الجذعية التي جُمعت من دم الحبل السري البقري، وتحويلها إلى خلايا رئيسة يمكن أن تتمايز إلى دهون أو عضلات. هذا يسمح للخلايا العضلية والدهنية بأن تنمو معاً كما تفعل في الحيوانات. من الناحية النظرية، يمكن أن تنمو الخلايا من أنواع مختلفة معاً لإنتاج نكهات جديدة تماماً.

هل اللحوم المصنعة آمنة؟

توصف اللحوم المصنعة بأنها آمنة أو أكثر أماناً من اللحم الحقيقي، وتنتج في بيئة تخضع لضوابط صارمة.
من المستبعد جداً أن تتلوث بالبكتيريا الضارة مثل الإيشيريشيا كولاي (الإشريكية القولونية) E. coli، لأنه لا توجد أعضاء هضمية تدعو إلى القلق. مع الحيوانات الكاملة، هناك دائماً خطر تلوث اللحوم بالبكتيريا بعد الذبح.
مع هذا، يحتاج منتجو اللحوم المصنعة إلى توخي مزيد من الحذر للحفاظ على كل شيء معقماً لأن البيئة الغنية بالمغذيات في المفاعلات الحيوية هي أرض خصبة لتكاثر البكتيريا.
أثار البعض مخاوف من عوامل النمو المضافة إلى الخلايا الجذعية والتي تشمل الهرمونات. هذه الهرمونات موجودة بنحو طبيعي في الحيوانات، وكذلك في اللحوم الحقيقية. ومع ذلك يمكن أن تكون للتعرض المفرط آثار صحية ضارة للبشر. لهذا السبب حُظرت هرمونات النمو في الزراعة في الاتحاد الأوروبي منذ العام 1981.

هل تحتوي اللحوم المصنعة على مواد غذائية كافية؟

اللحوم المصنعة غنية بالبروتين، كما تحتوي المنتجات الأحدث منها على الدهون. يمكن التحكم في المحتوى الغذائي إلى حد معين عن طريق تعديل مستويات الدهون وتعديل مستويات الأحماض الدهنية المشبعة والأحماض الدهنية المتعددة غير المشبعة الصحية. يمكن استبدال الدهون المشبعة بأنواع أخرى من الدهون، مثل أوميغا3- الموجودة بنحو طبيعي في الأسماك أو زيت بذور الكتان. من الممكن أيضاً إضافة مغذيات دقيقة إضافية مثل فيتامين بي 12 (B12) إلى اللحوم المصنعة، مثلما يُضاف ذلك على نحو روتيني إلى الخبز وحبوب الإفطار.
يبقى أن تناول كثير من اللحوم الحمراء يضر بصحتنا، ويزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسكري من النوع الثاني وبعض أنواع السرطان. مع التحكم في مستويات الدهون، قد تكون اللحوم المصنعة أقل ضرراً بالصحة بقليل، لكن الحاجة إلى تناولها باعتدال ستظل قائمة.
قد تكون بدائل اللحوم النباتية هي الخيار الأفضل صحياً، مع مستويات بروتين مماثلة ومستويات أقل من الدهون المشبعة مقارنة ببرغر اللحم التقليدي.

هل يمكن أن تنقذ اللحوم المصنَّعة الكوكب؟

يتعرض نظام الغذاء العالمي لضغوط هائلة بفعل تغير المناخ والتزايد السكاني وزيادة الطلب على المنتجات الحيوانية. على هذا النحو ضخ المستثمرون مبالغ طائلة في شركات اللحوم المصنعة الناشئة Start-ups في السنوات الأخيرة. ويشير أحد تقديرات شركة الاستشارات الأمريكية كيرني Kearney إلى أن %35 من كل اللحوم المستهلكة على مستوى العالم ستكون مستزرعة من الخلايا بحلول العام 2040.
يمكن إنتاج اللحوم الاصطناعية بنحو أسرع وأكثر كفاءة من اللحوم التقليدية كما يتطلب جزءاً صغيراً من مساحات الأراضي. لكنها تواجه منافسة من المنتجات المشتقة من الحشرات واللحوم المقلدة النباتية التي يشتريها المستهلكون بالفعل بكميات متزايدة.
تنتج الثروة الحيوانية نسبة كبيرة من انبعاثات غازات الدفيئة عالمياً. وقد يؤدي تحول أعداد كبيرة من الناس إلى اللحوم المصنعة إلى تخفيضات كبيرة في هذه الغازات، وخاصة غاز الميثان. لكن دراسة في جامعة أكسفورد Oxford University اقترحت أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن تشغيل منشآت إنتاج اللحوم المصنعة قد تكون أكثر ضرراً على مدى الألف عام المقبلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى