قرارات.. قرارات
هناك أوقات في حياة الإنسان يقف فيها على حافة الهاوية. أو ربما عند مفترق طرق. وربما يجلس على حافة السياج. أياً كانت الاستعارة التي تفضلونها بشأن اتخاذ قرار مهم، فإن القرارات الكبيرة هي أصعب ما يمكن التنبؤ بما ستؤول إليه، لأنه ما من طريقة لمعرفة من سنكون على الجانب الآخر. خذوا، على سبيل المثال، أن يقرر أحدهم أن يصير مصاص دماء.
في المسلسل التلفزيوني الرائع ماذا نفعل في الظل What We Do In the Shadows، غييرمو Guillermo هو الإنسان الوحيد الذي يعيش في مسكن مع أربعة من مصاصي الدماء. إنه ما يُسمى ”أليفها“، فهو خادم خدوم وعبد يطفئ الأنوار خلال النهار ويتخلص من الجثث عندما ينتهي مساكنوه غير الموتى منها. يفعل هذا لأن سيده، ناندور الذي لا يلين Nandor the Relentless، وعده بأن يجعله مصاص دماء، وهو يتوق بشدة إلى ذلك.
لكن ناندور مراوغ. وهو لا يرى الأمر من منظور غييرمو. كما أنه لا يرى الأمر كما كان يراه قبل 759 عاماً، عندما صار هو نفسه مصاص دماء. بالتأكيد يمكنه أن يفعل أشياء خارقة مثل أن يطير أو يفجر أشياء ويجعلها تشتعل باللهب. لكن ما عدا ذلك يشتاق ناندور إلى حياته السابقة. وهو يريد أن يعود إنساناً من جديد. وينظر إلى كونه مصاص دماء على أنه لعنة.
تقول الفيلسوفة لوري آن بول Laurie Ann Paul إن قصة مصاص الدماء هي قصة نفسية خرافية حول اتخاذ قرارات مصيرية كبيرة. في العام 2014، كتبت كتاباً تشرح فيه أنه لا توجد طريقة للتنبؤ بما ستكون عليه استجابتك لقرارٍ ما حتى تتخذه، لأنك ستتحول بدرجة تجعلك لا تعرف نفسك. وبالمثل يستحيل أن يشرح شخصٌ ما على الجانب الآخر ما هي عليه الحال عندما تكون هناك.
”أن تصير مصاص دماء هو خيار ستعيش معه إلى الأبد. مثل الانضمام إلى مجموعة ذات معتقدات معينة، أو أن تصير أباً“
ولكن أن تصير مصاصَ دماء ليس أمراً اعتيادياً. لو كان كذلك فإن أي شخص حي يفكر في أن يسلك هذا الدرب سيكون قادراً على تصفح أرفف ممتلئة بكتب توفر دليلاً لما يمكن توقعه… والاستعانة بمستشارين لمساعدته قبل ذلك وفي أثنائه وبعده. لكن حتى هؤلاء لن يهيئوا شخصاً للعيش حياة أبدية لا يموت فيها، كما توضح بول. اختيار أن تصير مصاص دماء هو خيار ستعيش معه إلى الأبد. مثل الانضمام إلى مجموعة ذات معتقدات معينة، أو تغيير مظهرك الجسدي أو حالتك الذهنية، أو أن تصير أباً. هذه أمور لا عودة عنها.
لي صديقة لديها طفل عمره سنتان. لم تكونا سنتين سهلتين عليها. لقد بدأت تعيش حالياً لحظات من الفرح، وهو أمر ممتع لكل من هم حولها ممن عاشوا تجربتها خلال 24 شهراً بدا أنها لن تنتهي. أختها على وشك أن تضع أول طفل لها. قالت صديقتي نصفَ مازحة “لقد حذرتُها”. نعم ضحكتُ. وأنا أيضاً حذرتُكِ. لم تتذكر صديقتي أني حذرتُها، تماماً كما لم أستمعْ إلى تحذير صديقة أخرى أمسكت بيدي في النهاية عندما أدركتُ كيف تغيرت حياتي تغيراً كبيراً. لا أعرف إن كان مصاصو الدماء يفعلون ذلك أيضاً، لكننا نحن البشر لدينا قدرة رائعة على فهم الأشياء من خلال مشاعرنا.
سيُبَث قريباً الموسمُ الرابع من مسلسل What We Do In The Shadows، لذلك لا نعرف بعد إن كان غييرمو سيصير مصاص دماء. ولكن سواء صار أو لم يَصِرْ كذلك، أتوقع أنه سيكون مفيداً بطريقة ما في مساعدة ناندور على الحصول على السعادة في حياته ككائن غير ميت. هكذا تسير هذه القصص عادة. لأنه لا مجال للعودة. يستغرق الأمر وقتاً لنتذكر مرة أخرى من نكون.
اختصاصية علم النفس الاجتماعي ومقدمة برنامج ”الإنسان الرقمي“ Digital Human على محطة BBC الإذاعية الرابعة
