أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
أليكس كروتسكي

كوب جميل من الشاي

أدى النقصُ في العمال والجائحةُ إلى جعل رفوف المتاجر الكبرى فارغة أكثر من المعتاد. ماذا إذا بدأت إمدادات مشروبنا المفضل تتضاءل؟

في العام 1942، في خضم الحرب العالمية الثانية، اشترت الحكومة البريطانية ما يمكن توقعه: الرصاص وقذائف المدفعية والقنابل. كانت هذه هي احتياجات المعركة التي جرى شراؤها لحماية السكان من الأذى الجسدي. لكنهم فكروا أيضاً بقلوب الناس وعقولهم– وهي المعركة الأخرى على الجبهة الداخلية- وما يتعين فعله لضمان قدرة البلاد على المقاومة للحفاظ على الهدوء والاستمرار. لمعالجة تلك المعركة النفسية، اشتروا كل الشاي المتوافر في العالم. ولحسن الحظ كسبنا الحرب.

يبدو الأمر منطقياً على المستوى العاطفي. فالشاي رمز مهم للأمة. إنه مصدر رائع للكافيين، شاحذ للمعنويات، وأقوى من الذخيرة (هكذا قال ونستون تشرشل Winston Churchill). ومع ذلك فهو سلعة تكتنفها المخاطر. لا يُزرع ما يكفي من الشاي داخل البلد لتبرير هوسنا به، لكن حتى محبو القهوة يُطمئنون أنفسهم بأن كل شيء سيكون على ما يرام عندما يرونه على الرفوف. إنها ليست سلعة رمزية فقط لأنها جُلبت لنا لنتمكن من تجاوز الحروب، ولكن لأنها أوضح دليل على أن بريطانيا مرتبطة ببقية العالم. وفي نهاية الأمر نحن في حاجة إلى علاقات جيدة مع الجميع للحصول على حاجتنا من أقداح الشاي.

تطلب ضمان وجود الشاي على أرففنا خلال أحلك أيام الحرب العالمية الثانية اتخاذ قرارات ديبلوماسية، وليس فقط بشأن ميزانيات زمن الحرب، على الرغم من أن أحد التقديرات يشير إلى أن الشاي حل ثانياً من حيث حجم الإنفاق خلال العام 1942. وعنى هذا الحفاظَ على العمال في ولاية آسام Assam آمنين، وعلى الولايات المتحدة بجانبنا لنقل البضائع على سفنها، وتزويد الصينيين بالفضة (والأفيون للأسف).

وبالنتيجة حصل البريطانيون، أينما كانوا، على أكواب شايهم، وشعر الجميع بأن الأمور ستكون على ما يرام.

بالعودة سريعاً إلى وقتنا الحالي، وحقبة ديبلوماسية مختلفة، فيما ترد على وسائل التواصل الاجتماعي صور أرفف الشاي الفارغة في سلاسل المتاجر الكبرى لتنشر رسائل رمزية إلى بلد يصارع على عدة جبهات ”حرب“. الأرجح أن عديداً من العوامل العملية والسياسية تساهم في ذلك، لكن الجزء الأكثر أهمية بالنسبة إليَّ هو تأثير ذلك في نفسية البريطانيين. ومن الواضح أن هذه القضية تحتل مكان الصدارة في أذهان المتاجر الكبرى أيضاً. في كثير من الحالات عالجوا النقص في المواد الاستهلاكية عبر وضع قصاصات من صناديق السلع أو شعارات مرحة تحاول إبعاد الشعور بأن ”النهاية قريبة“ الذي قد يسبب أعمال شغب في الشوارع وفي قسم عروض ورق التواليت. وهو الأمر الذي من المحتمل أن نفعله، نظراً إلى التوتر العام.

”حتى محبو القهوة يطمئنون أنفسهم بأن كل شيء سيكون على ما يرام عندما يرونه على الرفوف“

لكن المشكلة تكمن في أنه بعد مرور ما يقرب من 80 عاماً منذ أن جابت الحكومة العالم بحثاً عن أوراق الشاي، كان هذا اختباراً حاسماً لرفاهية البلاد. يعتمد توافر الشاي لدينا على علاقاتنا مع الدول الأخرى. ويتطلب أن تعمل سلاسل التوريد بسلاسة. إنه يعتمد كثيراً على أمجاد الإمبراطورية السالفة والمفاوضات التجارية التي أضعفتها معتقدات الاكتفاء الذاتي. إن الرمزية الكامنة وراء المرونة التي يمنحها فنجان جميل من الشاي هي أن الهوية البريطانية تتطلب تحولاً فورياً.

ما الذي يمكن أن يحل محل الشاي باعتباره مشروباً وطنياً؟ هل هناك شيء محلي ومستدام يمكن للمملكة المتحدة أن تتدبر أمورها بفضله؟ هناك شيء واحد فقط يجب فعله لحل هذا اللغز: إعداد فنجان لطيف من الشاي والجلوس لتناوله مع بعض البسكويت للتفكير في الأمر والعثور على إجابة.

 

أليكس كروتوسكي Aleks Krotoski

اختصاصية علم النفس الاجتماعي ومقدمة برنامج “الإنسان الرقمي” Digital Human على محطة BBC الإذاعية الرابعة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى