نظام عالمي جديد
في عام 1993، صارت شبكة الإنترنت متاحة للجماهير، الأمر الذي أدى إلى تغيّر عالم الإنترنت إلى الأبد. والآن، سيغير كوفيد19- عوالمنا الافتراضية مرة أخرى.
أليكس كروتوسكي Aleks Krotoski أليكس
عالمة نفسية اجتماعية ومذيعة وصحافية. وهي تقدم برنامج الإنسان الرقمي Digital Human
سبتمبر 1993 بدا مثل أي شهر سبتمبر آخر على مدى 25 عاماً من تاريخ الإنترنت: وصلت مجموعة جديدة من الأشخاص إلى الجامعة وخُصصَ لكل منهم عنوان بريد إلكتروني، ما أتاح لهم الوصول إلى عالم الإنترنت. لقد بدأوا في التنقيب حول عالَم المعلومات – أرشيفات بعد أرشيفات أخرى من المعرفة التي أنشأها المستخدمون ومتاهات من المجتمعات غير الفعلية – ودب فيهم الحماس. لقد غاصوا في العالم الجديد بكل ما لديهم من قوة وخرقوا القواعد بلا رادع وتجاوزوا المسموح إلى أن كبح جماحهم “حكيم” شرح لهم كيف تسير الأمور بالفعل في هذه المدينة الافتراضية. وبحلول شهر أكتوبر، كانت الأمور تعود بسلاسة وتأخذ مجراها المعتاد.
لكن عام 1993 كان مختلفاً. كان هذا هو العام الذي أرسلت فيه شركة أمريكا أونلاين AOL أقراصاً مضغوطة إلى كل أسرة في الولايات المتحدة الأمريكية، ما أتاح للملايين الوصول إلى الإنترنت. ذاك العام – ولأول مرة – كان عدد الأشخاص الذين سجّلوا الدخول أكثر من أي عدد مسجل من قبل. كانت هذه بداية ما صار يُعرف بسبتمبر الخالد Eternal September، واقعين في أسر الأونلاين Online عند اللحظة التي تغير فيها كل شيء. لقد حل المستجدون Newbies محل الحكماء Elders، وهدمت القواعد بالجرافات ولم تعد للطرق القديمة أهمية. فكانت أول زعزعة Disruption في التكنولوجيا الجديدة. وهكذا وُلدت الإنترنت التي يعرفها معظم الناس حالياً.
نحن في خضم زعزعة أخرى، بدأها كوفيد19-. الأشخاص الذين عايشوا شهر سبتمبر الخالد، والمستجدون الذين ابتكروا ثقافة التكنولوجيا -التي يعتبرها معظمنا مُختلة وظيفيا Dysfunctional ولكن ضرورية- تجاوزتهم أعداد المنغمسين في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ولكنهم لم يعيشوها، والشركات التي اعتقدت أن العمل عن بُعد يعني الاطلاع على بريدك الإلكتروني أثناء العطلة، والأشخاص الذين اعتقدوا أن الحياة الافتراضية تنتهي عندما يتوقف الشخص عن العيش.
ما تجدر ملاحظته عن العيش خلال هذه اللحظة، كشخص كان جزءاً من الاندفاع نحو الأونلاين Online في سبتمبر 1993، هو رؤية كيف يكتشف العاملون عن بعد والمعزِّين الافتراضيين وفراشات Butterflies وسائل التواصل الاجتماعي [المتفاعلين النشيطين] حدودَ هذا الوضع الطبيعي الجديد. الخدمات الرقمية التي أصبحنا نعتمد عليها لأنها كانت موجودة بالفعل غير قادرة على تحقيق الحلم الذي وعدت به. الناس يريدون لحظة تبادل الأحاديث لحظة الالتقاء عند براد الماء في المكتب. يريدون أن يحصلوا على الإطراء بصورة شخصية. يريدون أن يجتمعوا حول قبر وأن يواسوا بعضهم بعضاً وأن يحتضنوا بعضهم بعضاً بالفعل.
بقدر ما هي مذهلة، لا يمكن للتكنولوجيا الرقمية حاليا أن تحلّ محل التفاعل البشري. ولكن هذا ما طلبنا منها أن تفعل منذ شهور. في حين أنه يمكن لبعض الأشخاص أن يعيشوا حياة كاملة عبر الإنترنت، فإن هذه ليست هي الحال بالنسبة إلى الجميع. ومع ذلك، هذا ما طُلب منا جميعاً أن نفعله.
ما أجده مثيراً للاهتمام هو أن الأشخاص الذين لم يترددوا يوماً في دفع حدود التكنولوجيا البشرية/الرقمية، بدأوا أخيرا في التعرف على حدودها. وذلك سيؤدي إلى الابتكار. بعد أقل من خمس سنوات من قلب سبتمبر الخالد الإنترنت القديم رأساً على عقب، صار لدينا أنظمة بحث جديدة (غوغل)، ومنصات تجارية (أمازون) وشبكات التواصل الاجتماعي (شبكة الست درجات Six Degrees). في فترة ما قبل كوفيد زرع المستجدون بذورَ الإنترنت المختل الذي كنا نعيشه الآن. وسيجلب شهر أبريل الخالدEternal April زعزعة لا يمكن لبقيتنا تخيلها، وسوف يخترع شباب مستجدون نظاماً عالمياً جديداً خاصاً بهم سيكون أعظم من أي شيء اخترعَ من قبل.