أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تكنولوجيا

استخدام البلاستيك لمرة واحدة

هل البدائل القابلة للتحلل بيولوجياً أسوأ للبيئة؟

يتعرض تجار التجزئة لضغوط للتخلي عن البلاستيك أحادي الاستعمال. لكن هل يمكن أن يؤدي رد الفعل العفوي إلى تفاقم الأمور فعليا؟

يتحول تجار التجزئة من البلاستيك أحادي الاستعمال إلى بدائل قابلة للتحلل، أو التحول إلى سماد، أو يمكن إعادة تدويرها، وفقاً لبحث أجرته مؤسسة التحالف الأخضر Green Alliance الخيرية البريطانية الناشطة في المحافظة على البيئة. لكن هل يمكن لهذه الحلول السريعة أن تسبب المزيد من الضرر للبيئة؟ تحدثنا إلى عالم المواد Materials scientist مارك ميودونيك Mark Miodownik المشرف على تجربة السماد الكبيرة Big Compost Experiment، وهي تجربة علوم مواطن Citizen science [تجربة يقوم بها مواطنون] على مستوى البلاد لاستكشاف ما إذا كانت المواد البلاستيكية القابلة للتحلل في المنزل تتحول بالفعل إلى سماد في حديقتك.

كيف يُصنع البلاستيك القابل للتحلل؟
يُصنع البلاستيك من جزيئات الكربون طويلة السلسلة Long-chain carbon، فالبوليثين Polythene، مثلا، مؤلف من الكثير من جزيئات الإيثيلين Ethylene الصغيرة المرتبطة ببعضها، وهو يوفر ذلك النوع من المواد المستخدمة لصنع الأكياس البلاستيكية القوية والمتينة والخفيفة. لكن معظم أشكال الحياة تتضمن أيضاً جزيئات كربونية طويلة السلسلة، ويمكن الحصول على هذه البنى من أشياء مثل الذُّرة والنَّشاء، فيمكن حصاد المحصول واستخدام ذلك كمصدر للكربون وإنشاء بوليمرات من تلك المواد. وتعمل هذه البوليمرات بالطريقة نفسها التي تعمل بها تلك التي نستمدها من البتروكيماويات. لكن، في هذه الحالة يمكن أن تجعلها لذيذة نوعاً ما للكائنات الحية الدقيقة، وهكذا تُقبل البكتيريا الصغيرة على التهامها، ومن هنا تنشأ المواد البلاستيكية القابلة للتحلل.

كيف يمكننا التخلص من البلاستيك القابل للتحلل أوالتحول إلى السماد؟
حاليا هناك مشكلة صغيرة. للحصول على الخصائص التي نحتاج إليها في البلاستيك، أي أن تدوم لمدة ستة أشهر أو سنة لحماية طعامك، فأنت تريدها أن تستمر لفترة طويلة دون أن تأكلها الكائنات الدقيقة، وإلا فإن الطعام سيتلف على الأرفف.
وعليك أن تتذكر، هذه المواد البلاستيكية يجب أن تقاوم البيئات الرطبة والساخنة. وهكذا، من أجل الحصول على مواد بلاستيكية بتلك الجودة، غالباً ما يتعين عليك التدخل كيميائياً. وهذا يجعل أكلها صعباً على الكائنات الدقيقة، ويعني أن قابليتها للتحلل الحيوي تتطلب ظروفاً معينة.
لذا، فإن معظم البوليمرات القابلة للتحلل بيولوجياً لن تتحلل إلاّ عند 50 °س أو 60 °س، مثلا، وهي الظروف المستخدمة في المستوى الصناعي من إنتاج السماد. قد تشتري مناديل كُتب عليها إنها قابلة للتحلل، لكن ما لم تعالجها بمعدات مصنع السماد، وفي درجة الحرارة المناسبة، والرطوبة المناسبة، مع الكائنات الدقيقة القادرة على التهامه، فلن تتحلل بيولوجياً. وستبقى في البيئة بعد عام؛ وإذا ألقيتها في البحر، فستبقى فيه لسنوات. لذا، يجب عليك حقاً وضعها في حاولة الزبالة العامة.

أيهما أفضل: التحلل البيولوجي أم إعادة التدوير؟
إذا كان لديك بلاستيك قابل لإعادة التدوير، فأنت تعرف مكان وضعه: تضعه في صندوق إعادة التدوير. فلدينا أنظمة معتمدة لإعادة تدويره. والجيد هنا هو أنك تحصر الكربون في داخلها. لكن في حالة البلاستيك القابل للتحلل، بعد الحصول عليه من محصول ما، إذا بعثته إلى مصنع سماد، فالأرجح أنك ستعيد الكربون إلى الغلاف الجوي. وما نريد فعله حقاً هو إبقاء الكربون في النظام، لأننا كما نعلم، نحاول تقليل ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. ونريد أن يكون كل شيء قابلاً لإعادة التدوير، ونريد إعادة تدويره.

هل هناك أي قيمة في الاستعاضة عن البلاستيك أحادي الاستخدام بالمواد ‘القابلة للتحلل البيولوجي’ التي لا تتحلل بيولوجيا ولا يمكن إعادة تدويرها؟
أعتقد أنه لا توجد أي قيمة في الوقت الحالي، لأنه لا يوجد أي شيء يمكن أن يُعد مادة مستدامة. فالورق ليس مستداماً، والفولاذ ليس مستداماً، والزجاج غير مستدام. الأشياء ليست مستدامة في حد ذاتها.
النظام وحده قد يكون مستداماً. وما أعنيه بالنظام هو: أن يصنع شخص شيء ما من الفولاذ، وتستخدمه في سيارتك أو آلة الحلاقة، ثم تتخلص منه، فيعاد تدويره، ثم يعود إلى النظام. قد يكون هذا النظام مستداماً إذا حرصت على استخدام الطاقة فيه بشكل صحيح.
وبعد ذلك، إذا حاولت وصنَّعت مواد قابلة للتحلل، فإن ما تحاول فعله هو إنشاء نظام يؤدي فيه ثاني أكسيد الكربون دورا ما، ويبدو لي أن طريقتنا في التعامل مع ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي تطرح إشكالية، لذلك من الصعب لمثل هذا النظام أن يصير مستداماً من وجهة نظري.

هل من المفيد الاستعاضة عن البلاستيك أحادي الاستخدام بمواد أخرى تستخدم لمرة واحدة؟
هناك نظام لإعادة تدوير الورق، لكن إذا كان ملوثاً بالطعام، فلن يعاد تدويره. وفي الواقع، فإن الطاقة والمياه التي يحتاج إليها صنع الورق هي عموما أكثر مما يُستخدم في إنتاج البلاستيك. لذا، من المحتمل أن تزيد مشكلات المياه وتغير المناخ سوءاً باستبدال مادة أحادية الاستخدام بأخرى.
لذا، الحقيقة هي أنني أعتقد أن الناس منزعجون جداً من البلاستيك ومشمئزون من التلوث، وهم محقون في الشعور بالاشمئزاز، لكن ما لا نريده هو ردود الفعل العفوية هذه التي هي ليست في الواقع أكثر من عملية ‘غسيل أخضر’ Greenwashing مضلِّلة. إنهم يحاولون نوعاً ما استرضاءك، لكنني أعتقد أن الطريقة الجدية لفعل شيء لحل المشكلة تكمن في تغيير النظام المعتمد.

ما الطريق الذي يضمن تحقيق تقدم في هذا المضمار؟
لن نتخلى عن البلاستيك من حياتنا، لأنه مفيد جداً. إنه يقلل من هدر الطعام، ويقلل من هدر كل شيء تقريباً، وهو خفيف الوزن جداً ومتين لنقل البضائع عبر الكوكب، وكل ذلك يساعد على تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الجو. إن %67 في المتوسط من كل قطعة ملابس لدينا حالياً مصنوعة من البلاستيك؛ ومعظم المواد الداخلة في تصنيع أحذيتنا بلاستيكية؛ والكثير من الأشياء في حياتنا مطلية بالبلاستيك. كلها مهمة، لكن ليست لدينا أية أنظمة لإعادة تدوير هذه المواد حالياً، وأعتقد أننا في أمس الحاجة حقاً وبسرعة إلى إعادة تصميم كل شيء، حتى تكون هناك أنظمة لإعادة تدوير كل شيء في حياتنا.
ويجدر بنا أن نحرص على أن يكون جميع البلاستيك المباع في المتاجر الكبرى قابلاً لإعادة التدوير، وكل ذلك يدخل في صندوق واحد ولا يتعين عليك اتخاذ أي قرار يحتاج إلى كثير تفكير. ويُعاد تدوير هذه المواد البلاستيكية مرة أخرى إلى مواد بلاستيكية جديدة تستخدم بعد ذلك لمزيد من التعبئة والتغليف. هذا هو المستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى