أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
مقالات رئيسية

استعدوا: الزينوبوتات قادمة

يستخدم العلماء مواد حية لصنع آلات قد يعتبرها البعض حية... وها هي قد بدأت تتناسخ

الزينوبوتات قادمةهايلي بينيت

عندما نفكر في الروبوت، فإن ما يتبادر إلى الذهن عادة هو نوع من الخادم الاصطناعي، آلة مغطاة بالمعدن تتحكم بها أنظمة إلكترونية. في حين أنه قد يؤدي بعض الأعمال لنا وربما يتحدث إلينا بطرق تبدو ذكية، فإننا لن نعتبره حيّاً. ولكن ماذا لو، بدلاً من بناء روبوتات من مواد صلبة لا حياة فيها، بنيناها من المواد الطرية التي تعتمد عليها الطبيعة؟ ماذا لو بنيناها من خلايا؟

هذا هو بالضبط النهج الذي يتبعه الباحثون في مختبر البروفيسور جوش بونغارد Josh Bongard من جامعة فيرمونت University of Vermont بالولايات المتحدة. على مدى السنوات الأربع الماضية، صمم هؤلاء الباحثون وبنوا ’زينوبوتات‘ Xenobots هي عبارة عن آلات مصغرة مصنوعة من خلايا ضفادع حية. يشرح بونغارد منهج الفريق: «[إذا] صنعت روبوتاً من المعدن والبلاستيك… القطع نفسها ليس لديها ذكاء. نحن نتعامل مع مجال الروبوتيات بطريقة مختلفة تماماً. نحن نبني من مكونات هي نفسها آلات ذكية بصورة رائعة».

لقد كانت الطبيعة مصدر إلهام للروبوتيات على مدى عقود. لقد أدى ذلك إلى بناء مشغِّلات تعتمد على عضلات حقيقية تسمح للروبوتات بالتحرك بسهولة أكبر. في مكان آخر وسادات تحاكي أقدام الوزغات تسمح للروبوتات بتسلق الزجاج رأسياً. على النقيض من ذلك، فإن الزينوبوتات مصنوعة من لبنات بناء الطبيعة نفسها. تقول الدكتورة فيكتوريا ويبستر-وود Victoria Webster-Wood، الخبيرة في الروبوتات المستوحاة بيولوجياً من جامعة كارنيغي ميلون Carnegie Mellon University، إن هذا النهج «يمكِّننا من الاستفادة مباشرةً من قدرة المواد الحية الطبيعية على التكيف».

الأمر المذهل في زينوبوتات بونغارد هو أنه يمكن تصنيعها من خلايا طبيعية مأخوذة من أجنة ضفادع، من دون الحاجة إلى إجراء تعديلات جينية. على الرغم من أن العلماء كانوا يعرفون أن هذه الخلايا يمكن أن تتحرك من تلقاء نفسها، فإنها في هذه الحالة تُستخدم كمواد لتوليد سلوكيات تشبه سلوك الروبوتات يمكن التنبؤ بها، مثل رعي الجسيمات حول طبق اختبار بتري، والتعاون مثل كلاب الرعي وحتى الاعتناء بكرات خلايا أخرى يمكن اعتبارها أطفال الزينوبوتات نفسها.

الانتخاب الاصطناعي
في حين أنه ليس من الواضح ما الشيء الموجود في بنية الزينوبوتات الداخلية، أو بالأحرى تلك الخاصة بخلايا الضفادع، الذي يجعلها تتصرف بهذه الطريقة، فإن قدراتها تجعلها مفيدة لجميع أنواع المهام؛ تنظيف اللدائن الدقيقة، على سبيل المثال، أو، كما أوضح الباحثون في ورقتهم البحثية الأولى عن الزينوبوتات، المنشورة في العام 2020، الزحف إلى موقع الأنسجة المريضة لدى البشر للمساعدة على جعلها تستعيد عافيتها. 

إذن، لو أردنا صنع زينوبوتات، فمن أين نبدأ؟ حسناً، بدأ فريق فيرمونت في طبق اختبار بتري افتراضي، على جهاز حاسوب، حيث ’يطور‘ برنامج ذكاء اصطناعي (AI) مجموعات من خلايا الضفادع، بناءً على شكلها، لأداء أي مهمة يرغب فيها العلماء. يوضح بونغارد: «إنها تُصنِّع مجموعة من الزينوبوتات الافتراضية، وتمحو تلك ضعيفة الأداء منها، وتصنع نسخاً معدلة عشوائياً من الناجية منها».

يخبر العلماءُ الذكاءَ الاصطناعي بعدد جولات عملية الاختيار الاصطناعي هذه التي يريدون منه إكمالَها، وفي ثوانٍ عديدة فقط يحصلون على التصميم. على سبيل المثال قد يكون هذا التصميم عبارة عن كرة من الخلايا بها فتحة في المنتصف، مثل كيس يمكن أن يُستخدَم لنقل الأشياء.

يقول الدكتور فالك تاوبر Falk Tauber إن عملية التصميم القائمة على الذكاء الاصطناعي هي «التحفة الحقيقية» لنهج الفريق. تاوبر، وهو خبير في التكنولوجيا المستوحاة من البيولوجيا ومقره جامعة فرايبرغ University of Freiberg في ألمانيا، يلاحِظ أنه من دون طبق الاختبار بتري الافتراضي، قد يستغرق اختبار المئات من تكوينات الخلايا المختلفة أسابيع أو حتى أشهراً باستخدام خلايا حقيقية. يقول: «لا يمثل هذا ميزة زمنية هائلة فحسب، بل يوفر أيضاً الفرصة لتطبيق أكثر الأساليب الواعدة فقط التي أثبتت نجاحها في [الحاسوب]».

ويقترح أن نهج الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون مفيداً في سيناريوهات أخرى أيضاً، مثل التصميم السريع للعمليات الشخصية لزرع الأعضاء التي تناسب بدقة السمات التشريحية للمريض.

ثم يأتي الجزء الذي يستغرق وقتاً طويلاً، حين ينبغي نقل التصميمات الافتراضية إلى خلايا الحياة الواقعية. إنها عملية تستغرق من نحات الزينوبوتات الوحيد في الفريق، البيولوجي د. دوغ بلاكيستون Doug Blackiston، من جامعة تافتس Tufts University، ماساتشوستس، ساعات لكل زينوبوت لا يتجاوز حجمه الملليمتر الواحد. باستخدام أدوات الجراحة المجهرية، ينحت بلاكيستون بشِق الأنفس الشكلَ الذي صممه الذكاء الاصطناعي في نسيج مأخوذ من أجنة الضفادع. يقول: «بالنسبة إليّ، يشبه الأمر كثيراً الرسم أو العمل الفني»، مضيفاً أنه يستمتع برؤية الأشكال تتحد معاً. ومع ذلك فهو يعترف بأنه لكي يمكن العثور على تطبيقات في العالم الحقيقي للزينوبوتات، فإنهم يحتاجون إلى تسريع العملية ليتمكنوا من نحت أكثر من الـ 30 إلى الــ 40 زينوبوتاً التي يصنعونها حالياً في أسبوع. يمكن أن يتحقق مثل هذا التقدم بفضل الطباعة ثلاثية الأبعاد التي يمكن أن تستخدم الخلايا والأنسجة مثل ’أحبار’ الطباعة.

المضي قُدماً

بعدها تقضي الزينوبوتات ما يزيد قليلاً على أسبوع في الزحف أو السباحة في الطبق قبل أن تتفكك (نظراً إلى أنها لا تأكل، فإن عمرها الافتراضي محدود). في تجاربهم الأصلية، صنع الباحثون زينوبوتات ’تمشي’ من توليفات من خلايا القلب والجلد؛ وتُترجم عمل خلايا القلب الشبيه بالمكبس إلى حركة. لكنهم حالياً يستخدمون خلايا الجلد، مستفيدين من بنى نابضة شبيهة بالشعر تسمى الأهداب Cilia تبرز من السطح الخارجي لكرات الخلايا، مما يسمح لها بــ ’السباحة’. 

بعد أن رأوها تتحرك في البَدء، ظن الباحثون أن الزينوبوتات قد تكون قادرة على دفع الأشياء، على الرغم من أنهم تساءلوا عما إذا كانت الزينوبوتات ستكون قوية بما فيه الكفاية لتفعل ذلك. يقول بلاكيستون: «لقد بدأت بجزيئات صبغة خفيفة الوزن جداً، نُثرت في قاع طبق بتري مثل طبقة رقيقة من الرماد أو الثلج. لقد حالفني الحظ في المحاولة الأولى ونجحت». تمكنت الزينوبوتات أيضاً من دفع حبات زجاجية صغيرة في الطبق.

الزينوبوتات قادمة
يساعد البيولوجيان دوغ بلاكيستون (جالساً) ومايكل ليفين على صنع الزينوبوتات التي صمَّمها الذكاء الاصطناعي
الزينوبوتات صغيرة جداً. هنا يمكن رؤية عدد منها على شكل نقاط في وسط طبق اختبار بتري فوق ورقة نقدية من فئة دولار واحد

بعد أن تقدم الباحثون لصنع الزينوبوتات السابحة، بدؤوا في إعطاء أسراب منها أشياء أخرى لنقلها، مثل الخلايا، وهي الخلايا نفسها التي تتكون منها الروبوتات المصغرة نفسها. كان ذلك عندما بدأ شيء مثير للاهتمام يحدث: بدأ السرب بدفع الخلايا لتشكيل أكوام صغيرة. إذ إن خلايا الضفادع لزجة، لذا مالت الأكوام إلى البقاء معاً، ومن ثم بعد عدة أيام، بدأ الشعر يظهر على سطحها أو الأهداب، تماماً كما هي الحال على سطح الزينوبوتات. «وبعد ذلك»، يقول بونغارد، «لاحظ دوغ [بلاكيستون] أن بضعة منها بدأت تتحرك». في هذه المرحلة، كان من الواضح أن الزينوبوتات كانت تصنع مزيداً من أنفسها. لم يكن سيناريو من النوع التقليدي «التزاوُج والحصول على طفل»، ولكنه كان شكلاً من أشكال التكرار الذي لم يسبق أن شوهد له مثيل في الطبيعة.

مجموعة من الزينوبوتات ’تنظف وترتب‘ طبق اختبار بتري عن طريق تحريك الحطام وتجميعه في كومة

يقول بلاكيستون إنه كان يعلم أن التجربة ستنجح إذا تمكن من تهيئة الظروف المناسبة. ولكن هذا لم يجعل الأمر أقل إثارة للاهتمام عندما عرض على بونغارد والفريق لأول مرة أحد «الأطفال» وهو يتنقل خلال اتصال عبر زوم Zoom. يتذكر بونغارد: «غمر الصمتُ الجميع – البيولوجيين وعلماء الحاسوب. كما تعلمين، التكرار الذاتي هو نوع من الحلم والأمل [بالنسبة] إلى الآلات عموماً وأن أراها… كدت لا أصدق».

عندما أدرك الباحثون أن زينوبوتاتهم يمكنها أن تتكاثر ذاتياً، طلبوا إلى الذكاء الاصطناعي تطوير نسخ يمكنها أن تفعل ذلك على نحو أفضل. بدأ الذكاء الاصطناعي العمل وصمم شكلاً بدا مألوفاً جداً: باك مان Pac-Man، أو كما يصفه بونغارد «مجرفة، عملياً»، وهو أمر منطقي عندما تصنع أطفالك عن طريق دفع عدد منهم إلى صنع أكوام. يمكن رؤية هذا الشكل الشبيه بباكمان في عنوان هذه المقالة.

يقول بونغارد إن كون الزينوبوتات قادرةً حالياً على التكرار الذاتي يفسح المجال أمام مجموعة كاملة من التطبيقات المحتملة، بسبب ما يسميه «الخدمات الأُسية» Exponential utility. ينطبق المفهوم على أي تقنية تفعل ما هو مفيد وتزداد فائدتها كلما زاد انتشارها. تنظيف البيئة مثال جيد على أحد هذه التطبيقات، إضافة إلى اللقاحات أو التقنيات التي يمكن أن تطفئ حرائق الغابات. ومع ذلك فإن هذه التقنيات لا تنتشر من تلقاء نفسها، لذا يمكنها الاستفادة من ناقل ذاتي النسخ لمساعدتها. على الرغم من أن هذا كله مجرد نظرية، فقد أظهر الباحثون من خلال النمذجة الحاسوبية أنهم إذا غذوا الزينوبوتات بكمية كافية من الخلايا واستمرت في التكاثر، فإن استخدام الزينوبوتات لتطبيق أبسط، مثل تحريك أسلاك ونقلها في دائرة، سيستمر في التطور باتجاه التعقيد.

إذا كانت الزينوبوتات ذاتية التكرار تبدو مثل سيناريو فيلم ينتمي إلى الخيال العلمي علينا أن نتجنبه، فإن ما يجدر بنا أن نضعه في الاعتبار هو أن الروبوتات الآباء لا يمكنها إنتاج ذرية إلا في ظل ظروف معينة يتحكم فيها الباحثون، كما تشير ويبستر-وود. ومن دون الوصول إلى خلايا عائمة إضافية، لا يمكنها أن تنسخ نفسها على الإطلاق. إضافةً إلى ذلك فإن زينوبوتات الفريق قابلة للتحلل الحيوي و»تموت» في غضون أيام. وكما يقول تاوبر: «هذه الروبوتات الخلوية الصغيرة محفوظة بأمان في مختبرات فريق بونغارد، ولا يتسنى لها أن «تعيش في العالم الخارجي».

“بدأت الزينوبوتات في طمس الخط الفاصل بين الأحياء وغير الحية ، مما أدى إلى إعادة إشعال الجدل حول ماهية الحياة”

في الواقع يتجنب تاوبر استخدام أي كلمة تشير إلى كونها «حية» على الإطلاق، وذلك على وجه التحديد لأن بقاءها يعتمد على مثل هذه الظروف المحددة. على الرغم من ذلك يعتقد بونغارد أنه إلى جانب تكنولوجيا أخرى – مثل الهجائن الحيوية Biohybrids التي تجمع بين المكونات العضوية والتكنولوجية – بدأت الزينوبوتات في طمس الخط الفاصل بين ما هو حي وما ليس حياً، مما أدى إلى إحياء الجدل حول ماهية الحياة.

في غضون ذلك أثار سلوك الزينوبوتات أسئلة أخرى. على سبيل المثال، لا يعرف الباحثون ما إذا كانت الزينوبوتات تتعاون حقاً عندما تدفع الخلايا والأشياء الأخرى معاً. هل هي قادرة على الإحساس بعضها ببعض من خلال ملايين المستقبلات المختلفة الموجودة على سطح الخلايا الحية؟ أو إنها تتنقل بغير هدًى مثل الألعاب التي تتحرك عبر تدوير نابض زنبركي موصول بها؟

سؤال آخر مثير للاهتمام، بالطبع، هو ما إذا كان يمكن أيضاً صنع الروبوتات البيولوجية من خلايا بشرية، وما إذا كان الفريق يخطط لذلك. مثل هذا الأمر بالتأكيد على قائمة المهام، وفق بونغارد الذي يقول: «كما تعلمين، تباعدت الخلايا البشرية والضفدعية قبل وقت ليس ببعيد، إذا فكرنا في مجمل التاريخ التطوري للخلايا»، مشيراً إلى أن هذا، من حيث المبدأ، يجب أن ينجح. ستكون الزينوبوتات المصنوعة من خلايا بشرية أكثر توافقاً مع التطبيقات الطبية، على الرغم من أن الطريق سيكون طويلاً جداً للحصول على الموافقة عليها.

في غضون ذلك يريد الباحثون اكتشاف مزيد حول ما هو موجود في البيولوجيا الأساسية لخلايا الضفدع التي تجعلها تتصرف كما تفعل. وهم يأملون تعلم كيفية توجيه المواد الحية على نحو أفضل لتكوين آلات أفضل. هذا ما يعمل الذكاء الاصطناعي على اكتشافه، لكنه غير قادر بعد على الإفصاح عما توصل إليه. يقول بونغارد: «نطلب إلى الذكاء الاصطناعي صُنعَ آلات، لكن ذلك سيأتي لاحقاً، فالذكاء الاصطناعي يتعلم مزيداً ومزيداً عن البيولوجيا». ويضيف إن جزءاً رئيساً من العمل هو جعل الذكاء الاصطناعي يشرح ما تعلمه عن البيولوجيا «لنا نحن البشرَ المساكين».


هايلي بينيت Hayley Bennett
(@gingerbreadlady)
هايلي كاتبة علمية مستقلة متخصصة في البيولوجياوالكيمياء والبيئة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى