أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تدقيق الحقائقتعليق

الفيزياء: هل تتجنبها الفتيات لصعوبتها؟

في أواخر أبريل علقت مديرة المدرسة كاثرين بيربالسينغ بأن الفتيات لا يُحببن الفيزياء ويتجنبْنها لصعوبة الرياضيات فيها.

في العام 2021 كانت نسبة الفتيات %23 بين الطلبة الذين يدرسون مادة الفيزياء على مستوى الشهادة الثانوية العليا A-Level في إنجلترا. قبل خمس سنوات كانت النسبة %21، ومن ثم يبدو أنه لا تَقدُّم يُذكر. في أبريل، أثناء حديثها أمام لجنة العلوم والتكنولوجيا Science and Technology Committee البرلمانية، سُئلت كاثرين بيربالسينغ Katharine Birbalsingh، وهي مديرة مدرسة ورئيسة لجنة الحَراك الاجتماعي الحكومية Social Mobility Commission، عن سبب ذلك، لا سيما أنه في مدرستها بالذات بلغت نسبة الفتيات %14 فقط من طلبة الفيزياء في المستوى الأول. أجابت أنهن لا يُحببن المادة ويتجنبنها لصعوبة الرياضيات. لكن الأدلة تشير إلى خلاف ذلك.
أولاً، في العام 2021، كان أداء الفتيات أفضل (قليلاً) من الفتيان في الرياضيات في كل من شهادة GCSE ومستوى A-Level. ثانياً، لا يمكن أن تكون الرياضيات في الفيزياء في المستوى A-Level أصعب من الرياضيات في ذاك المستوى نفسه في حين أن %39 من طلاب الرياضيات في المستوى A-Level على الصعيد الوطني كن من الفتيات (و%59 في مدرسة بيربالسينغ). لذا، ونظراً إلى أن الفتيات ينجحن في الرياضيات عندما يخترن المادة، ويزداد احتمال أن يدرسن الرياضيات في المستوى A-Level مقارنة بالفيزياء، فليس من المنطقي أن تكون الرياضيات هي التي تجعلهن يتجنبن الفيزياء. إذن ما سبب هذه الفجوة؟
فلنبدأ باختيارات المستوى الأخير A-Level. عندما يختار الطلبة موادَّهم، فإنهم يتأثرون بثلاثة اعتبارات رئيسة: ما المهنة التي يرغبون فيها (بما في ذلك متطلبات الجامعة، إذا تطلب الأمر)، ومدى ارتياحهم لكل موضوع من موضوعات شهادة GCSE، وما يفعله أصدقاؤهم. وجد تقرير صادر عن معهد الدراسات المالية Institute of Fiscal Studies أنه في حين ترى الفتيات أن وظائف العلوم والتكنولوجيا جيدة الأجر ومضمونة، فإنهن يتجنبنها لأنها في تصوُّرهن مهن يهيمن عليها الذكور، لا سيما في علوم الفيزياء والهندسة وعلوم الحاسوب. في العلوم التي تتساوى فيها النساء على الأقل في التمثيل الوظيفي، مثل الطب والعلوم البيطرية والبيولوجيا، يوجد تمثيل نسائي مرتفع في الجامعة. كل هذه التخصصات تركز على البيولوجيا والكيمياء بقدر أكبر من الفيزياء. ينتج عن هذا حلقة مفرغة من التغذية الراجعة السلبية التي تجعل الفتيات ينجذبن نحو المجالات التي بها عدد أكبر من النساء وتدفعهن بعيداً عن المجالات التي بها عدد أقل من النساء.

“بينما ترى الفتيات أن المهن العلمية والتكنولوجية جيدةُ الأجر وآمنة ، فإنهن يتجنبْنها بسبب تصورهن أنها مهنٌ يهيمن عليها الذكور ، ولا سيما العلوم الفيزيائية”

يسلط كل من معهد الفيزياء Institute of Physics ومعهد الدراسات المالية الضوء على أن الفتيات أقل رضاً عن تدريس الفيزياء في المدرسة مقارنة بالعلوم الأخرى. يُضاف إلى ذلك أن الاحتمال أقل أن ترى الفتياتُ أنفسهن على أنهن عالمات فيزياء (“مفهوم الذات”) كما أنهن أقل ثقة بقدرتهن، على الرغم من أن جودة أدائهن مماثلة تماماً لأداء الأولاد. أسباب ذلك كثيرة، وقد تعود إلى مرحلة الطفولة. يختلف الأهل في حكمهم على قدرات الأبناء والبنات في مرحلة الطفولة وطريقة مدحهم لأطفالهم. ويستمر هذا الأمر في المدرسة حيث يميل المعلمون إلى المبالغة في تقدير قدرة الأولاد والتقليل من قدرة الفتيات في الرياضيات.
نبه معهد الفيزياء صراحةً للحاجة إلى نهج مدرسي شامل لتجنب الصورة النمطية الكسولة عندما يتعلق الأمر بالفتيات والفيزياء، إذ يمكن أن يكون للتعليقات العابرة تأثير تراكمي كبير في الفتيات عندما يفكرن في مستقبلهن. الجانب المثير للاهتمام أن نسبة خريجات علوم الحاسوب في الولايات المتحدة انخفضت من %33 في أوائل ثمانينات القرن العشرين إلى أقل من %20 حالياً، وهو انخفاض عجَّله إدخال الحاسوب الشخصي، وحملات التسويق التي تستهدف الأولاد بنمط حصري تقريباً.
من الطبيعي أن يتأثر الطلبة بالموضوعات التي يختارها أصدقاؤهم. فقد أظهرت دراسة من سويسرا أنه حتى عندما يبدأ الفتيان والفتيات العام الدراسي بمستويات مماثلة من الاهتمام بالعلوم، فإن هذا يتغير تحت تأثير مجموعة أقرانهم، حيث تبدأ الفتيات في إبداء تفضيل أقل للعلوم. في المدارس أحادية الجنس، يزداد احتمال أن يختار كل من الأولاد والبنات الفيزياء في المستوى A-Level، لكن التأثير يكون أكثر وضوحاً بالنسبة إلى الفتيات. يتجلى تأثير الأقران أيضاً لدى البنين مع موضوعات مثل اللغة الإنجليزية واللغات وعلم النفس التي يمكن اعتبارها “موضوعات للبنات”.
يوجد ترابط بين القضايا المذكورة أعلاه، لكنني أعتقد أنها تزداد سوءاً بسبب مناهجنا الدراسية. فعلى نحو غير اعتيادي، نطلب في البلدان ذات الدخل المرتفع من أبنائنا في سن 16 عاماً التخصص في ثلاث مواد، في حين أنه في معظم البلدان، يأخذ الطلبة خمس مواد على الأقل وغالباً أكثر إلى حين ترك المدرسة الثانوية. يتمثل أحد تأثيرات اختيار ثلاثة موضوعات في المستوى A-Level في أن أي شخص يفكر في العلم كمهنة يضطر إلى اختيار اثنين من ثلاثة من بين الكيمياء والبيولوجيا والفيزياء، نظراً إلى أن رياضيات المستوى A-Level مهمة لكل العلوم. التأثير الثاني هو أنه نظراً إلى أن أداء الفتيات أفضل في معظم المجالات في المستوى GCSE، فإن لديهن مزيداً من الخيارات في المستوى A-Level.
تتعامل الفيزياء والرياضيات والهندسة وعلوم الحاسوب مع موضوعات تتراوح من طبيعة الوجود ذاتها إلى ابتكار تقنية جديدة يمكنها تغيير حياتنا ومعالجة أبرز مشكلات المجتمع. إنها تتيح فرصة التقدم لوظائف متنوعة ومثيرة للاهتمام وذات رواتب جيدة.
هناك حلول (وتخصص النساء في الفيزياء أعلى بكثير في بعض البلدان الأخرى)، لكنها تتضمن معالجة الاختلافات في الكيفية التي نتعامل وفقَها مع الأولاد والبنات منذ لحظة ولادتهم والتفكير مرة أخرى في مسألة أننا نطلب مبكراً إلى الشباب أن يتخصصوا في دراستهم.


البروفيسورة كريستينا بيْغل Prof. Christina Pagel
كريستينا عالمة رياضيات وأستاذة أبحاث العمليات Operational research من جامعة يونيفرسيتي كوليدج لندن University College London

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى