أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تعليق

ريف المملكة المتحدة في محنة… ويجدُر بنا بذل مزيد من الجهد لإخراجه منها

تتعرض الغابات والأراضي الرطبة ومرُوج الأزهار البرية في بريطانيا للتهديد. لكن الوعي بذلك ليس كافياً وحده لإنقاذها

الريف الذي يمثل موطناً لشخص مثلي يعيش في منطقة شبه صناعية غارقة في مياه الأمطار في شمال إنجلترا، يحيي في ذهني صور التلال الخضراء المتموجة التي ترعى فيها الأغنام والسياجات التي تفصل بين أراضيها ومتاهة من السلاسل المبنية بحجارة مرصوصة رؤيتها تبهج العين.

إنه مشهد مثالي، لكن حقيقة الأمر ليست كذلك. فعلى الرغم من مظهره الخلاب، تهدد النظامَ الإيكولوجي لريف المملكة المتحدة مشكلاتٌ جسيمة. فالمساحات الطبيعية والحياة البرية التي تعتمد عليها، آخذة في الانحسار وفقاً لتقرير حالة الطبيعة State of Nature report الأخير، وهو مراجعة شاملة للحياة النباتية والحيوانية في جميع أنحاء المملكة المتحدة وُضعت بفضل التعاون بين منظمات بيئية غير حكومية ومؤسسات أكاديمية وهيئات حكومية.

في الواقع، لدينا ما يقرب من 1500 نوع فطري Native species مهددة حالياً بالانقراض. إضافة إلى ذلك فإن 11% فقط من أراضي المملكة المتحدة تقع ضِمن مناطق محمية، وبعضُها لا يُدار على نحو مناسب للحياة البرية.

التزمت الحكومة بهدف عالمي لتحسين هذه النسبة، وحددت هدفاً لحماية 30% من الأراضي للطبيعة بحلول العام 2030؛ وهو ما سُمي بمبادرة ’30×30‘. لكن من المؤسف أن الطبيعة لا تستجيب للأهداف وحدها.

بكل بساطة، عديد من المناطق المحمية في المملكة المتحدة لا تلبي المعايير البيئية المطلوبة، وفق ما ورد في تقرير المناطق المحمية وتعافي الطبيعة Protected Areas and Nature Recovery report الذي نشرتْه الجمعية الإيكولوجية البريطانية في العام 2022. إذ يستمر التلوث وانتشار الأنواع غير المحلية والممارسات الزراعية غير المستدامة في في الوقوف وراء خسارة التنوع البيولوجي داخل حدود هذه المحميات. وتشمل هذه استخدام كميات كبيرة من المبيدات الحشرية، وانتشار الزراعات أحادية النوع Monocultures، والرعي الجائر، وهذا لا يترك سوى مساحات برية محدودة.

”إن مجرد رسم حدود حول المناطق الطبيعية الخلابة لا يكفي“

والأهم من ذلك، ذكر التقرير أن المناطق ينبغي ألا تُدرَج ضمن هدف 30% إلا إذا ظهرت علامات على تعافي الأنواع البرية فيها على المدى الطويل. إن مجرد رسم حدود حول المناطق الطبيعية الخلابة لا يكفي، بل هناك حاجة إلى بذل جهود متضافرة لرصد قيمتها الإيكولوجية وفهمها.

هذا يتطلب المال والموارد. أخبرني البروفيسور ريتشارد غريغوري Richard Gregory، رئيس قسم علوم الحفاظ على الطبيعة في الجمعية الملكية لحماية الطيور The Royal Society for the Protection of Birds (اختصاراً: الجمعية RSPB)، بأنه من أجل معالجة العوامل المسبِّبة لتدهور الطبيعة على نحو فعال، فإننا نحتاج إلى ”البلايين، وليس الملايين“. ومن دون استثمار مثل هذه المبالغ، فإن التكلفة المجتمعية المترتبة على ترك البيئة تتدهور سوف تكون أكبر من ذلك.

إذن، ما الذي يمكن فعلُه؟ إن كون الزراعة غير المستدامة أحد أكبر العوامل الدافعة نحو تدهور الطبيعة يضعنا أمام معضلة أساسية: نحن في حاجة إلى الأرض لإنتاج الغذاء، ولكننا نحتاج إليها أيضاً للحفاظ على النباتات التي تنقي هواءنا، والأراضي الخثية Peatlands التي تحبس الكربون المسبب لظاهرة الاحتباس الحراري، والحشرات التي تثري تربتنا وتلقح محاصيلنا. إن المهمة المُناطة بالمزارعين في المملكة المتحدة، في ظل مناخ متغير مع تزايد الطلب على الغذاء، هي مهمة صعبة لا يُحسدون عليها.

ما من خلاف على أن الأساليب الزراعية تحتاج إلى أن تتغيَّر. تعمل شبكة الزراعة المراعية للطبيعة Nature Friendly Farming Network في جميع أنحاء البلاد على توفير مساحة أكبر للحياة البرية. هذه بداية جيدة. لكن بعض العلماء يجادلون بأننا في حاجة إلى اتباع أساليب أكثر طموحاً. يقترح البروفيسور أندرو بالمفورد Andrew Balmford من جامعة كيمبريدج University of Cambridge الذي أمضى 20 عاماً في دراسة كيف يمكن التوفيق بين إنتاج الغذاء والتنوع البيولوجي، إجابة محتملة: إنه مفهوم يُسمى ”الحفاظ على الأراضي“ Land sparing.

ينطوي هذا بنحو أساسي على إعادة تأهيل الموائل Habitats أو إنشائها ضمن المساحات الطبيعية المستخدمة حالياً في الزراعة، مع اعتماد طرق مستدامة لتعزيز إنتاج الغذاء في المناطق التي ما زالت تُزرَع.

لقد كان لما يُسمى بمشروعات ”إعادة الطبيعة البرية“ Rewilding بالفعل بعضُ التأثيرات الكبيرة من خلال إعادة تأهيل أكثر من 600 كم2 (150 ألف فدان) من جبال كيرنغورمز Cairngorms، في المرتفعات الأسكتلندية، لتكون موائل للأنواع البرية التي تعتمد على الغابات. ومنذ العام 2019، أشرف المشروع على زراعة أشجار الصنوبر الأسكتلندية وغيرها من أشجار الغابات المحلية، إضافةً إلى ترميم أراضي الخث والسهول الفيضية لتشجيع العودة إلى حالة إيكولوجية أكثر استدامة.

في منطقة نيب Knepp Estate في غرب ساسكس West Sussex، شهدت جهود إعادة تأهيل الحياة البرية على مدى السنوات العديدة الماضية زيادة كبيرة في أعداد الطيور المهددة بالانقراض، مثل العندليب واليمام وصقور الشاهين والغربان والحدأة الحمراء والباشق ونقار الخشب المرقط الصغير.

إن إعادة التفكير في تخطيط بلداتنا ومدننا لها أيضاً دور حاسم. يقول صندوق الشعب للأنواع المهددة بالانقراض People’s Trust for Endangered Species، إن تدابير بسيطة لجعل الحدائق أكثر مراعاة للقنافذ Hedgehog friendly، مثل ترك فتحات تحت الأسوار لربط الحدائق بشبكة من الموائل، ساعدت على ثبات أعداد الثدييات المحلية في المناطق الحضرية وحتى زيادتها.

وأظهرت دراسة أخرى أجراها باحثون من جامعة بريستول University of Bristol أن حدائق المدينة والمساحات المزروعة فيها يمكن أن توفر موائل مناسبة للحشرات الملقِّحة للأزهار.

ما زال يتعين علينا أن نفعل الكثير. وعندما يتعلق الأمر بريفنا، لا تعني المناظر الجميلة أن التنوع البيولوجي مَصُون. إذا أردنا للطبيعة أن تزدهر، وهو ما نحن في حاجة إليه، يجدر بنا أن نبدأ في النظر إلى ما يجري فيها من كثب.

فيكتوريا غيل Victoria Gill
فيكتوريا هي مراسلة بي بي سي نيوز العلمية الحائزة لجوائز. يمكن متابعةُ تقاريرها عبر التلفزيون والراديو والإنترنت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى