أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم البيئيةالعلوم الطبيعية

ماذا لو… (حــظـــرنـــا الـصــــــيــــــد)

يلحق الصيدُ الضررَ بنظم إيكولوجية بأكملها ويلوث محيطاتنا. فهل سنكون بحال أفضل لو تخلينا عنه؟

النص: هايلي بينيت Hayley Bennett
رسوم: جيسون رايش Jason Raish

يأكل كل واحد منا في المتوسط أكثر من 20 كيلوغراماً من الأسماك سنويّاً. وفي جميع أنحاء العالم، بين عامي 1961 و2016، زاد استهلاك الأسماك بوتيرة أسرع من استهلاك اللحوم، ونما بمعدل ضعفي معدل نمو السكان.
فقد استنفدت جميع هذه المطاعم السمكية مخزون الأسماك البحرية إلى درجة صار معها ثلث مخزون الأسماك العالمي ضحية الصيد الجائر Overfished؛ مما يعني أنه إذا واصلنا الصيد على المستويات نفسها؛ فسوف تتقلص أعداد الأسماك. أما المخزونات الباقية؛ فإنها تستغل لأقصى مستويات الاستغلال التي يمكن معها الحفاظ عليها دون التسبب في انحسار طويل الأجل. وللصيد أيضاً تأثيرات سلبية في الأنواع التي لا تستغل كغذاء في النظام الإيكولوجي، كما يلوث المياه بنفايات ومخلفات الصيد. وقد يساعد حظر الصيد المؤقت على تخفيف بعض أسوأ الآثار، لكن ماذا سيحدث إذا حظرنا الصيد كليّاً؟

سيعاني الملايينُ للحصول على الطعام وكسب الرزق

يكسب 40 مليون شخص في جميع أنحاء العالم رزقهم مباشرة من صيد الأسماك البرية، بينما يعمل 19 مليون شخص آخرين في تربية الأحياء المائية، أي زراعة الأسماك أو الأنواع الأخرى البحرية في ظروف خاضعة للرقابة مثل الحظائر البحرية والأقفاص والبحيرات والبرك. لكن هذه الأرقام قد تُخفي المدى الحقيقي لاعتماد الكوكب على الصيد. وعلى امتداد السواحل ومصبات الأنهار والشعاب المرجانية يعمل الملايين من صغار الصيادين الذين يحصلون على قليل من المدخول من صيد الأسماك، أو يصطادون السمك فقط لتوفير القوت لأسرهم. وبعض الصيادين لا يظهرون في الإحصائيات، ولا يُحتسب ما يصطادونه. ويقول د. ستيفن بورسيل Steven Purcell، عالم البيئة البحرية من جامعة ساذرن كروس Southern Cross University في كوفس هاربور بأستراليا: «تُوزع الكثير من كميات الصيد الصغيرة في الأسواق غير الرسمية، حيث لا تُسجل». وتقترح دراساته أن %71 من أولئك الذين يصطادون قواقع النُهَيدات البحرية Trochus في جزر ساموا يأكلونها بأنفسهم أو يهبونها للأصدقاء والجيران. وتمثل المأكولات البحرية مصدراً رئيسيّاً للبروتين في جنوب شرق آسيا والجزر في المحيطين الهندي والهادئ. لذلك، بينما قد نأكل في أوروبا أو الولايات المتحدة مزيداً من اللحوم أو منتجات الصويا لتعويض البروتين المفقود، فقد يؤدي حظر الصيد إلى ندرة الغذاء في المجتمعات التي لا تعتمد سوى بقدر قليل على زراعة المحاصيل في التربة.
ويمكننا أيضاً أن نتصور نشوء سوق سوداء للأسماك، مثلما توجد حالياً سوق لكافيار بلوغا Beluga caviar في الولايات المتحدة التي يحظر فيها صيد الأسماك التي يُستخرج منها. ويُعتقد أن بيوض سمك الحفش الذي يستخرج منه كافيار بلوغا والمهدد بالانقراض تُنقل بشكل خاص عبر رحلات جوية إلى طهاة مانهاتن. وفي حالة الحظر التام للصيد، سيفكر الناس بشكل أقل في الكافيار، وسيزيد الطلب على التونة المعلبة من المواقع الإلكترونية المثيرة للشبهة.

قد يزداد إنتاج مزارع الأحياء البحرية لتلبية الطلب

ينتج الاستزراع المائي بالفعل ما يقرب من نصف المأكولات البحرية التي نستهلكها (أو أكثر، إذا أضفت الأعشاب البحرية)، وسيتعين علينا زيادة ذلك إذا أردنا تجنب تدمير مخزون الأسماك البرية. وإذا حُظر صيد الأسماك؛ فقد يكون الاستزراعُ المائيُّ المصدرَ الوحيدَ للمأكولات البحرية؛ ما يعني أننا في البداية سنأكل الكثير من سمك السلمون الأطلسي، وهو إلى حد بعيد أكثر الأسماك المستزرعة في جميع أنحاء أوروبا. وتقول د. صوفيا فرانكو Sofia Franco من الجمعية الأسكتلندية لعلوم البحار Scottish Association for Marine Science أن: «مصايد الأسماك [البرية] تتيح لك مجموعة متنوعة من المنتجات التي ربما يستغرق الاستزراع المائي عدة سنوات لإنتاجها». لكنها تأمل بأن ترى مجموعة واسعة من المأكولات البحرية المستزرعة في قوائم الطعام في المستقبل، مع تطور الخبرة في استزراع الأنواع المختلفة ومختلف أنظمة الزراعة. وحتى الوقت الحالي كان الإنتاج إلى حد كبير يأتي من مَزارِع مفتوحة على البحر أو الأنهار أو البحيرات. وصار يمكن للأنظمة الأرضية الحديثة، مثل الأحواض ذات المياه المعاد تدويرها، أن تقلل من التلوث والأضرار بالبيئات المائية مقارنة بالنظم القديمة.
لكن هل يمكنك توفير الأسماك على موائد العشاء في العالم من دون استخدام قطرة من مياه البحار الفعلية؟ تشير د. ريبيكا جنتري Rebecca Gentry، العالمة البحرية في جامعة ولاية فلوريدا Florida State University، إلى أننا لن نحتاج إلى ذلك. ومن الناحية النظرية، قد ينتج الاستزراعُ المائيُّ في البحر ما يعادل كمية الصيد في العالم في أقل من %1 من مساحة سطح المحيطات، وفقاً لما جاء في بحثها لعام 2017. وتقول: «إنها تجربة تستحق التفكير. … إذا أغلقنا جميع المصائد البرية، فكروا في هذه المساحة الضخمة من سطح المحيطات التي لم يعد لنا تأثير فيها». مع ذلك، فهي لا ترغب في أن ترسم «صورة مشرقة جداً» لتربية الأحياء المائية، مشيرة إلى أن أي إنتاج غذائي واسع النطاق يغيِّر البيئة بشكل أساسي.

ستتعافى المخزونات، لكن لن تتعافى جميعها

يُستخدم الحظر المؤقت على صيد أنواع معينة بالفعل في جميع أنحاء العالم للحفاظ على مخزونات الأسماك وحماية البيئة. ويدوم الحظر أحياناً بضعة أسابيع أو بضعة أشهر كل سنة. وعمليات الحظر الموسمية هذه معدة لحماية الأسماك خلال مواسم تكاثرها، على سبيل المثال، أو لحماية قاع البحر من التلف، كما هي الحال مع عمليات حظر صيد الربيان بالكرافات Trawling. ويدوم الحظر في بعض الحالات معظم السنة، أو لفترة أطول، كما هو الوضع في الوقت الحالي مع حظر صيد الأسماك في القطب الشمالي، والذي قد يستمر 16 عاماً. ومن شأن الحظر الشامل على الصيد العالمي أن يزيد من مخزونات الأسماك، وأن يساعد على إعادة التوازن للأنظمة الإيكولوجية المضطربة. وخفض الكميات المستهلكة من أطباق الكركند بصلصة الثرميدور على سبيل المثال، قد يساعد على الحفاظ على صحة غابات الأعشاب البحرية، حيث تفترس القشرياتُ قنافذَ البحرِ التي تدمر طحالبَ الكِلب Kelp، وهو نوع من الأعشاب البحرية.
ومع ذلك، لا توجد ضمانات بأن محيطاتنا ستستعيد عافيتها تماماً. ويقول بورسيل إن بعض الأنواع تأثرت إلى حد كبير بالصيد الجائر ومن المحتمل ألّا تتعافى على الإطلاق. وفي بابوا غينيا الجديدة جُمعت كميات كبيرة جداً من خيار البحر الصالح للأكل الذي يدرسه بورسيل – ويحظى بإقبال كبير كطبق آسيوي – لدرجة أن أعدادها انخفضت إلى %1 من مستوياتها ما قبل الصيد. ويقول بورسيل: «بمجرد انخفاضها إلى أقل من حيوان في الهكتار الواحد، من الصعب جدّاً على هذه الأحياء العثور على شريك لها، لا سيما بالنسبة إلى هذه الأنواع التي لا تتحرك بسرعة كبيرة». ويضيف «عليها أن تزحف إلى قاع البحر للعثور على شركاء لهاً». وفي هذه الأثناء، إلى الشمال من أستراليا، تراجعت أعداد بعض مجموعات المحار التي يُقِبل الصيادون الإندونيسيون على صيدها إلى الحد الذي تراجعت معه إلى حد كبير قدرتها على التكاثر وصارت إعادة إكثار مجموعاتها تبدو مستحيلة.

ستنعم الشعاب المرجانية ببعض الراحة

يؤثر الصيد في النظام الإيكولوجي بأكمله، ومن ثمَّ، كان للصيد في الحيود المرجانية تأثير كبير في بعض النظم الإيكولوجية البحرية الأكثر ضعفاً، مثل الشعاب المرجانية. وحظر الصيد لن يخفف فحسب الضغط عن 4000 نوع من الأسماك التي تعيش حول الشعاب المرجانية، وإنما أيضاً على الشعاب المرجانية نفسها.
لا يتضح دائماً، وعلى الفور، كيف يؤثر صيد الأسماك في الشعاب المرجانية، لكن بورسيل يقدم مثالاً واحداً. فنجم البحر المكلل بالشوك Crown-of-thorns starfish هو آفة على الشعاب المرجانية؛ لأنه يأكل الجزء الحي منها وهي السلائل Polyps. وعندما لا تُخفف أعداد نجم البحر لعدم وجود حيوانات تتغذى بها، فإن الكثير من السلائل سوف تقع فريسة لهذه المخلوقات الشائكة. والحيوانات المائية التي تفترس نجم البحر هي أسماك الإمبراطور Emperor fish التي تُصاد من أجل الغذاء، وقواقع تريتون Triton snails التي تُقتنى أصدافها. ويقول بورسيل: «لا أعتقد أن [صيد الأسماك] هو السبب الوحيد الذي يجعل نجم البحر المكلل بالشوك ينتشر على نطاق واسع. … لكنها واحدة من المشكلات، وللصيد دور في إزالة الحيوانات التي تفترس نجم البحر هذا».
وفي الوقت نفسه، يستمر تغير المناخ وارتفاع درجات حرارة البحر بالضغط على الشعاب المرجانية والتسبب بابيضاضها، وعندها قد تغزوها الطحالب وتطغى عليها. وقد يساعد حظر الصيد على زيادة أعداد الأسماك اللازمة لتنظيف هذه القذارة الخانقة. وقد يضمن تنظيف الشعاب المرجانية أيضاً بقاءها وجهاتٍ سياحية لسنوات قادمة؛ مما يوفر للمجتمعات المحلية دخلاً ثميناً، خاصةً إذا لم يعد الصيد خياراً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى