هل يمكن أن يُنقذنا الذكاء الاصطناعي من الانقراض؟
ساعدنا التقدم العلمي على إنشاء عالمنا الحالي. لكن ما الذي يخبئه المستقبل، بالنظر إلى إمكانات الذكاء الاصطناعي؟
مارتن هو الفلكي الملكي والمؤسس المشارك لمركز دراسة المخاطر الوجودية. أحدث كتاب له بعنوان إذا كان للعلم أن ينقذنا If Science Is To Save Us (منشورات: Polity)
العلماء متنبئون فاشلون بالمستقبل. ولكن يمكن بثقة التنبؤ باتجاهين. أولاً، أن العالم سيصير أكثر ازدحاماً. بحلول العام 2050، سيفوق عددنا 9 بلايين شخص. تغذيتهم جميعاً تتطلب محاصيل معدلة جينياً، وأطعمة مصنوعة من الحشرات واللحوم الاصطناعية. ثانياً، سيصير العالم أكثر دفئاً ولن يعطي السياسيون الأولوية للتدابير طويلة المدى اللازمة للتعامل مع تغير المناخ ما لم يُحدث الناخبون صخباً، على الرغم من أن العلم يقدم لنا خريطة طريق لمستقبل منخفض الكربون (على الدول المتقدمة تقنياً توسيع نطاق البحث والتطوير في جميع أشكال توليد الطاقة منخفضة الكربون وتخزينها وتوزيعها؛ ومن ثمّ يمكن أن يصل الشمال المزدهر إلى صافي الصفر الكربوني، ويمكن لجنوب العالم الفقير أن يقفز مباشرة إلى استخدام الطاقة النظيفة).
لهذا السبب يجب أن نروج للتكنولوجيا الجديدة، فمن دونها لا يمكن للعالم توفير الغذاء والطاقة المستدامة اللازمين مع تزايد عدد السكان. لكن يجدر بنا أيضاً أن نكون حذرين فقد يكون من الصعب التحكم في التقنيات الجديدة، مثل الذكاء الاصطناعي.
سيصير الذكاء الاصطناعي بلا شك أكثر تدخلاً وانتشاراً في المستقبل. فستخزَّن سجلات تحركاتنا وصحتنا ومعاملاتنا المالية في سحابة تديرها شركات شبه احتكارية متعددة الجنسيات. قد تُستخدم البيانات لأسباب حميدة، مثل الأبحاث الطبية، أو لتحذيرنا من المخاطر الصحية الأولية، لكن تزويد شركات الإنترنت بهذه المعلومات يعمل بالفعل على تحويل ميزان القوى من الحكومات إلى التكتلات العالمية.
من الواضح أن الآلات ستستحوذ على كثير من قطاعي التصنيع والتجزئة. يمكنها أن ترفد، إن لم تحل محل، العديد من الوظائف المكتبية مثل المحاسبة، والبرمجة الحاسوبية، والتشخيص الطبي وحتى الجراحة. في المقابل تتطلب بعض الوظائف الماهرة في قطاع الخدمات مثل السباكة والبستنة، تفاعلاتٍ غير روتينية مع الناس، وستكون من بين أصعب الوظائف التي يمكن للآلات المؤتمتة أن تؤديها.
تولد الثورة الرقمية بالفعل ثروة هائلة للمبتكرين والشركات العالمية، لكن الحفاظ على مجتمع سليم يتطلب إعادة توزيع تلك الثروة. في الواقع، من أجل خلق مجتمع إنساني، ستحتاج الحكومات إلى تعزيز عدد أولئك الذين يعتنون بالمسنِّين والشباب والمرضى ومكانتهم الاجتماعية. يوجد حالياً عدد قليل جداً من مثل مقدمي الرعاية هؤلاء، وهم يتقاضون رواتب منخفضة، ويحظون بتقدير غير كافٍ وليس لديهم أمان وظيفي. كما أن عملهم يحقق كثيراً من الرضا أكثر من العمل في مراكز الاتصال أو مستودعات أمازون التي يمكن للذكاء الاصطناعي الاستحواذ عليها.
ومع ذلك فإن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه أن يحل فقط محل البشر؛ بل يمكن أن يساعد أيضاً. يتأقلم الذكاء الاصطناعي بالفعل على نحو أفضل من البشر مع الشبكات الغنية بالبيانات وسريعة التغير. إنه قادر على تزويد الصينيين باقتصاد مبني على تخطيط عالي الكفاءة، اقتصاد لا يمكن إلا لمفكر مثل ماركس أن يحلم به. ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد العلم أيضاً، في مجالات مثل طي البروتين وتطوير الأدوية. لكن خارج الأرض يمتلك الذكاء الاصطناعي أروع الإمكانات. في الواقع لقد جادلتُ بأن دافعي الضرائب يجب أن يعزفوا عن تمويل برامج إرسال البشر في رحلات فضائية (وهو أغلى بكثير من إرسال الروبوتات). إن الحجة العملية لتفضيل إرسال بشر ضئيلة، ويمكن أن ندع ذلك لإيلون ماسك Elon Musk وجيف بيزوس Jeff Bezos. بواسطتهما ومع مختلف وكالات الفضاء الوطنية، قد يبني البشر قواعد خارج الأرض بحلول العام 2100. لكن ليس علينا أن نتوقع مطلقاً حدوث هجرة جماعية من الأرض. إنه وهم خطير أن نعتقد أن الفضاء يوفر ملاذاً للهروب من مشكلاتنا. التعامل مع تغير المناخ على الأرض أمر سهل جداً مقارنة باستصلاح المريخ.
ومع ذلك يجب أن نحيي هؤلاء المغامرين في الفضاء من البشر الشجعان. وإليك السبب…
سيكونون غير مهيئين للتكيف مع موئل المريخ، لذلك سيكون لديهم دافع مقنع لإعادة تصميم أنفسهم. فهؤلاء هم، وليس أولئك منا الذين تكيفوا مع الحياة على الأرض، مَن سيقودون عصر ما بعد الإنسان.
إذا قام ما بعد البشر بالانتقال من اللحم والدم إلى الذكاء الاصطناعي بالكامل (أو بالأحرى غير العضوي)، فلن يحتاجوا إلى غلاف جوي أو حتى إلى جاذبية، لذا ففي الفضاء السحيق – ليس على الأرض، أو حتى على المريخ – يمكن أن تطور ”الأدمغة“ غير البيولوجية قدرات لا يمكننا تخيلها. قد ينتهي بهم الأمر إلى أن يكونوا مختلفين، عقلياً، عنا بقدر ما نختلف نحن عن عفن الوحل. لذلك حتى لو نشأت الحياة الذكية على الأرض فقط، فلا داعي لها للبقاء هنا: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحفز الشتات حيث ينتشر الذكاء الأكثر تعقيداً عبر المجرة.
لكن دعونا نترك الخيال العلمي للمستقبل البعيد، ونعيد التركيز على ما هو أقرب، هنا في الحاضر. هذا القرن مميز. إنه الأول في تاريخ الأرض البالغ 4.5 بليون سنة الذي يحمل فيه نوع واحد – هو نوعنا – مستقبل الكوكب بين كفيه. يمكن لذكائنا أن يدشن بلايين السنين من تطور ما بعد الإنسان، حتى أكثر روعة من ذلك الذي أدى إلى نشوئنا. من ناحية أخرى يمكن للبشر أن يسببوا كوارث بيولوجية أو بيئية أو إلكترونية تحبط كل هذه الاحتمالات.
إذا أريد للعلم أن ينقذنا من المشكلات التي أوجدناها، فنحن في حاجة إلى التفكير على نحو شامل وعقلاني وطويل المدى – صحيح أن العلم يدعمنا، ولكن ينبغي أن نسترشد بقيم لا يستطيع العلم وحده توفيرها.