أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
مراجعة

أبحاث الأجنة: لماذا يريد العلماء أكثر من 14 يوماً لدراسة النمو المبكر للجنين

حظي اقتراح تمديد الحد الأقصى المسموح به لأبحاث الأجنة لأكثر من 14 يوماً بالترحيب. ولكنّ هناك مسائلَ أخلاقية يجدر بنا أخذُها بعين الاعتبار

أيد الجمهور البريطاني على نطاق واسع اقتراحاً مثيراً للجدل في استطلاع أجرته أخيراً مبادرةُ علم الأحياء التطوري البشري Human Developmental Biology Initiative وبرنامج ساينسوايز Sciencewise الذي تُموله هيئة البحث والابتكار Research and Innovation في المملكة المتحدة. فقد أعرب معظم المشاركين السبعين في الاستطلاع عن تأييدهم تمديد الفترة المحددة للبحث على الأجنة البشرية لأكثر من 14 يوماً.

وفي حال نجح التعديل القانوني، فسيتمكن الباحثون من تنمية أجنة بشرية مستنبتة ودراستها فترات أطول. لكن هذا الموضوع يثير على الدوام محاذير أخلاقية فيما يجادل أولئك الذين يؤيدون التمديد بأنه سيتيح للباحثين اكتسابَ معارف جديدة تماماً حول نمو البشر، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تحسينات كبيرة في الخصوبة والصحة.

ما قاعدة الـ 14 يوماً؟
في قانون المملكة المتحدة، من المخالف للقانون إجراءُ أبحاث على الأجنة البشرية المزروعة في المختبر بعد مرور 14 يوماً من بَدء نموها. ويشمل ذلك أجنة التلقيح الاصطناعي IVF ”الاحتياطية“ Spare التي تبرع بها أصحابها لأغراض البحث والأجنة التي أُنشئت باستخدام حيوانات منوية وبويضات تبرع بها أصحابها.

تعتمد بلدان أخرى قوانينَ مماثلة مثل الولايات المتحدة واليابان والصين وهولندا. ولكن في حين أن بعضها ملزم قانوناً، فإن بعضها الآخر مجرد مبادئ توجيهية. هناك دول، مثل ألمانيا وروسيا، لا تسمح حالياً بإجراء أي أبحاث على الأجنة البشرية على الإطلاق.

لماذا حُدِّدت الفترة القصوى على أساس 14 يوماً؟
في عمر 14 يوماً، يكون الجنين عبارة عن بنية صغيرة وبسيطة، مكونة من طبقتين من الخلايا؛ من دون رأس أو قلب أو دماغ أو حبل شوكي، ولا أعضاء يمكن التعرف عليها من أي نوع. يتكون الجنين حينها من خلايا جذعية لديها القدرة على أن تتخصص إلى خلايا وظيفية، مثل الخلايا العصبية والخلايا العضلية، لكن هذا لم يحدث بعد.

على نحو لا لبس فيه، لا يستطيع الجنين التفكير أو الشعور بالألم أو تجربة الوعي. ولذلك ساعدت فترة الـ 14 يوماً على تهدئة مخاوف البعض الأخلاقية بشأن التجارب على الأجنة البشرية. يقول البروفيسور روبن لوفل-بادج Robin Lovell-Badge، رئيس مختبر بيولوجيا الخلايا الجذعية وعلم الجينات التطوري Stem Cell Biology and Developmental Genetics Laboratory من معهد فرانسيس كريك Francis Crick Institute في لندن: ”لم تحدد هذه المهلة بناء على أسس منطقية لكنها مكَّنت بعض الأبحاث من المضي قُدماً في مواجهة المعارضة القوية في ذلك الوقت“. 

عندما أُقِرّ القانون الحالي في المملكة المتحدة في العام 1990، كان الباحثون قد بدؤوا من فورهم في تعلُّم كيف تُزرع الأجنة البشرية. وكان في إمكانهم إنماؤها مدةً تصل إلى أسبوع، ولكن بعد ذلك فشلت جميع الأجنة. بدت فكرة الوصول إلى 14 يوماً غير قابلة للتحقيق، لذلك كان تحديد تلك المهلة بمنزلة رهان آمن.

ما الذي تغير؟ لماذا يريد بعض الباحثين تعديلَ القانون حالياً؟
في العام 2016، تمكن علماء من المملكة المتحدة والولايات المتحدة من تنمية أجنة بشرية في المختبر مدة 13 يوماً بعد الإخصاب. وكانت هذه أطولَ فترة زمنية سُجلت على الإطلاق، وربما كان من الممكن أن تنمو الأجنة فترة أطول، لكن الباحثين التزموا بالقانون وأوقفوا تجاربهم. ولكن تبين أن الحد الأقصى الذي لم يكن من الممكن تحقيقه سابقاً وهو 14 يوماً في متناول اليد.

ثم في وقت سابق من هذا العام، أعلن علماء من جامعة كيمبريدج أنهم صنعوا أول ”أجنة اصطناعية“ Synthetic embryos (أو ”نماذج جنينية“ Embryo models)، وهي هياكل تشبه الأجنة مصنوعة من الخلايا الجذعية. إنها ليست أجنة – فهي لا تحتاج إلى حيوان منوي وبويضة، ومن ثم لا تحتاج إلى إخصاب – ولكنها تُشبهها إلى حد كبير. ويستخدمها العلماء حالياً لتحسين معارفهم عن النمو البشري والخصوبة والصحة والمرض.

”العلماء حريصون على معرفة مزيد عمّا يسمى ’الصندوق الأسود‘ Black box لنمو الجنين: وهي الفترة الزمنية التي تتراوح بين أسبوعين وخمسة أسابيع بعد الإخصاب“

ما الذي يريد الباحثون أن يغطيه الحدُّ الجديد؟
يحرص العلماء على معرفة مزيد عما يُسمى ”الصندوق الأسود“ Black box لنمو الجنين: وهي الفترة الزمنية التي تتراوح بين أسبوعين وخمسة أسابيع بعد الإخصاب. في هذه المرحلة يصير الجنين بنية متعددة الطبقات تحتوي على خلايا متخصصة. ويكتسب شكلاً تقريبياً للجسم من كتلتين علوية وسفلية وأمامية وخلفية وجانبين: يسار ويمين. تبدأ الأعضاء الأولية، مثل القلب والكُلى والأمعاء، في التشكُّل.

ومع ذلك لا يعرف الباحثون سوى القليل عن هذه العملية، المعروفة باسم تكوُّن المُعَيْدَة (الجاسترولة) Gastrulation، لأنهم لم يتمكنوا قط من العمل على أجنة بشرية بلغت مرحلة ”الصندوق الأسود“.

صار العلماء حالياً قادرين على تكوين ”أجنة اصطناعية“، مما قد يقلل من التجارب على الأجنة البشرية المزروعة

هل يريد جميع العلماء التمديد؟
يقول لوفل-بادج الذي يرأس أيضاً فريق عمل الجمعية الدولية لتحديث المبادئ التوجيهية لأبحاث الخلايا الجذعية International Society for Stem Cell Research Guidelines Update Task Force ويعمل بنحو وثيق مع العلماء في هذا المجال: ”في هذا المجال، أعتقد أن غالبية العلماء يرغبون في تمديد قانون الـ 14 يوماً“. ومع ذلك، فإن الباحثين الذين يعارضون التمديد، يشعرون بالقلق على نحو رئيس من أن الاقتراح يمكن أن يأتي بنتائج عكسية، ويؤدي إلى فرض قيود من شأنها أن تجعل أبحاث الأجنة أكثر صعوبة، بدلاً من تيسيرها. وهذا من شأنه أن يهدد الدراسات المستقبلية حول نمو الجنين البشري لما بعد فترة الـ 14 يوماً التي درسوها جيداً.

ثم هناك مجموعات أخرى خارج الأوساط الأكاديمية، مثل منظمة الحق في الحياة في المملكة المتحدة Right To Life UK التي تعارض أي تجارب على الأجنة البشرية.

ماذا يمكن أن يتعلم العلماء من هذه الأبحاث؟
السنسنة المشقوقة Spina bifida هو عيب خِلقي يحدث عندما يبدأ الأنبوب العصبي Neural tube في النمو، لكن لا يكتمل تكوينه بنمط صحيح. منشؤها يكمن في مكان ما في ”الصندوق الأسود“. إذا تمكن العلماء من دراسة هذا الحدث في الأجنة البشرية المزروعة، فقد يتمكنون من ابتكار طرق جديدة للوقاية من هذه الحالة أو علاجها.

الأمر نفسه ينطبق على عدد من التشوهات الخِلقية. نعلم أن تناول حمض الفوليك في أثناء الحمل يقلل من خطر إصابة الجنين بالسنسنة المشقوقة.

ومن الممكن أن تكون هناك مكملات غذائية أخرى تقلل من خطر الإصابة بالاضطرابات الخلقية في القلب والأعضاء الأخرى. إن تمديد حد الـ 14 يوماً سيساعد العلماء على حل هذه المشكلة.

ويمكن أن يساعد تمديد الفترة أيضاً أولئك الذين يعانون مشكلاتِ الخصوبة. معدل نجاح التلقيح الاصطناعي هو واحد فقط من كل ثلاثة، مع فشل عديد من الأجنة في وقت قريب من تكوين المُعَيْدة، وتحدث عديد من حالات الإجهاض في هذا الوقت أيضاً. إن دراسة عملية تكوُّن المُعَيْدة بنحو مباشر يمكن أن تعزز فهمنا لسبب حدوث خطأ في العملية. والإمكانية الأخرى هي تحسين تقنيات الخصوبة، مثل التبرع بالميتوكوندريا Mitochondrial donation (وهي البنى المولدة للطاقة في الخلية، يمكن استخدام الميتوكوندريا السليمة لتصحيح النسخ المَعيبة في البويضات أو الأجنة المبكرة).

يعرف العلماء أن الأجنة الاصطناعية تشبه الأجنة البشرية العادية، ولكن نظراً إلى أن أحداً لم يتمكن من دراسة ”الصندوق الأسود“ للنمو الجنيني الطبيعي، من المستحيل تحديد ما إذا كانت الأجنة الاصطناعية تقلد هذا الجزء على النحو السليم أو لا. إذا كانت تفعل ذلك، فقد ينتهي الأمر بالعلماء إلى استخدام عدد أقل من الأجنة البشرية الطبيعية.

د. هيلين بيلتشر Helen Pilcher
هيلين كاتبة علمية حاصلة على درجة الدكتوراه في بيولوجيا الخلية. أحدث كتاب لها هو كيف تحافظ الطبيعة على الزمن How Nature Keeps Time (منشورات: Bloomsbury)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى