أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تحليل

أمواج عملاقة قادرة على إغراق السفن… والعلماء لا يعرفون من أين تأتي

هناك دعوات إلى مزيد من الرصد والمتابعة للمساعدة على بناء نمذجات تتنبأ بهذه الأمواج القاتلة

على مدى مئات السنين تحدَّث البحارة عن أمواج عملاقة غير طبيعية أو غريبة تظهر فجأة وتهدد بإغراق سفنهم. ولكن تعيَّن الانتظار حتى يوم رأس السنة الجديدة 1995 وتصوير إحداها وقد بلغ ارتفاعها 26 متراً (85 قدماً) من فوق منصة غاز في بحر الشمال، ليبدأ العلماء في أخذ مثل هذه التقارير على محمل الجد.

أُلقِي باللوم على هذا الهيجان القوي المباغت في عديد من الحوادث التي وقعت في البحر. في العام 2018، وجه ثمانية من أفراد الطاقم نداء استغاثة وتعين إنقاذُهم بعد أن أغرقت الأمواج قارب صيدهم قبالة ساحل هاواي. وأخيراً اصطدمت موجة عملاقة بسفينة سياحية في المحيط المتجمد الجنوبي، وتسببت في تحطيم النوافذ، ووفاة أحد الركاب، وإصابة عديد منهم بجروح. ومع ذلك ما زال من غير الواضح مدى شيوع الأمواج العملاقة التي تُسمى كذلك ”أمواجاً مارقة“ Rogue waves.

سجلت إحدى الدراسات المستندة إلى تقارير إعلامية 210 أمواج مماثلة فقط في معظم أنحاء العالم بين العامين 2011 و2018، ولكن يُعتقَد أن العدد الحقيقي أعلى من ذلك بكثير.

ومن الجدير بالذكر أن الأمواج المارقة تختلف عن أمواج التسونامي. أمواج التسونامي هي أمواج كبيرة (أو سلسلة من الأمواج) تصطدم بالساحل عادة بعد وقوع زلزال أو ثوَران بركاني تحت الماء. وفي حين أن الأمواج الناجمة عن التسونامي يمكن أن تكون مرتفعة، إلا أنها طويلة في مقطعها الجانبي Profile أيضاً. على النقيض من ذلك تكون الأمواج المارقة أكثر انحداراً ولا تنكسر على الشواطئ فقط؛ بل يمكن أن تنكسر في قلب المحيط. ومن ناحية تركيبتها تُعرَّف على أنها أكثر ارتفاعاً بمرتين على الأقل من الأمواج المحيطة بها، على الرغم من أن هذا التعريف يمكن أن يكون مضلِّلاً، وفقاً للباحثة من جامعة جنوب فلوريدا University of South Florida لورا أزيفيدو Laura Azevedo.

تقول: ”هذا يطرح مشكلة لأنه يمكن أن تكون لدينا موجة مارقة يبلغ ارتفاعها متراً واحداً (3 أقدام) ولن تفعل أي شيء ولن تؤذي أحداً“. وتفضل أزيفيدو اعتماد عتبة الأربعة أمتار (13 قدماً)، وتقول إنه الارتفاع الذي تتحول ابتداء منه الموجةُ إلى موجة خطيرة. ولكن ما يؤدي بالضبط إلى تشكيل هذه الأمواج الغريبة هو أمر مطروح للنقاش. ما هو معروف أنه لا علاقة لها بالحركة في قاع البحر. ويُعتقَد أن هناك عدة عوامل أخرى تؤدي إلى نشوئها.

يحاول فريق من جامعة أكسفورد University of Oxford، بقيادة المهندس د. تياننينغ تانغ Tianning Tang، فَهْم الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة من خلال الجمع بين النمذجة الحاسوبية والتجارب المختبرية في خزانات كبيرة تستخدم المجاذيف لتوليد الأمواج.

وعلى وجه الخصوص استكشف الفريق تأثير التغيرات المفاجئة في العُمق. يقول تانغ: ”هذه مشكلة مهمة جداً حول الجروف القارية Continental shelves، مثلاً، حيث تنشأ الأمواج من أعماق المحيط وتنتشر إلى المناطق الساحلية“. كما يؤثر ذلك في الأساسات المثبتة لتركيب توربينات الرياح البحرية عليها.

”على الرغم من أن تغيرات العمق تُولِّد أمواجاً أكبر، يتلاشى هذا التأثير نظراً إلى أن الأمواج تتفرق بدلاً من أن تذهب جميعُها في الاتجاه نفسه“

تُظهر النتائج أنه، على الرغم من أن تغيرات العمق تولِّد أمواجاً أكبر، يتلاشى هذا التأثير نظراً إلى أن الأمواج تتفرق وتنتشر بدلاً من أن تذهب جميعُها في الاتجاه نفسه. ووفقاً لتانغ فإن هذا يعني أن الانخفاضات الحادة في عمق المحيطات أقل إثارة للقلق منها في المختبر، لأن الأمواج الحقيقية تميل إلى الانتشار.

ويتسق هذا الاستنتاج مع ما توصلت إليه أزيفيدو من خلال دراستها أمواجَ المحيط في خليج تامبا Tampa Bay بولاية فلوريدا. وبفضل عوامة المراقبة Monitoring buoy، تمكنت من الحصول على بيانات عالية الجودة على مدى أربع سنوات عن ارتفاعات الأمواج عند مدخل الخليج، وميَّزت 7593 موجة (أكثر من %10 من المجموع) تفي بالتعريف المعياري للأمواج المارقة. ومن بينها، كان هناك 372 موجة يزيد ارتفاعها على 4 أمتار (13 قدماً).

وتقول أزيفيدو بأنها لم تتمكن ”من العثور على سبب محدد واحد“ لحدوثها، ولكنها كانت أكثر شيوعاً عندما تحركت الأمواج في اتجاه واحد بدلاً من أن تتفرق وتنتشر. تقول: ”إنه أمر مفهوم. عندما تجتمع كل طاقة البحر لتوليد تلك الموجة الواحدة، فسنحصل على موجة كبيرة“.

ويسلط عملها الضوءَ أيضاً على أن أخطر الأمواج تأتي من الغرب في خليج تامبا، المحمي باليابسة من الشرق، وفي كثير من الأحيان عندما تكون الظروف عاصفة أو هائجة. ومع ذلك فإن مسببات الأمواج المارقة لا يمكن تعميمها، لذا فإن نتائج أزيفيدو قد تكون ذاتَ صلة فقط بالخلجان المماثلة لخليج تامبا.

كل هذا يجعل من الصعب التنبؤَ بتوقيت حدوث الأمواج العملاقة في الوقت الحالي. ومع تحسن فهم الظاهرة، يمكن للعلماء استخدام تقنيات النمذجة للحصول على تنبؤات أكثر دقة على المدى الطويل. قد يسمح هذا، مثلاً، لشركات توربينات الرياح البحرية بمعرفة عدد الأمواج التي يزيد ارتفاعها على 4 أمتار (13 قدماً) ويمكن أن يتوقع أن تضرب توربيناتها خلال العشرين عاماً المقبلة.

ولكن، كما لاحظ تانغ، من الصعب جداً وضع تنبؤات قصيرة المدى تُخبر البحارة عما إذا كانت موجةٌ عملاقة ستضرب سفينتهم خلال العشرين دقيقة المقبلة، مثلاً.

إحدى عوامات المراقبة Monitoring buoy التي تجمع البيانات عن الأمواج الداخلة إلى خليج تامبا بولاية فلوريدا

ومع ذلك، في العام 2016، قال باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا Massachusetts Institute of Technology (اختصاراً: المعهد MIT) إنهم طوروا أداة تنبؤ قادرة على اكتشاف الأمواج التي يمكن أن تهدد السفن في غضون دقيقتين إلى ثلاث دقائق. ومن الممكن أن يؤدي تحسين المراقبة إلى تعزيز الجهود المبذولة للتنبؤ بالأمواج المارقة.

تقول أزيفيدو إن معظم عوامات المراقبة في الوقت الحالي لا ترسل أقصى ارتفاعات الأمواج، ولكنها تبلغ عن ”ارتفاع كبير للموج“، وهو متوسط أطول 33% من الأمواج خلال فترة معينة. وتقول: ”لذلك نحن غير قادرين على رصد الأمواج الكبيرة“، مضيفةً أنه قد يكون من السهل تغيير ذلك.

ومن الممكن أن يكون التحسن في جمع البيانات وراء رصد الأمواج المتطرفة التي تشير بعض التقديرات إلى أنها تتزايد فعلياً بسبب تغيُّر المناخ. تقترح أزيفيدو أن أحد الحلول قد يتمثل في أن يعمل مصممو السفن على جعلها أقوى على المقاومة بما يكفي لتحمُّل ضعف ارتفاع الأمواج الكبيرة. ولا شك أن ذلك يحتاج إلى بعض الإقناع، نظراً إلى ارتفاع الكلفة.


هايلي بينيت Haley Bennett
هايلي كاتبة علمية مقيمة في بريستول بالمملكة المتحدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى