أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تحليلتدقيق الحقائق

بروفيسور من هارفارد: الكائنات الفضائية قد توجد في مكان ما

يقول البروفيسور آفي لوب إننا ينبغي ألا نستبعد احتمال وجود كائنات فضائية تراقبنا

يبدو أن الجميع بلغهم أن حكومة الولايات المتحدة تُخفي الدليل على وجود كائنات فضائية، وأن هذه الكائنات تزور الأرض منذ عقود. إنها نظرية مؤامرة منتشرة إلى درجة أنها وصلت إلى المجال المهني. من السهل دحض مثل هذه القصص ولكن، جِدياً، هل يمكن أن تنطوي ولو على قدر ضئيل من الحقيقة؟ هل يمكن أن توجد بالقرب من الأرض مركبات تابعة لكائنات فضائية؟ لا نعرف. لكن عالِم الفلك من جامعة هارفارد Harvard University البروفيسور آفي لوب Avi Loeb الذي يعمل في مشروع غاليليو Galileo Project يهدف إلى تحري الأمر.

ما كان يطلق عليها تسمية الأجسام الطائرة غير المحددة Unidentified flying objects أو المجهولة UFOs أعيدت تسميتها حالياً على أنها ظواهر جوية غير محددة Unidentified aerial phenomena (اختصاراً: الظواهر UAPs). وفي انتكاسة لأصحاب نظرية المؤامرة، صدر عن مكتب مدير المخابرات الوطنية الأمريكية في العام 2021 تقرير يوضح بالتفصيل الظواهر UAPs التي كانوا يدرسونها.

وفقاً للوثيقة، بين العامين 2004 و2021 قُدِّم 144 تقريراً على صلة بالظواهر UAPs، معظمها من قِبل عسكريين. ولكن لم يكن من الممكن استخلاص استنتاجات مهمة، لأن البيانات الفعلية كانت محدودة ويصعب تحليلها، وهنا بالتحديد يخطط لوب لتقديم يد العون.

”أعتقد أن الحكومة في حيرة من أمرها. لا يعرفون ماذا يعني كل ذلك. هم ليسوا علماء. أقول: دعونا نتحرَّ الأمر“

عن ذلك يقول: ”أعتقد أن الحكومة في حيرة من أمرها. لا يعرفون ماذا يعني كل ذلك. هم ليسوا علماء… أقول: دعونا نتحرَّ الأمر، دعونا نظل في منأى عن الأحكام المسبقة، ما علينا سوى أن نجمع بيانات أفضل. هذه هي الطريقة العلمية. على هذا النحو يُؤتى العلم“.

ومن ثم فإن الهدف من مشروع غاليليو – كما جاء في الموقع الإلكتروني للمشروع (bit.ly/GalileoProject) – هو تحويل البحث عن التوقيعات التكنولوجية للكائنات الفضائية من ملاحظات عرضية أو مجرد روايات متناقلة ”إلى مجال البحث العلمي المنهجي والشفاف والموثّق“.

لجمع مثل هذه البيانات أنشأ فريق المشروع مرصداً خاصاً في جامعة هارفارد بكيمبريدج، بولاية ماساتشوستس. المرصد يراقب السماء بكاملها، ويتتبع كل ما يعبرها. قال لوب إن العمل انطوى على تكييف المعدات لتتبع الأجسام سريعة الحركة، لأنه عند النظر إلى الكون البعيد، لا يستلزم الأمر أن تتحرك التلسكوبات الفلكية بسرعة.

بدأ اهتمام لوب باستخدام العلم لتقصي فكرة قدوم كائنات من خارج كوكب الأرض في العام 2017، عندما اكتشف علماء الفلك الكويكب غير العادي ”أومواموا“ Oumuamua. الكويكب الذي لم يُرصد إلا في أثناء مغادرته المجموعة الشمسية، كان غير عادي [ص 37] لأنه بدا أسطواني الشكل تقريباً وليس على شكل حبة بطاطس، كما تبدو عادةً الكويكبات الأخرى. كما بدا أنه تسارع بطريقة لا يمكن تفسيرها في ظل تأثير جاذبية المجموعة الشمسية.

افترض معظم علماء الفلك أنه لابد أن يكون قد أطلق بعض الغاز، مثل المذنب، مما سبب تسارعه. لكن لوب فكر في أن هذا هو بالضبط ما سيكون عليه السلوك الذي نتوقعه من مركبة فضائية غريبة.

ولاحظ مصادفةً أخرى أيضاً. قبل ستة أشهر من اقتراب أومواموا من الأرض، ضرب نيزك بحجم مترٍ كوكبَنا. أشارت سرعته ومساره إلى أنه جاء من خارج المجموعة الشمسية. على الرغم من أن مداره لم يكن مرتبطاً بمدار أومواموا، فإنه ألهمه للنظر في إمكانية أن تطلق مركبة بين النجوم مجسات صغيرة لفحص الكواكب التي تمر بها. أطلق على هذه المسابير الافتراضية اسم ”بذور الهندباء البرية“ Dandelion seeds [التي تشبه المظلة وتنتشر مع الريح] وتساءل عما إذا كان الأمر ينطبق على أي من الظواهر UAPs المبلغ عنها والواردة في تقرير 2021.

في 21 حالة من الـ 144 تقريراً، أُبلِغ عن نوع من الحركة غير العادية. كانت هذه الحركة في أكثر الأحيان سريعة جداً، ولكن كما أشار لوب ود. شون إم. كيركباتريك Sean M Kirkpatrick الذي يرأس مكتب تحليل الحالات الشاذة Anomaly Resolution Office في البنتاغون، في مسودة بحثهما، فإن الحركة السريعة جداً عبر الهواء تؤدي إلى ظهور كرة نارية ضوئية، تماماً كما يحدث عندما تحترق النيازك في غلافنا الجوي.

واقترحا أن عدم وجود كرة نارية قد يعني أن الأجسام أقرب إلى المُراقب مما هو مفترض، ومن ثم فهي أصغر وتتحرك ببطء أكبر.

لم يكن أومواموا كويكباً عادياً

ولكن من أجل التأكد من ذلك، يتطلب الأمر الحصول على بيانات أفضل، مما يؤكد الحاجة إلى قياسات صارمة. 

البروفيسور مايكل غاريت Michael Garrett، عالم الفلك الراديوي من جودرل بانك Jodrell Bank في جامعة مانشستر، هو نائب رئيس اللجنة الدائمة SETI التابعة للأكاديمية الدولية للملاحة الفضائية International Academy of Astronautics’ SETI Permanent Committee. وهو يرى مشروع غاليليو بمنزلة جسر بين موضوعين فُصِل بينهما على نطاق واسع تقليدياً: علم الأجسام الطائرة غير المحددة UFOlogy والبحث عن ذكاء خارج الأرض.

في حين ينظر المجتمع العلمي إلى كلا التخصصين بتشكيك شديد أو حتى بسخرية، نجح البحث عن ذكاء خارج الأرض حالياً في ترسيخ نفسه بصفته مساراً علمياً جديراً بالبحث. ففي اللجنة SETI، يستخدم علماء الفلك الراديوي تلسكوباتهم للتنصت على أي إشارات صادرة من خارج كوكبنا وتمر عبر الأرض.

يقول غاريت: ”إذا قبلتُ بأن ثمّة ذكاءً هناك، وقد يكون موجوداً منذ فترة طويلة، فيجب أن أقبل أيضاً أنه قد تكون هناك ظواهر، بما في ذلك ظواهر يمكن أن تزورنا وتصاحب نوعاً من الذكاء. لا أستطيع أن أفكر بطريقة ما أنه قد يكون هناك ذكاء في مكان ما على الجانب الآخر من المجرة ثم أقول: ’أوه، نعم، لكن لا يمكن أن يصل إلينا هنا‘؛ هذان الأمران، بالنسبة إليّ، لا معنى لهما وغير منطقيين“.

من المتوقع صدور البيانات الأولى من النموذج الأولي لمرصد لوب هذا الصيف. ومع ذلك فإن المشروع قائم حالياً في موقع واحد فقط، ولإحراز تقدم حقيقي يحتاج الأمر إلى مزيد منها. يعمل فريقه حالياً على بناء نماذج أخرى يمكن نشرها في أماكن أخرى في أمريكا. إذا تمكنوا من الحصول على التمويل اللازم والذي قد يصل إلى عشرات الملايين من الدولارات، فإنهم يخططون لنشر مثل هذه المراصد في معظم أنحاء العالم. يأمل لوب بعد ذلك في أنهم سيجمعون البيانات المطلوبة.

يقول لوب: ”الأمر يشبه مضاعفة عدد الأجسام التي نراقبها. للوصول إلى لب الأمر، يجب أن تكون لدينا مواقع كافية للحصول على بيانات مفيدة وتوضيح ما إذا كان هناك أي شيء آخر غير الأجسام الطبيعية أو التي من صنع الإنسان“.


د. ستيوارت كلارك Stuart Clark
(@DrStuClark)

د. ستيوارت كلارك صحافي في علم الفلك ومؤلف ومحاضر وزميل الجمعية الفلكية الملكية. أحدث كتاب له بعنوان: تحت جنح الليل Beneath The Night (منشورات: Faber)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى