أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
اكتشافاتتعليق

لماذا نُخطئ في كل ما نعرفه عن فقدان الوزن

عندما يتعلق الأمر بالدهون، لا يوجد نهج “واحد يناسب الجميع”

في الآونة الأخيرة، أجرى ستيفن بارتليت Steven Bartlett معي مقابلة لبودكاست يوميات رئيس تنفيذي Diary Of A CEO على صلة بعملي حول السمنة. في حين أنني شاركت سابقاً عدة مرات في برامج بودكاست، سواء بصفتي ضيفاً أو مضيِّفاً، حاز هذا البودكاست تحديداً على الاهتمام لثلاثة أسباب: الأول، كانت المقابلة طويلة ونُشرت بالكامل؛ الثاني، إضافةً إلى التسجيل الصوتي، فقد أمكن تصويرها بعدة كاميرات ونشرها على الإنترنت؛ والثالث، حجم الجمهور. لست متأكداً من عدد المستمعين الذين تابعوا البودكاست الفعلي، ولكن في تاريخ كتابة المقال، كان 2.5 مليون (!!) قد شاهدوا المقابلة ”الطويلة“ على يوتيوب.

سرعان ما اتضح أنه من بين الملايين الذين شاهدوها، شعر كثيرون بالحاجة إلى التعليق بصوت عالٍ على وسائل التواصل الاجتماعي (مع وضع وسم) على مظهري مقابل خبرتي في السمنة. أنا لا أتحلى بوزن مثالي و”بلياقة مقاتل“، بعد أن اكتسبت أكثر من أربعة كيلوغرامات خلال سنوات كوفيد القليلة الماضية. هذا، إضافةً إلى أنني أخطأت في اختيار ملابسي وارتديت سترة ذات قبة عالية (ودفاعي عن نفسي هو أنني لم أكن أتوقع تصوير المقابلة)، وهو ما أدى إلى تعليقات مثل، ”لماذا تثق برجل لديه دهون زائدة عندما يتعلق الأمر بالوزن والتغذية؟“.

هذا جعلني أفكر، وأسأل نفسي: إذا تلقيتُ، وأنا بروفيسور في منتصف العمر مكتنز قليلاً، مثلَ هذه التعليقات، فهل يمكن تخيُّل الرعب الذي يعيشه شخص يعاني السمنة يومياً؟ من اللافت أنني لو علقت سلباً على جنس شخص ما أو عِرقه في مكان عام، فسأفقد وظيفتي. ومع ذلك يشعر كثيرون حالياً بأن من المناسب التعليق على حجم أو شكل شخص ما. وصمة العار على أساس الوزن منتشرة بكثرة. إنها ليست قاسية فحسب، بل تأتي بنتائج عكسية، لكنها موجودة في كل مكان في المجتمع. وقد أدت إلى ظهور حركة إيجابية الجسم Body positivity.

أُسست حركة ”إيجابية الجسم“ على أساس الإيمان بأننا جميعاً يجب أن تكون لدينا صورة إيجابية عن جسدنا، وهي تدعو إلى قبول جميع الأجسام، بغض النظر عن القدرة الجسدية أو الحجم أو الجنس أو العِرق أو المظهر، وأنا أفهم ظهورها على أنها احتجاج على ”التعيير بالسمنة“ Fat-shaming. ومع ذلك أخشى أن يكون البعض قد ذهبوا بعيداً فيما يتعلق برسائل ”الصحة بكل الاحجام“، ويتجاهلون العلم. مما لا لبس فيه – ورجاءً لا تطلقوا النار على ناقل الرسالة – أن حمل كثيرٍ من الدهون يضر بصحتك.

لماذا يُعَد كثير من الدهون ضاراً؟ في الغالب يسيء الناس فهم ما يحدث عند زيادة الوزن أو فقدانه؛ يعتقدون أنهم يكتسبون خلايا دهنية أو يفقدون خلايا دهنية. هذا ليس صحيحاً. علينا أن نتخيل الخلايا الدهنية في جسمنا على أنها مثل البالونات؛ يزداد حجمها عند زيادة الوزن وتصغر عند فقدان الوزن. لا يتغير العدد الفعلي للخلايا الدهنية كثيراً. أسلم مكان لتخزين الدهون في الجسم هو الخلايا الدهنية. مثلَ البالونات تتوسع الخلايا الدهنية إلى أن تصير غير قادرة على التمدد. هنا تبدأ المشكلة، لأنه بمجرد امتلاء الخلايا الدهنية، يجب أن تذهب الدهون إلى مكان آخر، وينتهي بها الأمر في عضلاتنا أو كبدنا، مثلاً. في حين أن العضلات والكبد مصمَّمة لتخزين بعض الدهون، فإن وجود كثير منها يبدأ في التأثير سلباً في وظيفتها، في ظاهرة تُعرَف باسم ”السُّمية الدهنية“ Lipotoxicity والتي تعني حرفياً التسمم بالدهون. ومن ثم، فإننا عندما نحمل دهوناً أكثر مما يمكننا تخزينه بأمان نتجه إلى الإصابة بأمراض مثل داء السكري من النوع الثاني وأمراض القلب وأنواع معينة من السرطان.

ولكن متى يصبح مقدار الدهون مفرطاً؟ إليكم الشيءَ المثير للاهتمام: اعتماداً على تركيبتنا البيولوجية، يمكن لخلايانا الدهنية أن تتوسع إلى أحجام مختلفة قبل أن تمتلئ.

لذا لا يحتاج سكان شرق آسيا (ومنهم الصينيون مثلي) وجنوب آسيا (مثل الهنود والباكستانيين والبنغلادشيين) إلى اكتساب زيادة كبيرة في الوزن لزيادة خطر الإصابة بالنوع الثاني من داء السكري. في حين أن الآخرين، بمن فيهم البيض والبولينيزيون بنحو خاص، يمكن أن يكتسبوا وزناً أكبر بكثير قبل أن يمرضوا، وذلك إلى حد كبير نظراً إلى قدرة خلاياهم الدهنية على التمدد.

“لا يمكن أن يكون مفهوم صحة كل حجم مناسباً للجميع”

مقدار توسُّع الخلايا الدهنية لدينا يتأثر بعوامل جينية قوية ويؤثر في قدراتنا المختلفة على تخزين الدهون بأمان. لذلك يمكن أن يتمتع الناس بالصحة بمختلف الأحجام، وأن يتمتع بعض الأشخاص الأكبر حجماً بصحة أيضية في حين يصاب أشخاص نحيفون بداء السكري من النوع الثاني. ولكن إليكم الرسالة الحاسمة أو الخلاصة: لا يمكن أن يكون مفهوم صحة كل حجم مناسباً للجميع، لأنك إذا تجاوزتَ قدرتَك الآمنة على تخزين الدهون، فسوف تمرض. أنا لا أقول هذا تعبيراً عن موقف سلبي، وأنا بالتأكيد لا أحكم أو ألوم أي شخص يختار عدم إنقاص وزنه أو من حاول ولم ينجح. أنا ببساطة أعرض حقيقة بيولوجية واضحة تماماً.

في مجتمع ناضج يجب أن نكون قادرين على الاحتفاظ بفكرتين في رؤوسنا في وقت واحد وهما أن التعايش مع السمنة أمر غير صحي، وأن اللوم لا يقع على من يعانون السمنة. إن القدرة على تخزين الدهون بنحو آمن هي موضوع بحث جيني وبيولوجي وقد تُغير الطريقة التي ننظر بها إلى تعريف ”السمنة“ ومن يحتاج فعلياً إلى إنقاص الوزن.


البروفيسور جايلز ييو (@GilesYeo)

جايلز أستاذ علم الغدد الصماء الجزيئي من جامعة كيمبريدج University of Cambridge. يركز في أبحاثه على تناول الطعام، والسكري والسمنة. أحدث كتاب له بعنوان لماذا عدد السعرات الحرارية غير مهم Why Calories Don’t Count (منشورات: Orion Spring)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى