”إعصار كمّيّ“ مبتكر يُؤذِن بعصر جديد لأبحاث الثقوب السوداء
دوامة استُحدثت في المختبر أملاً في إثراء فهمنا لطبيعة الزمكان والجاذبية
إذا كان ظنك أن الأعاصير العادية مخيفة، فاربط حزام الأمان: لقد ابتكر العلماء إعصاراً قوياً جداً إلى درجة تجعله يشبه ثقباً أسود Black hole. في الواقع تحاكي الدوامة المخبرية الثقوبَ السوداء على نحو جيد يبشر بطريق واعد وإمكانيات هائلة لأبحاث الثقوب السوداء.
لم يسبق أن ابتُكرت دوامة اصطناعية بمثل هذه القوة من قبل، ومن ثم وصفها العلماء بأنها ”إعصار كمّيّ“ Quantum tornado. وفي حين أن الأعاصير التي نعرفها تُقطِّع الأشجارَ إرباً، وتقتلع المنازل وتُطيح بها بعيداً، فإن الإعصار الكمي يحرك الذرات والجسيمات حوله ويدور بها.
نشر الفريق الذي صمم الدوامة، بقيادة علماء من جامعة نوتنغهام University of Nottingham بالتعاون مع زملاء من جامعة كينغز كوليدج لندن King’s College London وجامعة نيوكاسل Newcastle University، تقريراً عن عملهم في دورية نيتشر Nature.
لجعل الدوامة تحاكي الثقب الأسود، كان على العلماء استخدام الهيليوم في حالته ”فائقة السيولة“ Superfluid، حين يكون ذا لزوجة منخفضة ويمكن أن يتدفق من دون أي مقاومة. تسمح هذه الخصائص للعلماء بمراقبة كيف يتفاعل الهيليوم مع محيطه من كثب، إذْ يكشف الهيليوم عن أصغر الحركات بالتفصيل. وقد مكنتهم هذه الخاصية من اكتشاف أن الموجات الصغيرة الموجودة على سطح السائل تُحاكي ظروف الجاذبية حول الثقوب السوداء الدوارة.
لكن الهيليوم فائق السيولة لا يضطلع بذلك تلقائياً. فهذا يتطلب تبريده أولاً إلى أدنى درجات حرارة ممكنة، أقل من -271°س (قريبة من الصفر المطلق -273°س/-459°ف)، لأن الأجسام الصغيرة داخل الهيليوم السائل المُسماة ”الدوامات الكمّيّة“ Quantum vortices، تنتشر عادةً بعيداً بعضها عن بعض. ولكن في درجة الحرارة شديدة البرودة، يكتسب الهيليوم السائل خصائص كمومية تعمل على استقرار الدوامات. وباستخدام جهاز تبريد جديد، تمكن الباحثون من حصر عشرات الآلاف من الدوامات لإنشاء ”تدفق دوامي“ Vortex flow يشبه الإعصار.
تفتح التجربة الناجحة آفاقاً جديدة أمام العلماء لمحاكاة نظرياتهم حول الزمكان المنحني Curved والجاذبية، إذْ سيتمكن الباحثون من مقارنة التفاعلات في الثقب الأسود المحاكى بتوقعاتهم النظرية. space-time and gravity
”عندما لاحظنا لأول مرة بصماتٍ واضحة للخصائص الفيزيائية للثقب الأسود، كانت تلك لحظة إنجاز خارق للعادة“
قال البروفيسور سيلكى فاينفورتنر Silke Weinfurtne من جامعة نوتنغهام الذي قاد العمل الذي أدى إلى إنشاء دوامة تحاكي الثقب الأسود: ”عندما لاحظنا لأول مرة بصمات واضحة للخصائص الفيزيائية للثقب الأسود في تجربتنا التناظرية الأولية في العام 2017، كانت تلك لحظةَ اختراق لفهم بعض الظواهر الغريبة التي تُعَد دراستُها صعبةً إن لم تكن مستحيلة“.
وأضاف: ”لقد انتقلنا بهذا البحث إلى المستوى التالي الذي قد يقودنا في النهاية إلى التنبؤ بسلوك الحقول الكمّيّة في الزمكان المنحني حول الثقوب السوداء الفيزيائية الفلكية“.