اتهام الأوركا بمهاجمة القوارب يجعلها تبدو شريرة
نحن في حاجة إلى معرفة مزيد عن سلوك الحيتان قبل أن نتمكن من تحديد ما إذا كانت تبغي الانتقام حقاً
أخبرني بحار فرنسي يُدعَى لُو Lou، أخيراً، عن لقاء مخيف مع مجموعة من الأوركا أو الحيتان القاتلة Killer whales. تصرفت هذه الثدييات البحرية Marine mammals المَهيبة على نحو مثير للقلق: اقتربت خمسة منها من اليخت الذي كان يبحر فيه، ثم صدمت بدنه، وجعلته يدور عدة مرات.
استمر الحادث 80 دقيقة وأدى إلى انقسام دفة السفينة الشراعية الصغيرة إلى قسمين. ثم بدا أن الحيتان القاتلة تلعب بالرغوة العائمة التي كانت تتسرب من الدفة المكسورة، وتدفعها بأنوفها.
في حوض بناء السفن، وصف لو الحادث بقوله: ”بدا كأن الحيتان القاتلة كانت تلعب… وأنها كانت تدرب بعضها بعضاً“.
اتهام الأوركا بمهاجمة القوارب يجعلها تبدو شريرة
كان هذا مجرد واحد من سلسلة من الحوادث التي تصدرت عناوين الأخبار في الآونة الأخيرة. وذلك لأن مجموعة من الحيتان القاتلة الأيبيرية في المحيط الأطلسي طورت، على مدى السنوات القليلة الماضية، عادة غريبة تتمثل في ”مهاجمة“ القوارب.
لاحظتُ أن البحار لُو أمعن التفكير في روايته على نحو ملحوظ، في ظل تلك الظروف، خاصة أنه لم يتحدث مطلقاً عن تعرضه ”لهجوم“، بل مجرد ”حادثة“. وبالمثل، وصف بحارٌ آخر تجربته مع الحيتان القاتلة بأنها ”رقصة مع أصدقائي من الحيتان القاتلة“.
ربما قرأت عناوين رئيسة تستخدم لغة مثيرة للقلق وعاطفية لوصف سلوك هذه المجموعة من الثدييات البحرية. مصطلح ”هجوم“، على سبيل المثال، يشير إلى اعتداء عدواني. وتشير بعض التقارير الإعلامية إلى أن هذه الحيوانات التي تتحرك عبر أحد أكثر الممرات المائية ازدحاماً في العالم لصيد سمك التونة، تسعى إلى الانتقام من القوارب.
يُسجل عدد كبير من الحالات التي تتعرض خلالها الثدييات البحرية للأذى بسبب القوارب أو بسبب مراوح الدفع أو معدات الصيد، أو تتأثر بالضوضاء المزمنة الناجمة عن نشاط السفن والتي يمكن أن تؤثر في قدرتها على التغذِّي والتواصل. لكن اختلاق قصة تُصوَّر فيها هذه الحيتان القاتلة على أنها غاضبة أو راغبة في الانتقام أو عازمة على تعليم البشر في قوارب شراعية هشة درساً هو أمر غير حكيم في أحسن الأحوال، وخطير في أسوأ الأحوال. وعندما نفعل ذلك، فإننا نروي قصة يكون فيها البشر على أحد جانبي المعركة، والحيتان القاتلة على الجانب الآخر.
الصراع بين الناس والحياة البرية ليس مجرد مادة للعناوين الجذابة في الصحف. وهو، وفقاً للاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة International Union for the Conservation of Nature، يشكل تهديداً خطيراً لجهودنا للتعايش مع العالم الطبيعي.
لقد طلب باحثون من منظمات الحفاظ على البيئة الإسبانية من البحارة تقديم مقاطع فيديو لأي حوادث تجري مع هذه الحيتان القاتلة حتى يتمكنوا من دراسة سلوكها ومعرفة ما إذا كانت هذه العادة الجديدة المحفوفة بالمخاطر تنتشر بين الأوركا.
ويشرع العلماء أيضاً في طريفة بجنوب إسبانيا، بالقرب من المكان الذي أُبلِغ فيه عن وقوع عديد من هذه الحوادث، في تعقب الحيوانات باستخدام علامات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS). يُعَد هذا بحثاً أكثر تدخُّلاً، لكنه ينتج بيانات في الوقت الفعلي حول مكان وجود الحيتان القاتلة.
عندما كتبتُ تقريراً لأول مرة عن السلوك الجديد غير المعتاد للحيتان القاتلة الأيبيرية، تحدثت إلى عالمة الأعصاب د. لوري مارينو Lori Marino، رئيسة مشروع محمية الحيتان Whale Sanctuary Project، وأحد الأشخاص القلائل الذين اطلعوا على تكوين دماغ الحوت القاتل، بعد مسح دماغ حوت أوركا أسير نافق في دراسة أجرتها في العام 2004.
وأوضحت د. مارينو: ”إنها تتشارك معنا في أجزاء من أدمغتها – مثل الجهاز الحوفي Limbic system الذي يمكن اعتباره المعالج العاطفي… لذلك من المحتمل أنها تشعر بالغضب والحزن والفرح. ولكن إذا حاولنا أن نقول إن هذه الحيوانات الاجتماعية والذكية والمرحة هي جيدة ومسالمة فقط، أو إنها سيئة وعدوانية فقط، فإننا نصورها على نحو مبالغ فيه أو مغلوط“.
لا يمكننا أن ننظر داخل عقل الحيتان القاتلة، لكننا نعلم من الدراسات التي أُجريَت على سلوكها وأدمغتها أنها حيوانات معقدة وذكية ذات ثقافة وروابط عائلية عميقة.
لدينا معلومات وأدوات علمية تحت تصرفنا لمعرفة أفضل السبل للتعامل مع هذا الوضع الجديد الغريب. يمكننا أن نرى علامات المرح في سلوكها. ويمكننا أن نرى أن بقاء هذه المجموعة على قيد الحياة يرتبط ارتباطاً مباشراً بمخزون التونة في تلك المنطقة.
يمكننا استخدام هذه المعلومات لإدارة مصائد الأسماك. يمكننا أيضاً وضع علامة على الحيوانات وتتبعها (شريطة ألا نؤذيها) حتى نتمكن من تحمل مسؤولية الحفاظ على مسافة بيننا.
عندما تركت البحَّار لو وزملاءه في حوض بناء السفن الإسباني، كل ما أراد معرفته هو المكان الذي من المرجح أن تكون فيه الحيتان القاتلة حتى يتمكن من تركها وشأنها (وتجنب إلحاق مزيد من الضرر بقاربه).
على الرغم من أننا لا نستطيع فهم دوافع الحيتان القاتلة، وبالتأكيد لا نستطيع التحكم في سلوكها، إلا أنه يمكننا استخدام جميع البيانات التي نجمعها عنها للمساعدة على الحفاظ على أنفسنا وقواربنا على مسافة آمنة منها.
لذلك دعونا لا نعتبر الحيوانات البرية أعداء لنا. لدينا ما يكفي من المشكلات في التعايش مع الطبيعة من دون تحويل الوضع المعقد إلى معركة بيننا وبينها.