أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تعليق

البريد الإلكتروني الذي يكتبه الذكاء الاصطناعي AI قد يسهل الأمور علينا، لكنه قد يقتل اللغات المهددة بالانقراض

النصوص التي تُعِدها بوتات الدردشة الذكية تتسلل إلى حياتنا اليومية

في مايو 2023 كشفت شركة غوغل Google النقاب عن أداةٍ جديدةٍ تعمل بقدرة الذكاء الاصطناعي AI تسمى ساعدني على الكتابة Help Me Write. الأداة التي يتوافر منها حالياً نموذج تجريبي Beta form، اًتصوغ رسائل البريد الإلكتروني وتكتب الخطابات آليا بناءً على تعليمات المستخدم.

تَعِد هذه الأداة بزيادة الإنتاجية على نحو رائع، خاصةً لأولئك منا الذين يكرهون كتابة البريد الإلكتروني. لكن النصوص التي يُنشئها الذكاء الاصطناعي AI قد تؤذن أيضاً باندثار اللغات المهددة بالانقراض.

بفضل القدرات المتقدمة لنمذجات اللغة الكبيرة Large language models الأحدث، فإن النص الذي يؤلفه الذكاء الاصطناعي AI على وشك أن يُدمَج في معظم برامج الكتابة التي تُسوَّق حالياً، من الرسائل النصية إلى البريد الإلكتروني إلى توليد المستندات العامة.

استخدمت بعض هذه المنصات الذكاء الاصطناعي AI في الماضي، مثلاً للمساعدة على تقديم اقتراحات حول كيف يمكن إنهاء جملة ما. لكن الذكاء الاصطناعي AI على وشك أن يصير له باع طويل في الكتابة أكثر من أي وقت مضى.

في الوقت الحالي، يمكن أن يبدو النص الذي يولده الروبوت مبتذلاً أو غير فريد (على الرغم من أن ChatGPT يضطلع بعمل جيد جداً في كتابة رسائل نصية ساخرة لأصدقائي). لكنه متطور بما يكفي لكتابة كثير من رسائل البريد الإلكتروني المطلوبة للأعمال اليومية.

كما أنه يتحسن، وبفضل التدريب الكافي، قد تصير أداة الذكاء الاصطناعي AI قادرة على تعلم التفضيلات الفردية والكتابة بأسلوب فريد خاص بالمستخدم.

آفاق استخدامه بالنسبة إلى الشركات واضحة وقد تساعد الروبوتات في مجالات أخرى غير كتابة البريد الإلكتروني الرتيب. يمكن أن يكون النص الذي يولده الذكاء الاصطناعي AI معادلاً لما يمكن أن يُنتجه البشر، مما يؤدي إلى تحسين القدرة على التعبير لدى الأشخاص الذين يواجهون مشكلة في كتابة النصوص بأسلوب مناسب، سواء كان ذلك بسبب الإعاقة أو لأسباب تعليمية أو غير ذلك.

”قد ينتهي بنا المطاف في عالم تضطلع فيه أدوات الذكاء الاصطناعي AI ببساطة بتبادل الرسائل الإلكترونية فيما بينها“

وعلى الرغم من أننا قد ينتهي بنا المطاف في عالم تضطلع فيه أدوات الذكاء الاصطناعي AI ببساطة بتبادل الرسائل الإلكترونية فيما بينها، فإنني شخصياً أتطلع بفارغ الصبر إلى الوقت الذي سأتمكن فيه من ترك معظم صندوق الوارد لعناية الآلة.

لكن النصوص التي يولدها الروبوت يمكن أن تسبب أيضاً المتاعب. أثارت نمذجات تعلم اللغة بالفعل جدلاً من خلال توليد محتوى غير متوقع، بدءاً من النصائح غير اللائقة إلى الخطاب المؤذي Harmful language، مما يوضح أهمية التحرير الدقيق والإشراف.

إضافةً إلى ذلك، يمكن أن يكون استخدام الذكاء الاصطناعي AI غيرَ مُراعٍ للآخرين أو وقحاً في سياقات معينة. في وقت سابق من هذا العام، نسي مسؤولو جامعة فاندربيلت Vanderbilt University إزالة ملاحظة ”كتبها الذكاء الاصطناعي AI“ من رسالة تعزية أرسلوها بالبريد الإلكتروني بعد حادثة إطلاق نار في مدرسة، مما أثار استياء الطلبة.

هناك مصدر آخر للقلق قلما يتطرق إليه الحديث، وهو ما سيفعله النص الذي يولده الذكاء الاصطناعي AI باللغة. قضيتُ نصف حياتي منغمسةً في اللغة الألمانية السويسرية، وهو تصنيف يشمل مجموعة من اللهجات المستخدمة في الجزء الألماني من سويسرا وبعض بلدات جبال الألب في إيطاليا.

اللهجات الألمانية السويسرية هي لغات شفهية لا توجد طريقة متفق عليها لكتابتها، لكن هذا لم يمنع الناس من استخدامها للكتابة. ولأن التهجئة صوتية بحتة Phonetic، تعكس كلمات كل شخص لهجة منطقته وشخصيته.

أدى إدخال التدقيق الإملائي والتصحيح الذاتي إلى تغيير جزء من طريقة التواصل بين أصدقائي السويسريين. فجأةً غُيِّرت كل كلمة ألمانية سويسرية تقريباً في رسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية بنحو غير صحيح.

سبَّب ذلك إزعاجاً ودفع كثيراً منا إلى تعطيل أدوات التصحيح. لكن بعض الناس تحولوا إلى الألمانية الرسمية. فيما تصير نصوص الذكاء الاصطناعي AI أكثر شيوعاً، لا شك أن معظمنا سيبدأ في استخدام الألمانية الرسمية. أي شيء آخر سيكون غير عملي على الإطلاق.

ستتوافر أدوات الكتابة التي يولدها الذكاء الاصطناعي AI بمئات اللغات. لدى Google أيضاً مشروع AI-Project يسمى مبادرة ألف لغة 1,000 Languages Initiative، وتدعي غوغل أنها ستدعم اللغات الألف الأكثر شعبية على الأرض، بما في ذلك اللغات النادرة التي يتحدث بها أقل من مليون شخص. لكن من غير الواضح ما إذا كانت هذه الجهود ستشمل اللغات المحكية، مثل اللهجات السويسرية. بوجه عام من المحتمل أن تتوافق كل حالة فريدة مع الكلمات الرسمية التي دُرِّب الذكاء الاصطناعي AI على استخدامها، وهذا سيؤدي إلى ضياع بعض ثراء وتنوع اللغة البشرية.

وهذا ليس كلَّ شيء. صار الذكاء الاصطناعي AI بارعاً على نحو لا يصدق في الترجمة من لغة إلى أخرى، مما قد يقلل قريباً من الحاجة إلى المترجمين البشريين في مجال النشر.

بينما يثير هذا التطورُ حماسَ بعض الناشرين، أدّى المترجمون البشر دوراً مهماً في البلدان المضطهدة من خلال إدخال معلومات سياسية أو أخرى غير مسموح بها في النصوص.

هذا مجرد مثال واحد على ما يمكن أن يضيع في ترجمة الذكاء الاصطناعي AI، وهناك كثير مما لا نعرفه بعد.

عندما يتعلق الأمر باللغة، لا يمكن تدريب الذكاء الاصطناعي AI إلا على مجموعة من المفردات الموجودة في الأصل، وهذا يعني أنه لا يسعه سوى أن ينظر إلى الماضي. قد تكون أداة الذكاء الاصطناعي AI قادرة على أن تجمع بين الكلمات بطرق إبداعية، أو أن تتعلم نمطاً من الكتابة السابقة، لكنها لن تبدع على نحو طبيعي لغة عامية جديدة، وستعمل دائماً على إدامة الماضي في المستقبل. ليس لدينا أي فكرة عما يعنيه هذا بالنسبة إلى تطور اللغة.

وسط مخاوف أكبر بشأن مخاطر الذكاء الاصطناعي AI، هناك عديد من الحلقات المؤثرة الأصغر مثل هذه من الآثار الجانبية التي يصعب توقعها. لذلك، في حين نتبنى أدوات الكتابة المدعمة بالذكاء الاصطناعي AI، يجدر بنا أن نفكر كيف ستؤثر في كل من الحفاظ على اللغة وتقدمها… وما إذا كان الأمر يهمنا.

د. كيْت دارلينغ (@grok)
كيْت عالمة أبحاث في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT كتابها هو السلالة الجديدة The New Breed (منشورات: Penguin)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى