أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تحليل

الجيل المقبل من الأدوية قد يُنتَج في الفضاء

استعادت شركة ناشئة في كاليفورنيا أخيراً مجموعة من الأدوية أنتجها قمر اصطناعي مُبرمج ليعمل ذاتياً

في 21 فبراير هبطت كبسولة فضائية بعرض متر (3 أقدام) في صحراء يوتا بعد أن أمضت ثمانية أشهر في المدار. وكانت حمولتها دُفعة من عقار ريتونافير Ritonavir، وهو دواء مضاد للفيروسات يُستخدَم في علاج فيروس نقص المناعة البشرية وكوفيد-19.

كانت المهمة التي نفذتها شركة فاردا للصناعات الفضائية Varda Space Industries الناشئة في كاليفورنيا، تهدف إلى إظهار إمكانية تركيب العقارات الصيدلانية على نحو آلي في الفضاء، وربما تمهيد الطريق أمام طرق جديدة وأكثر كفاءة لتطوير الأدوية.

أُطلقت بعثة Varda W-1 على متن صاروخ SpaceX Falcon 9 في يونيو 2023. تزن الكبسولة التي كانت محور التجربة نحو 90 كغم (نحو 200 رطل)، على الرغم من أنها قادرة نظرياً على تصنيع ما يقرب من 100 كغم من المنتجات على مدار عدة أشهر تقضيها في المدار. ومع ذلك فإن هذه البعثة الأولية، صنعت كمية صغيرة فقط من عقار ريتونافير خلال اختبار تجريبي مدته 27 ساعة.

أشار التحليل في أثناء الرحلة إلى أن عملية التصنيع جرت على النحو المخطط له، وعلى الرغم من عدم توافر النتائج النهائية بعد، فإن فاردا مشغولة بالفعل بالتحضير لبعثة ثانية ستحمل حمولتها التجارية الأولى إلى الفضاء.

الوحدة الرئيسة لبعثة Varda W-1 قيد الإنشاء (كبسولة التصنيع الآلي للأدوية مقلوبة في الأعلى، بين الألواح الشمسية)

ولكن لماذا نختار هذا المسار الصعب؟

على مدى العقود القليلة الماضية، أثبتت التجارب التي أجريت على متن محطة الفضاء الدولية ISS والمركبات الفضائية الأخرى أنه من الممكن صنع كميات صغيرة من الأدوية الصيدلانية في الفضاء.

لقد اتضح أن ظروف الجاذبية الصغرى Microgravity تجعل عديداً من العمليات المستخدمة لتركيب جزيئات بلورية معقدة – مثل البروتينات والأجسام المضادة المستخدمة في عديد من الأدوية لعلاج كل شيء من السرطان إلى أمراض القلب – تتصرف على نحو مختلف عما يحدث على الأرض.

مثلاً المحاليلُ السائلة التي تتشكل منها البلورات لا تنفصل تبعاً للكثافة، إضافةً إلى أن المواد الصلبة لا تسقط أو ترتفع داخلها بنحو طبيعي. ويعني انعدام الجاذبية أن البُنى التي تُصنع لا تتشوه وتغير طبيعتها.

“تشير الأدلة إلى أن البلورات المُنتَجة في بيئة الجاذبية الصغرى لديها فرصة بنسبة 80% أو أفضل لأن تكون متفوقة“

”تشير الأدلة إلى أن البلورات المُنتجة في بيئة الجاذبية الصغرى لديها فرصة بنسبة 80% أو أفضل للتفوق مقارنةً بنظيراتها المُنتَجة على الأرض“، كما تقول البروفيسورة آن ويلسون Anne Wilson، الباحثة من جامعة بَتلر Butler University في إنديانابوليس التي أجرت سلسلة من التجارب لتنمية البلورات في العام 2022.

وتقول: ”لقد أظهرت دراساتنا أن البلورات التي تنمو في الجاذبية الصغرى تكون أكثر تجانُساً [متساوية في الشكل والتركيب والخصائص]، وذات بنية مُحسنة، وفي أكثر الأحيان أكبر حجماً“.

رسم توضيحي لبعثة Varda W-1 في أثناء عودتها إلى الغلاف الجوي للأرض

لقد سَخَّرَت شركات الأدوية بالفعل الدروس المستفادة من التجارب الفضائية لتحسين عمليات التصنيع على الأرض. لكن البلورات المُنتجة في الفضاء يمكن أن تعرض أيضاً خصائص غير عادية ومفيدة، ومن المحتمل أن تكون أكثر فعالية من الأدوية المُركَّبة على الأرض.

تقول د. كيْتي كينغ Katie King، الباحثة في الجاذبية الصغرى من شركة طب الفضاء البريطانية BioOrbit: ”تعزز الجاذبية الصغرى عملية التبلور فنحصل على بلورات أقرب من أن تكون مثالية ومتشابهة“.

وتضيف: ”يمكن أيضاً استخدام هذه التقنية لبلورة مُستقبِلات البروتين التي تستهدفها الأدوية في الجسم. يمكننا بعد ذلك فهم هذه الأمور على نحو أفضل في المختبرات على الأرض. التطبيق الآخر هو استخدام البلورات نفسها في الأدوية“.

”تحاول فاردا استخدام الجاذبية الصغرى للعثور على أشكال جديدة محتملة وأكثر فعالية من الأدوية. وفي المقابل نحن في BioOrbit نعمل على تحويل الأدوية الموجودة إلى شيء يمكن للمرضى تناوله في المنزل“.

عندما يتعلق الأمر بصنع مواد في الفضاء لاستخدامها على الأرض، يطرح الجانب المالي تحدياً كبيراً. في حين أن مركبات الإطلاق القابلة لإعادة الاستخدام مثل Falcon 9 تُخفض تكاليف الوصول إلى المدار إلى حد كبير، تخطط فاردا أيضاً لجعل مركبتها الفضائية الخاصة متعددة الاستخدامات وقابلة لإعادة الاستخدام بقدر متزايد، بما يسمح بصيانتها وإعدادها لعمليات إعادة الإطلاق على فترات زمنية أقصر.

يقول المؤسس المشارك للشركة، ديليان أسباروهوف Delian Asparouhov، إن تكلفة التشغيل الأولية تبلغ نحو 12 مليون دولار (9.5 مليون جنيه إسترليني)، لكنه يتوقع أن يكون في الإمكان خفضها بسرعة إلى نحو مليونَي دولار (1.6 مليون جنيه إسترليني) لكل بعثة. ومع وجود خطط قيد التنفيذ لإنشاء أجيال لاحقة من مختبرات فضائية أكبر حجماً وأقل تكلفة، يُتوقع ظهور شركات أخرى في المجال.

جايلز سبارو Giles Sparrow

جايلز سبارو صحافي علمي متخصص في الفضاء وعلم الفلك

تقول كينغ: ”هناك فوائد هائلة. لم يُستفَد بعد من كل الفرص التي توفرها وهناك كثير لنتعلمه في مجال الأدوية والطب وعلوم الحياة بوجه عام. إن نظام إعادة الكبسولة إلى الأرض الذي طورته شركة فاردا هو في الحقيقة الجزء الأكثر ريادة فيما تفعله الشركة، لأنه يفتح المجال أمام الشركات الأخرى لاستخدام الجاذبية الصغرى في مجموعة متنوعة من التطبيقات الجديدة“.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى