لا تتفاعل أجسامنا بشكل جيد مع بيئة الفضاء المنخفضة الجاذبية. ولا تحتاج عضلاتنا إلى العمل بالقوة نفسها، ومن ثمَّ قد تصاب بالهزال، وتصبح عظامنا أضعف ويضخّ القلب الدم بوتيرة أبطأ. ولمواجهة ذلك، يقضي رواد الفضاء ساعتين كل يوم في ممارسة الرياضة لتجنب فقدان كتلة العضلات والعظام. وفي بعثة طويلة الأمد، سنحتاج إلى اتباع خطة صارمة للتمارين، ما لم نتمكن من اختراع مركبة فضائية لها جاذبيتها اصطناعية التي تجعل الجسم يتصرف كما يفعل على الأرض. وقد منحتنا البعثات الفضائية الماضية كثيرا من التبصرات حول الآثار المادية للفضاء، لكن هناك جانباً رئيسياً واحداً أُغفل عنه حتى وقت قريب- الميكروبيوم. فخلال السنوات القليلة الماضية زاد وعي العلماء بالدور الحاسم الذي يؤديه جيشنا من الميكروبات في صحتنا، فهو مرتبط بكل شيء من السرطان والسمنة إلى الاكتئاب وداء السكري. إذن، كيف يمكن للميكروبيوم البشري أن يتعايش في الفضاء؟
في مارس 2015 بدأ رائد الفضاء بوكالة ناسا سكوت كيلي Scott Kelly بتجربة إقامة لمدة سنة كاملة على متن محطة الفضاء الدولية- وهي أطول فترة قضاها أي رائد فضاء هناك- كجزء من بعثة لدراسة التأثيرات الطويلة المدى للرحلات الفضائية على الجسم. والآن، يفحص الباحثون البيانات. وكما تقول الدكتورة مارثا فياتيرنا Martha Vitaterna من جامعة نورث وسترن Northwestern University، وهي أحد العلماء الذين يدرسون ميكروبيوم كيلي: «إذا أرسلت شخصاً إلى الفضاء، فإنك لا ترسل شخصاً فحسب، بل ترسل معه أيضاً تريليونات من الكائنات الحية المجهرية.» ويعتقد بشكل عام أن الميكروبيوم المعوي هو أمر صحي، لكن النظام الغذائي والإجهاد قد يغيرانه بسرعة كبيرة. وبالنظر إلى أن النظام الغذائي الذي اتبعه كيلي في محطة الفضاء الدولية كان مقيداً جداً، تقول الدكتورة فياتيرنا إن الفريق كان يتوقع أن يشهد انخفاضاً كبيراً في تنوع الكائنات المجهرية في أمعائه، لكن النتائج الأولية تُظهر أن هذا لم يحدث. فضلاً عن ذلك فإن أي تغير حدث عاد إلى طبيعته بسرعة بمجرد عودته إلى الأرض.
ومن المقرر أن يسلط مشروع آخر لوكالة ناسا الضوء على الميكروبيوم في الفضاء. وفي عام 2019، أرسلت تجربة أبحاث القوارض سبعة فئران إلى محطة الفضاء الدولية في محاولة لمعرفة الكيفية التي تؤثر بها التغيرات الحادثة في ميكروبيوم القوارض على الجوانب الأخرى من صحتها، بما في ذلك نومها وإيقاعها اليومي. ولا يُتوقع ظهور النتائج حتى عام 2019، لكنها ستساعدنا على فهم الكيفية التي يتغير بها الميكروبيوم وأنماط النوم البشرية في الفضاء. وإذا دعمت نتائج دراسة سكوت كيلي؛ فستكون هذه أخبار جيدة. وعندما نترك الأرض نهائياً، فقد نفقد كتلة العظام والعضلات، لكننا قد نحتفظ بميكروباتنا.