أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تعليق

الشخير قد ينذر بمشكلات صحية أكثر خطورة

عندما يتعلق الأمر بالشخير، قد يكون الهدير الصادر عنه أقل مصدر للقلق

نعاني جميعُنا تقريباً الشخير، ولكن بطُرق مختلفة. بعض غُرف نومنا تصحبها نغمات همهمة إيقاعية لطيفة، في حين تهتز أخرى على وقع ما يشبه هديرَ جرَّار. في معظم الأشخاص يمكن اعتبار الشخير أمراً طبيعياً تماماً (حتى إن حَرم الآخرين النوم)، ولكنه في البعض الآخر قد يكون مؤشراً على وجود مشكلة صحية، وقد يكون علامة على انقطاع التنفس في أثناء النوم Sleep Apnoea.

انقطاع التنفس في أثناء النوم هو حالة يتوقف فيها التنفس، ثم يبدأ من جديد على نحو متكرر في أثناء النوم. وفي حالات نادرة قد يحدث هذا بسبب عدم إرسال الدماغ إشاراتٍ للتنفس، وهو ما يُعرَف باسم انقطاع التنفس في أثناء النوم المركزي. ومع ذلك فإن النوع الأكثر شيوعاً هو انقطاع التنفس الانسدادي في أثناء النوم Obstructive Sleep Apnoea (اختصاراً: الحالة OSA). يحدث هذا عندما يكون هناك انسداد في مجرى الهواء يمنع الهواء من دخول الرئتين عند الشهيق أو استنشاق الهواء في أثناء النوم.

انقطاع التنفس الانسدادي في أثناء النوم أمر شائع، ويؤثر في نحو 13% من الرجال و6% من النساء. وعلى الرغم من أنه أكثر انتشاراً بين كبار السن، فإنه يمكن أن يظهر لدى الأطفال أيضاً.

إذن كيف ينشأ؟ مجرى الهواء العلوي الذي يربط الفم بالقصبة الهوائية هو في الأساس أنبوب مرن تسهم عديد من العضلات الصغيرة في إبقائه مفتوحاً. عندما نخلد إلى النوم ترتخي هذه العضلات وهذا يزيد ميل مجرى الهواء إلى الانهيار عندما نستنشق الهواء. أي شيء يجعل مجرى الهواء لدينا أضيق يمكن أن يزيد من خطر انسداده، مثل أن تكون اللوزتان كبيرتين أو الفك السفلي صغيراً. النوم على ظهورنا وأفواهنا مفتوحة له تأثير أيضاً.

الرجال أكثر عرضةً للإصابة بانقطاع التنفس في أثناء النوم، والخطر لديهم أعلى بمرتين أو ثلاث مرات مما هو في النساء، وهو ما يرجع على الأرجح إلى التأثيرات الهرمونية في التحكم في التنفس. لكن العامل الأقوى هو السِّمنة، حين تتجمع رواسب الدهون في مجرى الهواء وحوله.

”في كل مرة ينسد فيها مجرى الهواء، نستيقظ برهةً يقظة غير كاملة… وفي الحالات القصوى يمكن أن يحدث ذلك أكثر من 100 مرة في الساعة“

في كل مرة ينسد فيها مجرى الهواء، نستيقظ برهةً يقظة غير كاملة (وهو أمر قد ندركه وقد لا ندركه)، حتى يعود التنفس إلى طبيعته. وهذا يمكن أن يؤدي إلى اضطراب النوم عدة مرات في الليلة، ولكن في الحالات القصوى يمكن أن يحدث أكثر من 100 مرة في الساعة.

من غير المستغرَب أن يشعر الذين يعانون انقطاع التنفس الانسدادي في أثناء النوم بالنعاس في خلال النهار نتيجة قلة النوم وتقطعه، وسينتابهم أحياناً إحساس بالاختناق أو اللهاث في أثناء الليل. يمكن أن يُسبب اهتزازُ الأنسجة الرخوة في الجزء الخلفي من الحلق حدوثَ التهاب أو تهيُّج أيضاً، مما يؤدي إلى الاستيقاظ مع جفاف في الفم أو التهاب في الحلق.

هناك تأثيرات أخرى أقل وضوحاً لانقطاع التنفس في أثناء النوم. بسبب التغيرات الهرمونية المرتبطة بانسداد مجرى الهواء واضطراب النوم، قد يحتاج من يعانون انقطاعَ التنفس في أثناء النوم إلى الاستيقاظ على نحو متكرر في أثناء الليل للتبول، وقد يزداد وزنهم بسبب زيادة الشهية. وفي بعض الأحيان، يجعل ذلك الفرد يشعر كأنه لا ينام، وهو ما يمكن الخلط بينه وبين الأرق.

نتيجةً لتأثيرات مثل الانخفاض المتكرر في الأكسجين في مجرى الدم، والتغيرات في الجهاز العصبي وزيادة الالتهاب، يمكن أن تنجم عن انقطاع التنفس الانسدادي في أثناء النوم مشكلات صحية بطرق عدة: يمكن أن يؤدي إلى مجموعة من الحالات، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري من النوع الثاني وأمراض القلب والأوعية الدموية والسكتة الدماغية.

أقام الباحثون أيضاً رابطاً بين انقطاع التنفس الانسدادي في أثناء النوم وجوانب مختلفة من صحة الدماغ، بما في ذلك الاضطرابات المعرفية، ومستويات المزاج والقلق، وحتى الخرَف.

ومع ذلك ما زلنا لا نعرف على وجه الدقة إذا كان انقطاع التنفس الانسدادي في أثناء النوم يسبب هذه المشكلات على نحو مباشر؛ وفي حين تتزايد الأدلة على أن انقطاع التنفس الانسدادي في أثناء النوم يساهم في هذه الحالات، فإن الأدلة القاطعة على أن علاجه يقلل هذه المخاطر ما زالت ضئيلة.

عندما يتعلق الأمر بالعلاج يتمثل العائق الرئيس في إدراك المريض أنه يعاني انقطاع التنفس في أثناء النوم في المقام الأول. في كثير من الأحيان يعتاد الأفراد الأعراضَ بمرور الوقت ويمكن أن تمر سنوات عديدة من دون أن يلاحظوها. حتى وقت قريب، كان هناك نقص في المعرفة حول هذه الحالة وندرة في الخدمات الإكلينيكية في المملكة المتحدة. لهذه الأسباب تشير التقديرات إلى أن نحو 80% من حالات انقطاع التنفس في أثناء النوم في المملكة المتحدة ما زالت من دون تشخيص.

ومع ذلك هناك عديد من خيارات العلاج. يمكن أن يساعد فقدان الوزن، وحتى أن يشفي المريض تماماً منه. إذا كان انقطاع التنفس في أثناء النوم يحدث فقط عند الاستلقاء خلال النوم على الظهر، فيمكن استخدام مجموعة من الأجهزة المعروفة باسم مدربات وضعية النوم Positional sleep trainers لاعتياد النوم على الجنب.

صُممت مثبتات الأسنان Dental retainers التي تُسمى أجهزة دفع الفك السفلي إلى الأمام Mandibular advancement devices لتثبيت الفك السفلي في مكانه ودفعه إلى الأمام قليلاً – ومن ثم توسيع مجرى الهواء – هذا من شأنه أن يوفر الراحة أيضاً.

بالنسبة إلى أولئك الذين يعانون انقطاع التنفس الانسدادي في أثناء النوم الأكثر شدة، فإن أفضل علاج له يُسمى الضغط الآلي الإيجابي لمجرى الهواء Automated Positive Airway Pressure (اختصاراً: العلاج APAP). يتضمن العلاج وضع قناع مثبت على الوجه يغطي الأنف أو الفم أو كليهما، ثم وصله بجهاز صغير يولد ضغط هواء إيجابياً. هذا يمنع بنحو أساسي مجرى الهواء من الانهيار والانغلاق.

نظراً إلى أنه يولد الإحساس إلى حدٍّ ما بالتنفس فيما تلفحك ريح قوية، لا يتحمل الجميع العلاج APAP، ولكنه يمكن أن يغيِّر نمط النوم لدى من يعانون الحالة OSA ويغير حياتهم. في العام أو العامين الماضيين فقط، أُخضع بعض المرضى لجراحة أُدخِل خلالها جهاز طبي مشابه لجهاز تنظيم ضربات القلب مهمته تحفيز عضلات اللسان والحلق في أثناء النوم، ومن ثم إبقاء مجرى الهواء مفتوحاً.

من المهم أن تتذكر أنه يمكن لأي شخص أن يعاني انقطاعَ التنفس الانسدادي: في أي عمر، وأياً كان جنسه ووزنه. إذا كنتَ تشخر، أو تستيقظ وأنت تشعر بالاختناق أو اللهاث، أو لاحظت أنك تتوقف عن التنفس في أثناء نومك، فالأجدر أن يكون طبيبك أول شخص تتصل به.

يمكن أن يطلب الطبيب منك إجراء اختبار منزلي بسيط لمعرفة مستوى الأكسجين وأنماط التنفس، ومن ثم تحديد العلاج. هذا يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً بين أن تشعر بالإرهاق طَوال اليوم أو تستيقظ منتعشاً مثل أزهار الربيع. لا داعي للمعاناة في صمت (نسبياً).


غاي ليتشزينر Guy Leschziner
غاي طبيب أعصاب استشاري ورئيس قسم اضطرابات النوم في مستشفيات
غاي وسانت توماس Guy’s and St Thomas’ hospitals في لندن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى