أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
ابتكارات

جهاز صغير يُؤمَل منه إبطاء الشيخوخة والشفاء من المرض

إرسالُ صدمات إلى الجهاز العصبي له مجموعة متنوعة من الفوائد الصحية. ولكن هل هو آمن؟

تتعدد الطرق التي تتيح لنا عيش حياة صحية؛ من ممارسة التمارين البدنية بانتظام وتحسين نظامنا الغذائي إلى بعض التمارين الذهنية البسيطة مثل سودوكو والكلمات المتقاطعة لتنشيط الدماغ. ولكن ماذا لو جربنا شيئاً مختلفاً قليلاً مثل إرسال صدمات كهربائية إلى الدماغ؟

يعمل التعديل العصبي Neuromodulation أو تعديل النشاط العصبي، من خلال إرسال صدمات كهربائية مباشرة إلى الجهاز العصبي يُفترض أن تتيح لنا جني مجموعة من الفوائد الصحية. هذه التقنية هي على ما يبدو أحدث اتجاه لمساعدتنا على تحسين حياتنا من دون عناء.

الفكرة ليست جديدة. فالتعديل العصبي يُستخدَم منذ سنوات، ولكنه كان يتطلب زرع غرسات Implants في الجسم لتوصيل التحفيز الكهربائي مباشرة إلى الجهاز العصبي. تجدد الاهتمام بهذه الممارسة بفضل التطور المُحرَز في تصميم وصناعة الأجهزة المحمولة والقابلة للتثبيت على الجسم مثل الأذن أو المعصم والقادرة على إيصال مثل هذا التحفيز. وطورت بعضُ الشركات مثل Parasym وgammaCore منتجاتِ التعديل العصبي المُعَدة مباشرة للمستهلكين.

هناك كثير من المزاعم والوعود بشأن هذه الموجة الجديدة من أجهزة التعديل العصبي التي يمكن تثبيتها على الجسم وقدرتها على تحسين نوعية حياة مستخدميها إلى حد كبير. يبدو الأمر رائعاً إلى درجة يصعب تصديقها، لكن هذه التقنية مدعومة بأبحاث أُجريت في جامعة هارفارد Harvard University وجامعة يونيفرسيتي كوليدج لندن University College London. فكيف تعمل؟ وهل هي آمنة؟ ولماذا قد نرغب في أن نرسل يومياً نبضات كهربائية تسري في جسمنا؟

ما التعديل العصبي؟

ببساطةٍ التعديلُ العصبي هو إجراء يغيِّر نشاط الدماغ عن طريق إرسال محفزات معينة. يشبه جهاز التعديل العصبي مفتاح الإضاءة الخافتة، ولكن بدلاً من تغيير درجة الضوء، فإنه يغير نشاط أعصاب معينة أو مناطق معينة في الدماغ. يمكن استخدامه لزيادة النشاط العصبي أو تثبيطه مثلاً لتخفيف إشارات الألم. وبالمثل يمكن للتعديل العصبي أن يغير الأنماط العصبية تماماً لتعطيل الإشارات العصبية غير الطبيعية التي تُلاحظ في حالات مثل الصرع، أو آلام الظهر المزمنة، أو مرض باركنسون.

هناك كثير من الطرق لتطبيق التعديل العصبي، ولكن في حالة الأجهزة القابلة للحمل التي تطورها شركات مثل باراسيم Parasym (في الصورة المقابلة)، يتحقق ذلك من خلال تحفيز العصب السمعي المبهم Auricular vagal neuromodulation، ويعني ذلك إرسالَ إشارات كهربائية عبر الأذن.

من خلال إرسال نبضات عبر الأذن، تستهدف التقنية العصب المبهم Vagus nerve الذي ينقل الإشارات بين الدماغ والقلب والجهاز الهضمي.

يقول نايثن دوندوفيتش Nathan Dundovic، المؤسس المشارك لشركة باراسيم: ”يوضع الجهاز على الأذن اليسرى. يحتوي على قطب كهربائي يستهدف مباشرة الفرع الأذني من العصب المبهم (عصب حسي صغير يوجد خلف الأذن). هذا يصب مباشرة في جذع الدماغ ويرسل إشارات محددة الهدف“.

ويضيف: ”سماعة الأذن متصلة بوحدة تحكُّم محمولة [أعلاه] تتحكم في الإشارة. يحدد المستخدم مدة الجلسة. نوصي بجلسة أو جلستين في الأسبوع مدة ساعة في كل مرة“.

هل التعديل العصبي آمن؟

يمكن إجراء التعديل العصبي بطريقتين: الغرسات والأجهزة القابلة للحمل. عمليات الزرع أكثر فعالية وهي الطريقة المستخدمة في الحالات الأكثر تقدماً (تُوصل الغرسات التحفيز مباشرة إلى المنطقة المستهدفة). لكنها أيضاً أكثر خطورة. زرع الغرسات ممارسة باضعة Invasive، وقد تكون لها آثار جانبية، بما في ذلك تهيُّج الجلد والصداع، ولكن أيضاً الالتهاب أو العدوى في موضع الزرع، والنوبات والنزف والتعب الشديد.

ومن ثم تُعَد أجهزة التعديل العصبي المحمولة الخيار الأكثر أماناً. فهي ليست فقط غير تدخلية بطبيعتها، ولكن الآثار الجانبية التي قد تنجم عنها تقتصر على تقارير عرضية عن تهيُّج خفيف في الجلد. الجانب السلبي للأجهزة المحمولة المثبتة على الجسم هو أنها ليست فعالة بالطريقة نفسها نظراً إلى أنها ترسل إشارات عبر الجلد ولا تحفِّز العصب المبهم مباشرة أو على نحو مستمر. هل هي أكثر أماناً؟ نعم، ولكن على الأرجح ليست بالفعالية نفسها.

كيف يمكنها إبطاءُ الشيخوخة؟

توصل العلماء إلى وجود صلة بين تحفيز العصب المبهم وإبطاء الالتهاب المزمن الذي يساهم على نحو مباشر في عملية الشيخوخة. إضافةً إلى ذلك، تُظهر الأبحاث وجود صلة بين التعديل العصبي وتحسين وظيفة القلب والأوعية الدموية، مما قد يساعد على مكافحة قصور القلب وارتفاع ضغط الدم. كما وُجد أن هناك رابطاً بين التعديل العصبي وتحسين تنظيم التمثيل الغذائي، بما في ذلك عوامل الشيخوخة مثل الوزن والسمنة ومقاومة الإنسولين.

”بعيداً عن الشيخوخة، أثبتت الأبحاث وجود ارتباط بين هذه التكنولوجيا وتقليل ضبابية الدماغ والاكتئاب“

بعيداً عن الشيخوخة، أقيم رابط بين هذه التكنولوجيا وتحسُّن تقلب معدل ضربات القلب وتقليل ضعف التركيز أو ضبابية الدماغ Brain fog والاكتئاب. حتى الحالات غير الشائعة مثل متلازمة عدم انتظام دقات القلب الوضعي (زيادة معدل ضربات القلب بسرعة بعد الوقوف) Postural tachycardia syndrome شهدت تحسُّنا.

فهل يمكن أن نقول إن التعديل العصبي معجزة علاجية؟ يقول د. سايمون تومسون Simon Thomson، مؤسس جمعية التعديل العصبي في المملكة المتحدة وإيرلندا Neuromodulation Society of the UK and Ireland، والخبير الرائد في هذا المجال: ”هنا، نحن في عالم من القياسات الذاتية… نحن نعدِّل دوائر الدماغ، ولكن هذه الدوائر يمكن تعديلها بعوامل أخرى. من الصعب إثبات أن شيئاً ما يسبب النتائج الإيجابية“.

ويضيف: ”مع ذلك، فإن [أجهزة التعديل العصبي المحمولة على الجسم] مخاطرها متدنية جداً، لأنها غير مزروعة في الجسم، لذا فمن المعقول تماماً أن يشتريها المرضى من مالهم الخاص. لا يمكننا مساعدة كل من يدخل إلى المستشفى، لذا فهي بديل رائع إذا استطاع المريض تحمل تكلفتها“.

هذه هي خلاصة الأمر. التعديل العصبي عبر الأجهزة القابلة للحمل آمن، إلا أنه ما زال تجريبياً. وهذه الأجهزة باهظة الثمن. فجهاز Parasym يُباع بسعر 699 يورو (600 جنيه إسترليني)، في حين يمكن أن تصل أسعار gammaCore إلى 625 جنيهاً إسترلينياً لبضعة أشهر من الاستخدام. وعلى الرغم من توافر بدائل أرخص، سرعان ما ستجد نفسك تخوض في غمار التكنولوجيا الصحية غير الخاضعة للتنظيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى