أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
س&ج

حوريات البحر، حقيقة أو خيال؟

عالمة أحياء بحرية تكشف ما إذا كان يمكن لمخلوق هو نصف إنسان ونصف سمكة أن يعيش تحت الماء

ستيفن كيلي Stephen Kelly

يتناقل الناس حكايات عن حوريات البحر منذ قرون. في سوريا القديمة، عبَد الناس عترت Atargatis وهي ربة نصفها بشري ونصفها سمكة اعتقدوا أنها تهب الخصوبة. ثم في اليونان القديمة، خاض البحارة غمار البحر يعتريهم الخوف والتوق للقاء الحورية الفاتنة علَّ الحظ يحالفهم وتغني لهم حتى موتهم. 

وبالطبع هناك قصة حورية البحر الصغيرة The Little Mermaid التي كتبها هانس كريستيان أندرسن Hans Christian Andersen في القرن التاسع عشر وأنتجتها شركة ديزني Disney في نسخة جديدة، هذه المرة في فيلم بممثلين حقيقيين. ولكن هل يوجد أي قدر من الحقيقة في هذه الأسطورة؟ هل تمُتُّ فكرة وجود أسماك تشبه البشر (أو أنها بشر شبيهة بالأسماك؟) إلى الواقع بأي صلة؟ أو أنها مجرد خيال؟

تقول عالمة الأحياء البحرية د. هيلين سكيْلز Helen Scales: ”أولاً وقبل كل شيء، نحن نعلم أن التنقل بأسلوب حورية البحر ممكن. الناس ينتحلون شخصية حوريات البحر، وقد فعلتُ الشيء نفسه، وهو استخدام زعنفة واحدة. بدلاً من الزعانف الثنائية، عند وضع زعنفة في كل قدم، تضع قدميك معاً في ذيل كبير. إنها حقاً طريقة فعالة للاندفاع إلى الأمام والتنقل بسرعة“. تقول سكيْلز إن المشكلة لا تكمن بالضرورة في الجزء السمكي من حورية البحر ولكن في الجذع البشري (على الأقل، الطريقة التي يظهر فيها في قصة حورية البحر الصغيرة) والذي لم يتطور بما يكفي للبقاء على قيد الحياة فترات طويلة تحت الماء.

تقول سكيْلز: ”ما يشغلني هو التنفس. إذا كانت في حاجة إلى أن تسبح صوبَ السطح لالتقاط أنفاسها، فستحتاج إلى شيء أقرب إلى منخر الحوت منه إلى الأنف والفم. لهذا السبب يقع أنف التماسيح أعلى رأسها، فهذا يسهِّل عليها التنفس على السطح“. 

إذا كانت حوريات البحر ستعيش فقط في الماء، فإنها إما ستحتاج إلى خياشيم (وهي لا يبدو أنها تمتلكها) وإما، وفقاً لسكيْلز، إلى تطوير طريقة ما لتزويد نفسها بالأكسجين.

وتقول: ”الهيكل التشريحي للثدييات البحرية مهيأ للبقاء على قيد الحياة في المحيط فترات طويلة من الزمن. إذا غطس غواص بشري تحت الماء، فإن حجم رئتيه يتقلص إلى النصف كل 10 أمتار من جرّاء الضغط. لدى حيتان العنبر قفص صدري صُمم لحماية رئتيها عند حدوث ذلك. وهي لديها أيضاً كثير من الميوغلوبين Myoglobin [الذي يحمل الأكسجين للخلايا العضلية] في عضلاتها وفي دمائها وهو بروتين لديه قدرة عالية جداً على الارتباط بالأكسجين. يجب أن يكون لدى حورية البحر شيء مشابه“.

هناك أيضاً مسألة أخرى وهي أن الجذع البشري، بذراعيه وأصابعه المعقدة المفيدة جداً على الأرض (فهي تتيح لنا صنع الأدوات وتناول البيتزا)، إنما يجعل حوريات البحر في وضع غير موات مقارنة بأقرانها.

تقول سكيْلز: ”الأذرع ليست جيدة بنحو خاص للسباحة، ولهذا السبب طورت الحيتان الزعانف. عندما استخدمتُ الزعنفة الأحادية، شعرتُ حقاً بمقاومة ذراعَيَّ“.

تضيف سكيْلز أن الشكل الكلاسيكي للأسماك الذي يشبه دمعة العين هو الأكثر هيدروديناميكية. وتقول: ”لو كان لحوريات البحر تاريخ تطوري أطول، لقلت إن شيئاً ما سيحدث لأذرعها. ما لم يكن هناك بالطبع سبب تطوري لامتلاكها ذراعين. يمكن أن يكون هناك شيء في بيئتها يجعل جمع الطعام أولوية على التحرك بسرعة!“.

تقول سكيْلز إن امتلاك الحورية بنيةً تشريحية لبشري ولحيوان بحري معاً يعني أنها تجمع بين أسوأ ما في العالمين، ولن يكون الفرق كبيراً إذا عكسنا الأمر لنحصل على أرجل بشرية في الأسفل ورأس سمكة في الأعلى.

تقول: ”الذيل هو وسيلة رائعة للاندفاع والتنقل. ولكن إذا أرادت التنفس، فإن امتلاك رأس سمكة مع خياشيم سيكون مفيداً جداً“. ولكن حتى مع ذلك، كيف سيتعامل الجذع البشري العاري أو الأرجل البشرية مع البرد الجليدي في المحيط في الشتاء؟ ”سوف تحتاج إلى طبقة كثيفة من الدهن“، تقول سكيْلز. ”إما ذلك، وإما أن تحتذي بقضاعة البحر وتستخدم الفراء“.

قد تشاهد قريباً في السينما فيلم: حورية البحر المغطاة بالشعر The Hairy Mermaid.


الحكم النهائي
المزج بين السمات البشرية والسمكية يجعل وجود حوريات البحر أمراً مستحيلاً.


 ستيفن كيلي (StephenPKelly@)
ستيفن كاتب في الثقافة والعلوم متخصص في التلفزيون والسينما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى