سباق أصحاب البلايين إلى الفضاء.. ماذا يعني بالنسبة إلى المناخ؟
يوصي خبراء بوضع لوائح جديدة تتعلق بالتأثير البيئي للسفر إلى الفضاء لتجنب سلوك تغلب عليه الفوضى والجشع.
تصدَّرت الرحلات الفضائية عناوين الصحف الدولية في يوليو 2021 حين سافر كل من مؤسس أمازون جيف بيزوس Jeff Bezos ورئيس فيرجن ريتشارد برانسون Richard Branson إلى الفضاء كلٌّ في مركبة من صنع شركته. وحتى لا تتخلف عن الركب، أرسلت شركة إيلون ماسك Elon Musk سبيس أكس SpaceX لأول مرة في التاريخ طاقماً من أربعة مدنيين ليس بينهم رواد فضاء إلى المدار في منتصف سبتمبر 2021.
من الواضح أن السفر التجاري إلى الفضاء يشهد ازدهاراً، ومن المتوقع أن يتحول إلى نشاط تجاري مُجزٍ. فشركة برانسون فيرجن غالاكتيك Galactic Virgin تخطط لتسيير رحلات تجارية منتظمة في العام 2022، ولديها بالفعل 600 حجز بسعر 250,000 دولار للتذكرة. ويُفيد تحليل حديث أجرته شركة التمويل السويسرية UBS بأن قطاع السياحة الفضائية ستصل قيمته إلى 4 بلايين دولار بحلول العام 2030.
عند هبوطه من رحلته دون المدارية، قال بيزوس إن التجربة عززت التزامه بمكافحة تغير المناخ. ولكن ما تأثير رحلات الفضاء في البيئة نفسها؟
تحرق الصواريخ كميات هائلة من الوقود لدى الإقلاع. ولكن هناك مجموعة متنوعة من الطرق لإطلاق الصواريخ في الفضاء، لذا فإن فهم التأثيرات الدقيقة لكل مركبة ليس دائماً بالأمر السهل.
يقول د. سيميت رافال Simit Raval، كبير المحاضرين من جامعة نيو ساوث ويلز University of New South Wales والمؤلف المشارك لتحليل حديث لانبعاثات مركبات الفضاء: “مع كل الرحلات الفضائية، بما في ذلك رحلات السياحة الفضائية، تتوقف الآثار البيئية على مجموعة متنوعة من العوامل الخاصة بالمهمة”. ويضيف أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث لضمان تكوين “فهم جيد” لهذه التأثيرات.
يمكن القول إن أهم تأثيرين بيئيين للسفر إلى الفضاء هما مساهمته في الاحتباس الحراري وفقدان الأوزون في طبقة الستراتوسفير Stratosphere، كما يقول رافال.
ووفقاً لأحد التقديرات التي أجرتها الدكتورة إلواز ماريه Eloise Marais من جامعة يونيفرسيتي كوليدج لندن University College London، فإن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لأربعة سائحين أو نحو ذلك على متن رحلة فضائية ستزيد بما يصل إلى 100 مرة على الانبعاثات المقدرة عن كل راكب على متن رحلة طويلة المدى، إنها بالفعل نشاط بشري يُطلق الكربون بكثافة.
”استكشاف الفضاء يتجاهلنا جميعاً نحن الذين نُترَك لنعاني عواقب احترار الأرض“
وفقاً لدراسة أُجريت في جامعة نيو ساوث ويلز University of New South Wales، فإن جزيئات الألومينا Alumina والكربون الأسود وحتى بخار الماء المنبعث في الستراتوسفير هي أسباب أخرى للقلق عندما يتعلق الأمر بالاحترار العالمي. ومع ذلك فإن التأثير الكلي معقد لأن بعض هذه الانبعاثات، مثل السناج Soot، يمكن أن يكون له أيضاً تأثير تبريدي.
يقول بول بيترز Paul Peeters، الأستاذ المشارك في النقل المستدام والسياحة من جامعة بريدا للعلوم التطبيقية Breda University of Applied Sciences في هولندا، إن التأثيرات قد تتضاعف قريباً إذا صارت السياحة الفضائية أكثر شيوعاً. ويوضح أن ”لكل عملية من عمليات الإطلاق في الفضاء بصمة بيئية كبيرة“.
وفيما يتعلق بتغير المناخ، يقول بيترز إن كثيراً يعتمد على نوع وقود الدفع المستخدم. على سبيل المثال تعمل المحركاتُ الصاروخية الهجينة التي استخدمتها مركبة سبيسشيب تو SpaceShipTwo لشركة فيرجن غالاكتيك Virgin Galactic بالوقود الصلب والسائل على حدٍّ سواء، وتطلق الكربون الأسود أكثر بكثير مما تطلق من وقود الكيروسين. يقول بيترز: ”إذا صارت الصواريخ الهجينة التي يُفترض أن تشغيلها رخيص نسبياً شائعة، فإن كارثةً مناخيةً تلوح في الأفق“.
يمكن أن تأتي انبعاثات الكربون الإضافية أيضاً من بناء الموانئ الفضائية، وكذلك من سائحي الفضاء الذين يسافرون إلى مواقع الإطلاق ربما باستخدام طائرات خاصة، كما تقول أنيت تويفونين Annette Toivonen، وهي محاضرة في موضوع السياحة من جامعة هاجا هيليا للعلوم التطبيقية Haaga-Helia University of Applied Sciences في فنلندا.
إلى جانب التأثير المناخي تحتوي أعمدة عوادم إطلاق الصواريخ على مواد أخرى يمكن أن تستنفد طبقة الأوزون حول الأرض، مثل أكاسيد النتروجين وجذور الهيدروكسيل والماء. لم ترد الانبعاثات الناتجة عن عمليات الإطلاق الفضائية على وجه التحديد في بروتوكول مونتريال Montreal Protocol الدولي الذي يتناول المواد التي تستنفد طبقة الأوزون.
يمكن كذلك تناول تأثيرات التلوث المحلية في مواقع الإطلاق. فعلى سبيل المثال، أدى الاستخدام طويل الأمد للوقود الصاروخي غير المتماثل ثنائي ميثيل الهيدرازين Unsymmetrical dimethylhydrazine (اختصاراً: الوقود UDMH) في قاعدة بايكونور كوزمودروم الفضائية Baikonur Cosmodrome spaceport في كازاخستان إلى أضرار بيئية جسيمة.
لا توجد حالياً لوائح أو اتفاقيات عالمية بشأن التلوث أو الآثار البيئية الأخرى للسفر إلى الفضاء.
تقول تويفونين: ”أدى الارتفاع الحالي في أنشطة الفضاء الجديدة الخاصة إلى دعوات لتجنب الفوضى والجشع وحق التملك“، وأظهر الحاجة إلى أنواع جديدة من اللوائح والأطر التشريعية، بما في ذلك تشريعات للسياحة الفضائية مُلزمة عالمياً.
يزعم أصحاب البلايين الأمريكيون الذين يساهمون في ازدهار السياحة الفضائية أنهم يقدمون الأمل وحتى نتائج إيجابية في المستقبل للناس في معظم أنحاء العالم. جادل بيزوس بأن السفر إلى الفضاء سيساعد الأطفال على ”بناء مستقبل“، في حين قال برانسون إن الرحلات الفضائية الخاصة ستكون ”متاحة للجميع“.
لا شك في أن الرحلات الفضائية الخاصة أثارت اهتمام كثير من الناس. فقد وجد تحليل أجرته شركة شؤون الإعلام لأمريكا Media Matters for America أن البث التلفزيوني الصباحي في الولايات المتحدة خصص تقريباً لرحلة بيزوس الفضائية في شهر يوليو في يوم واحد ما يعادل ما كرسه لأزمة المناخ في العام 2020 بكامله. ومع ذلك يقول ايفلوندو كوبر Evlondo Cooper، المحرر الرئيس لدى Media Matters، إن رحلة بيزوس الفضائية كانت فرصة ضائعة لتغطية كلا الموضوعين.
يقول: ”إن استكشاف الفضاء مثير؛ لكن الاهتمام غير المبرر الذي يُعطَى لأولئك الذين يستطيعون مغادرة كوكبنا، للأسف كما يحلو لهم، يتجاهلنا جميعاً نحن الذين نُترَك لنعاني عواقبَ احترار الأرض بسبب الصناعات الملوِّثة في عالمنا“.
حتى إن بيزوس جادل بأنه يجب نقل “كل الصناعات الملوِّثة” إلى الفضاء للحفاظ على نظافة الأرض. لكن نقل الصناعات الثقيلة إلى الفضاء ثم إعادة المنتجات إلى الأرض سيتطلب استخداماً مكثفاً للطاقة والموارد.
يجادل بيترز بأنه في حين ستكون للسفر إلى الفضاء القدرة على أن يصير أكثر كفاءة في استخدام الطاقة أو أكثر مراعاة للبيئة، فإنه سيزيد مع ذلك من الضغط البيئي على كوكبنا من دون تحسين نوعية حياة البشر.
ويقول إن أفضل قرار هو الاتفاق دولياً على أن السفر التجاري إلى الفضاء ”ليس تطوراً حكيماً“ بسبب الأزمات البيئية والصحية التي نشهدها حالياً.