في أبسط مستوىً له، يتعلق الحب بالبقاء بالنسبة إلى الفرد والأنواع Species. البشر متعاونون جداً. فنحن علينا أن نتعاون من أجل البقاء واكتساب المعرفة وتربية ذريتنا التي تعتمد اعتماداً كبيراً علينا. لكن التعاون ليس بالأمر السهل. في عالم مثالي كنا سنعيش سعداء في عزلة عن الآخرين، وسنفعل ما نرغب فيه عندما نرغب من دون أن نضطر إلى مراعاة احتياجات الآخرين أو ما يمثلونه من تهديد لنا.
تعني الحياة الاجتماعية أنه يتعين علينا التنافس على الموارد وتنسيق حركاتنا والعيش ضمن تسلسل هرمي والحذر من أولئك الذين قد يكذبون ويخدعون ويسرقون. إذن ما الذي جاء به التطور لضمان أن نبدأ هذه العلاقات الحاسمة للبقاء ثم نستثمر فيها على الرغم من تكلفتها العالية؟ إنه الحب.
الحب هو الدواء
تطور الحب ليرشونا كي نبدأ تلك العلاقات ونحافظ عليها- مع من نحب ومع الأطفال والعائلة والأصدقاء– وهي علاقات نحتاج إليها ببساطة للبقاء على قيد الحياة وتأمين انتقال جيناتنا واستدامتها. تأتي هذه الرشوة البيولوجية على شكل مجموعة من أربع مواد كيميائية عصبية ترتكز عليها الجاذبية والحب: الأوكسيتوسين Oxytocin والدوبامين Dopamine والسيروتونين Serotonin وبيتا-إندورفين Beta-endorphin.
يعدُّ الأوكسيتوسين مهماً في أثناء الانجذاب لأنه يقلل من مثبطاتك التي قد تحول دون البدء في علاقات جديدة من خلال تهدئة اللوزة Amygdala، مركز الخوف في الدماغ، مما يعني أنك واثق عند الاقتراب من أحد معارفك الجدد. يجري إطلاق الدوبامين دائماً في الوقت نفسه مع الأوكسيتوسين. إنها المادة الكيميائية التي تمثل مكافأة للجسم، ويجري إطلاقها عندما تفعل شيئاً تستمتع به. وهي في هذه الحالة تكافئك على ثقتك، إضافةً إلى أنها تعمل مع الأوكسيتوسين لجعل عقلك أكثر مرونةً- مما يتيح لك تعلُّم وحفظ حقائق جديدة عن هذا الشخص الجديد- وباعتباره هرمون النشاط، فإنه يحفزك إلى القيام عن كرسيك والاقتراب من ذاك الشخص.
تعمل هذه المواد الكيميائية بصورة رئيسة في المنطقة الحوفية Limbic area من الدماغ، فهي مركز اللاوعي Unconscious. هذا لأن الشعور بالانجذاب أو الرغبة هو في البداية إحساس غريزي بحت وغير واعٍ. يُطلِق خفضُ السيروتونين العنانَ لعنصر الغرام في الحب. فعلى عكس المواد الكيميائية الأخرى، ينخفض السيروتونين في بداية العلاقة، ولهذا السبب يستحوذ على عقلك التفكير في حبك الجديد.
”تأتي هذه الرشوة البيولوجية على شكل مجموعة من أربع مواد كيميائية عصبية ترتكز عليها الجاذبية والحب“
وأخيراً لدينا بيتا إندورفين. هذا هو هرمون الحب طويل الأمد. يمكن أن يُبقي البشرَ في علاقات على مدى عقود، فالأوكسيتوسين، على وجه الخصوص، ليس قوياً بما يكفي ليمد في عمر الحب. إضافةً إلى ذلك يجري إطلاق الأوكسيتوسين في الغالب بكميات كبيرة فقط في المواقف المتعلقة بالرغبة الجنسية والإنجابية مما يعني أنه غير قادر على تعزيز الصداقة، وهي رابطة إنسانية أساسية وحيوية للبقاء على قيد الحياة. لكن بيتا إندورفين يمكنه ذلك ويفعله، لأنه مادة أفيونية مثل الهيروين أو المورفين. وكما هي الحال مع الهيروين فإنه يسبب الإدمان. إنه فعال لأننا نصير مدمنين على من نحبهم كأنهم مصدر مادة أدمنا عليها، وعندما نفترق عنهم نشعر بالحاجة إليها، وهذا يحثنا على العودة إليهم للحصول على جرعة تعيد إلينا البهجة.
ولأن بيتا-إندورفين يعزز الحب، وليس الشهوة، يجري تجنيد كل من المناطق اللاواعية والواعية في دماغنا (على التوالي المنطقة الحوفية والقشرة Cortex)، مما يعني أن البشر يمكن أن يختبروا الحب كدافع غريزي أو كعاطفة تنطوي على الرغبة أو الغضب أو البهجة، ولكن أيضاً كعملية واعية تنطوي على التفكير والثقة والتعاطف والاهتمام والتخطيط.