الصحة العقلية: كيف يمكننا مساعدة رياضيي النخبة على الحفاظ على صحتهم؟
تحدث رياضيو النخبة الأولمبيون أخيراً عن معاناتهم مشكلاتٍ تتعلق بالصحة العقلية. فيما يأتي يشرح عالم نفس كيف يمكننا مساعدتهم.
”لنأخذ مثالاً: لاعب جمباز يطمح إلى الفوز بالذهب الأولمبي. بمجرد زلة بسيطة أو فقدان التركيز برهةً، يذهب ذلك الطموح أدراجَ الرياح“
في الآونة الأخيرة سُلِّط الضوء على الصحة العقلية Mental health في مجال الرياضة عندما اختارت كل من لاعبة الجمباز الأولمبية سيمون بايلز Simone Biles ونجمة التنس نعومي أوساكا Naomi Osaka عدم التنافس، مشيرتين إلى أنهما تشعران بالقلق على صحتهما العقلية بسبب ضغوط منافسات رياضيي النخبة Elite competition.
أعربت كلتا اللاعبتين بقوة عن مخاوفها بشأن الآثار الدائمة لعملها في بيئة تنافسية ضاغطة، وجادلتا بأن تدهور الصحة العقلية هو سبب مشروع للانسحاب من المنافسة.
على الرغم من أن بعض المراسلين لم يتعاطفوا معهما بحجة أن هؤلاء الرياضيين الذين يتقاضون أجوراً مرتفعة يجب أن يتقبلوا الضغط ويتعاملوا معه، فإنه ينبغي لنا ألا نرفض بسهولة فكرة أن رياضيي النخبة يحتاجون إلى دعم للحفاظ على صحتهم العقلية. ففي نهاية الأمر، وبغض النظر عن مواهبهم، الرياضيون هم بشر مثلنا تماماً، والقدرة على ممارسة الرياضة على مستوى النخبة لا توفر مناعة ضد التأثير في الصحة النفسية.
قال بعض المعلقين إن اللاعبتين تفتقران ببساطة إلى صلابة النفس. ولكن يمكن أن نجادل بأن الانسحاب من مثل هذه المنافسة رفيعة المستوى بعد سنوات من التدريب والاستعداد كان كقرار أكثر صعوبة من المضي قدماً والمنافسة. إضافةً إلى ذلك لو أنهما تحدثتا عن إصابة بدنية، مثل إصابة في الركبة، لما أثار انسحابهما أي لغط.
لماذا يتعرض رياضيو النخبة إذن لضغوط شديدة؟ وكيف يمكننا التعلم من هذه التجربة لتوفير رعاية أفضل للصحة العقلية؟
لكي نفعل ذلك من المهم أن نفهم العوامل التي تجعل من منافسات النخبة الرياضية بيئة شديدة الضغط. أولاً، يفوز اللاعبون في المسابقات ويخسرون في لحظات. لنأخذ مثالاً لاعب جمباز يطمح إلى الفوز بالذهب الأولمبي. بمجرد زلة بسيطة أو فقدان التركيز برهةً، يذهب ذلك الطموح أدراج الرياح.
يقضي الرياضيون سنوات في التدريب لإبراز أفضل ما لديهم من قدرات في تلك اللحظة المحددة. وعندما نضيف إلى ذلك أنهم يمثلون دولة بكاملها ويشعرون بأن تركيز الآلاف، بمن في ذلك عائلاتهم وأصدقاؤهم، مُنصب على أدائهم، فإن هذا يولد إحساساً ضاغطاً.
لذلك تحيط بهذه المنافسات مشاعر وعواطف شديدة يشعر بثقلها رياضيو النخبة، ومن المحتمل أن تكون بعض هذه المشاعر مزعجة مثل القلق مما ستكون عليه النتيجة، وربما الشعور بالذنب والعار والبؤس خشية ألا يكون أداؤهم هو الأفضل.
أجرى فريق من الباحثين الدوليين أخيراً مراجعة منهجية لـ 600 دراسة تقارن أداء الرياضيين بنتائجهم في اختبارٍ لتحديد الحالة المزاجية شائعِ الاستخدام مصمَّمٍ لتقييم المستويات النسبية للشخص من الغضب والارتباك والاكتئاب والتعب والتوتر والصلابة. ووجدوا أن كلاً من ضعف الصحة النفسية والأداء الرياضي الضعيف مرتبطان بارتفاع درجات حالات المزاج غير السارة وانخفاض درجات الصلابة. على هذا النحو يُعَد تحديد الحالة المزاجية إحدى الاستراتيجيات المحتملة لإدارة الصحة النفسية للرياضيين.
تؤثر المشاعر التي يختبرونها قبل المنافسة الرياضية وفي أثنائها أيضاً بصورةٍ كبيرةٍ في أداء الرياضيين في كل شيء، بدءاً من التفاعل مع زملائهم في الفريق حتى تحسين الأداء الحركي. لذلك يعتبر اختصاصيو علم النفس الرياضي أن تنظيم العواطف مهارة مهمة.
فيما يتعلق بوصف كيف يمكن للرياضيين تنظيم المشاعر، طور علم النفس الرياضي نموذجاً نظرياً يعتمد على خمس استراتيجيات: اختيار الموقف Situation selection، وتعديل الموقف Situation modification، وتوجيه الانتباه Attention deployment، والتغيير المعرفي Cognitive change، وتعديل الاستجابة Response modulation.
اختيار الموقف هو العملية التي يختار فيها الرياضي بنشاط أن يضع نفسه في موقف ما بدلاً من موقف آخر، في حين يشير تعديل الموقف إلى محاولات تعديل الجوانب الخارجية للبيئة. من خلال الاضطلاع بأيٍّ من هذين الأمرين، يمكن للرياضي أن يزيد من احتمال الوصول إلى حالة عاطفية مرغوب فيها، أو تجنب حالة غير مرغوب فيها.
توجيه الانتباه هو العملية التي يوجه فيها الرياضي انتباهه بعيداً عن الأشياء التي يمكن أن يكون لها تأثير سلبي في عواطفه. أحد الأمثلة على ذلك هو الاستماع إلى الموسيقى على سماعات الرأس لتجنب سماع الحشد قبل الحدث.
يتضمن التغيير المعرفي أن يغير الرياضي عن وعي معنى الحدث. على سبيل المثال يمكن للاعب كرة القدم الذي أهدر ركلة جزاء أن يعيد تقييم مدى لومه لنفسه بأن يقول: ”كانت تسديدة رائعة، ولكن الحارس تصدَّى لها بصورةٍ أفضل“.
أخيراً يشير تعديل الاستجابة إلى الاستراتيجيات المصمَّمة لتنظيم الجوانب الفسيولوجية والمعرفية للعاطفة بصورةٍ مباشرةٍ قدر الإمكان. قد يتضمن ذلك استراتيجيات مثل الاسترخاء العضلي التدريجي أو التمركز.
إذن ماذا يعني كل هذا؟ نحن ندرك أن رياضيي النخبة معرضون لتدهور صحتهم العقلية، ومن ثمَّ من المهم أن نقدم إليهم الدعم. وعليه يجب أن يكون تطوير التدخلات التي تساعد الرياضيين على تحسين قدرتهم على تنظيم عواطفهم جزءاً أساسياً من برامج التدريب، بهدف مساعدتهم على رعاية صحتهم العقلية. هذا يتعارض مع أن ننتظر بكل بساطة أن يتعرض الرياضيون لمشكلات صحية نفسية ثم نُقبل على علاج تأثيراتها. الوقاية خير من العلاج، والتمتع بصحة نفسية إيجابية يجب أن يكون الجائزة التي يسعى كل الرياضيين من أجل نيلها.