هل من نهاية للشيخوخة؟
الشباب الأبدي هو مادة تحدثت عنها الخرافات والأساطير، ولكن ماذا لو كان في إمكاننا التمتع به مدةً إضافية؟ ماذا لو طُورت حبوب يمكن أن تبطئ زحف أخاديد الزمن، فنشعر بأننا أكثر شباباً فترةً أطول. يبدو الأمر مجرد وهم، ولكن هناك مجموعة متزايدة من الأبحاث التي تراهن على جعله حقيقةً واقعة.
تخيل المشهد. بعد إجراء تحليل دم روتيني، تقصد طبيبك للحصول على النتائج. ”كل شيء جيد“، يقول الطبيب مطمئناً. ”المشكلة الوحيدة هي أنك تكبر في السن“. ثم، وهو يكتب على دفتر الوصفات الطبية، يضيف الطبيب: ”لكن يمكنني مساعدتك. تناول هذه الأقراص. سوف تبطئ عملية الشيخوخة وتساعدك على البقاء بصحة جيدة. وقد تمد في عمرك أيضاً“.
دواء يطيل عمرك، ويبطئ الشيخوخة، ويحميك من المشكلات التي تجلبها معها بما في ذلك الوهَن والمرض؟ يبدو الأمر رائعاً جداً إلى درجة يصعب معها تصديقه، ومع ذلك تشير الأدلة المتزايدة ليس فقط إلى أن هذه الأدوية في متناول اليد، ولكن ربما تكون موجودة بالفعل. يمكن العثور على بعضها فوق الرفوف في متجر المكملات الصحية المحلي، في حين أن البعض الآخر عبارة عن أدوية طُورت لحالات مثل مرَضَي السكري والسرطان، ويعاد استخدامها لغايات أخرى. لقد أثبتت الدراسات التي أُجريت على الحيوانات إمكاناتها، وقد بدأت حالياً تجارب إكلينيكية لتقييم ما إذا كان ما تَعِدُ به يسري على البشر. إذا تبين أنها كذلك يمكن لمن هم في منتصف العمر حالياً أن يصيروا الجيل الأول الذي يستفيد من استخدامها. تخيلْ شخصاً يبلغ من العمر 80 عاماً، لكن تركيبته البيولوجية وقدرته على ”النهوض والانطلاق“ هي لشخص أصغر منه بـ 30 عاماً. كم هو ممتع ألا تشعر بثقل عمرك عليك!
العيش حياة أفضل فترةً أطول
في العقدين الأخيرين انتقل علم مكافحة الشيخوخة من كونه موضوعاً يعالجه الخيال العلمي إلى علم أكاديمي صارم قائم على الأدلة، ويخضع لمراجعة الأقران. لا يتعلق الأمر بتحقيق الخلود أو حفظ الدماغ عن طريق التبريد أو أي من المقترحات الغريبة الأخرى التي طُرحت. يقول د. نير برزيلاي Nir Barzilai، مدير معهد الشيخوخة في كلية ألبرت آينشتاين للطب Institute for Ageing at the Albert Einstein College of Medicine في نيويورك: ”هناك كثير من الناس الذين يبيعونك زيت الثعبان ويخبرونك أنك ستعيش إلى الأبد، وبعد ذلك عندما تموت، لا أحد يقاضيهم“. خلافاً لذلك يتعلق الأمر بتحسين ما يسميه العلماء ”متوسط العمر الصحي المتوقع“ Healthspan، أو عدد السنوات التي يمكن للناس أن يعيشوا خلالها أصحاء من دون مرض. إن مد المدى العمري Lifespan قد يكون من الآثار الجانبية العرضية الجيدة، وكذلك تأثيراته في الاقتصاد.
في الوقت الحالي يعاني 80% من البالغين في العالم الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً أو أكثر مرضاً مزمناً واحداً على الأقل، في حين يعاني 68% مرضين أو أكثر. المعاناة الإنسانية هائلة، وفي الثلاثين سنة المقبلة، من المتوقع أن يتضاعف عدد الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً إلى 1.5 بليون شخص. سيكون هذا مكلفاً. يقول جيم ميلون Jim Mellon، رئيس مجلس إدارة شركة Juvenescence التي تُعنى بمسألة طول العمر: ”لو توافر لدينا دواء يضيف حتى عاماً أو عامين صحيين إلى المدى العمري، فسيكون لذلك تأثير يُقدَّر ببلايين الدولارات في الاقتصاد العالمي، لأن الناس سيبقَون منتجين فترةً أطول ولن يعانوا كلَّ هذه الأمراض التي تكلف أنظمتنا الصحية كثيراً“.
ليس من قبيل المصادفة أن العمر هو أكبر عامل خطر للإصابة بأمراض مثل السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية والتنكس العصبي. إذ تنطوي عملية الشيخوخة على مجموعة كاملة من التغييرات البيولوجية التي تدفع باتجاه تطوير هذه الأمراض. يُطلق العلماء على هذه التغييرات اسم ”العلامات المميزة“ Hallmarks وقد حُددت تسع منها تقريباً (انظر ”العلامات المميزة للشيخوخة“، وتتضمن تراكم الطفرات الجينية وتفكك الكروموسومات والخلل في القدرة الوظيفية لحزم الطاقة الخلوية الصغيرة، المسماة الميتوكوندريا. وفقاً للنظرية، إذا تمكنا من تصحيح هذه المشكلات، فإننا لن نبطئ الشيخوخة فحسب، بل سنتحاشى أيضاً عديداً من الأمراض المرتبطة بالشيخوخة أو نؤخر ظهورها.
في ديسمبر 2021، كشف باحثون من جامعة الأكاديمية الصينية للعلوم University of the Chinese Academy of Sciences في شنغهاي أن مركباً طبيعياً موجوداً في بذور العنب يمكن أن يطيل عمر فئران متقدمة في السن بنسبة 9% ويحسِّن من لياقتها البدنية أيضاً. يعمل المركب، المسمى البروسيانيدين سي1( (Procyanidin C1، من خلال استهداف سمة مميزة أخرى للشيخوخة تتمثل في تراكم الخلايا المتعبة والمتهالكة التي توصف بأنها ”شائخة“ Senescent.
”الأدوية التي تبحث عن هذه الخلايا الشائخة وتقتلها، وتُعرَف باسم مدمرات الشيخوخة، هي من بين العلاجات الواعدة لإبطاء الشيخوخة“
في سنوات شبابنا، يزيل الجهاز المناعي الخلايا الشائخة من الجسم قبل أن تصبح سبباً في حدوث مشكلة، ولكن مع تقدمنا في العمر، وتعثر جهازنا المناعي، تتجول هذه الخلايا وتفرز جزيئات التهابية تصيب الأنسجة المحيطة. يقول مينغ شو Ming Xu الذي يدرس الشيخوخة في مركز الشيخوخة التابع لجامعة كونيتيكت University of Connecticut’s Centre on Ageing: ”إنها كالنار في الهشيم… إنها خلايا قليلة جداً، ولكنَّ لها تأثيراً كبيراً جداً ومدمّراً جداً“. الأدوية التي تبحث عن هذه الخلايا الشائخة وتقتلها، وتُعرف باسم مدمرات الشيخوخة Senolytics، هي من بين العلاجات الواعدة لإبطاء الشيخوخة.
أظهر شو وزملاؤه أنه عندما تُزرع أعداد صغيرة من الخلايا الشائخة في الفئران، فإنها تجعلها تتقدم في العمر. ثم عندما تُعالج هذه الفئران، ليس بالبروسيانيدين سي1، ولكن بمزيج من عقارين مختلفين للشيخوخة، يجري تدمير الخلايا المارقة وتصير الفئران أكثر قوة. فهي تطور عضلات أقوى وتصير أكثر نشاطاً وتعيش فترة أطول. وحصل الباحثون على النتائج نفسها لدى الفئران التي تقدمت في العمر بنمط طبيعي.
هذا الأمر لافت لأن الفئران تلقت الأدوية في وقت متأخر جداً من حياتها، عندما كان عمرها عامين. يقول شو: ”إنها تعادل أن يبدأ شخص العلاج عندما يبلغ من العمر 70 أو 80 عاماً، ثم يمتد بعد ذلك عمره الصحي من خمس إلى ست سنوات“. ومن الأمور المشجعة أيضاً أن هذه الأدوية معروفة بالفعل بأنها آمنة للاستخدام البشري. يُباع الكرسيتين Quercitin، وهو صبغة نباتية توجد في عديد من الفواكه والخضراوات، كمكمل غذائي، في حين جرت الموافقة على استخدام دواء داساتينيب Dasatinib كعقار لسرطان الدم.
أظهر مزيد من الدراسات التي أُجريت على الحيوانات أن الأدوية المضادة للشيخوخة يمكن أن تؤخر ظهور أكثر من 40 مرضاً أو تمنع ظهورها أو تخفف منها، بما في ذلك السرطانات والاضطرابات المختلفة التي تصيب القلب والكبد والكُلى والرئتين والعينين والدماغ. تُظهر الدراسات الأولية على البشر أنها تقلل من عدد الخلايا الشائخة وتحد من الالتهاب وتخفف من الضعف، وتُجرَى حالياً عشرات التجارب الإكلينيكية لتقييم تأثيرها في حالات مختلفة، بما في ذلك مرض السكري والتهاب المفاصل ومرض ألزهايمر.
ستوفر كل هذه التجارب معلومات حيوية، ولكن إذا تقرر استخدام دواء مضاد للشيخوخة، أو أي دواء آخر كعلاج حقيقي مضاد للشيخوخة، فسيلزم اجتياز التجربة البشرية المكافئة للدراسة التي أجراها شو على الفئران. إضافة إلى اختبار هذه الأدوية على الأشخاص المصابين بالفعل بمرض ما- كما يحدث في التجارب الإكلينيكية الحالية- يجب أيضاً اختبارها بدقة على الأصحاء الذين يتقدمون في السن بشكل طبيعي.
تسريع عملية بطيئة
إنه مفهوم بسيط ويجب أن يكون سهلاً، باستثناء مشكلتين. الأولى هي أن البشر يتقدمون في العمر على مدى عقود من الزمن، وهي معضلة تجعل التجارب المطلوبة طويلة ومكلفة. وأحد الحلول المحتملة لهذه المشكلة، والذي يجري حالياً التحقق منه، هو استخدام بدائل جزيئية أو ”مؤشرات حيوية“ Biomarkers لعملية الشيخوخة. وهي تغييرات طفيفة، مثل إضافة مجموعات كيميائية معينة إلى الحمض النووي DNA تحدث ضمن أطر زمنية أصغر ويُعتقَد أنها دالة على صورة الشيخوخة الأوسع.
يمثل خيار آخر اللجوء إلى أفضل صديق للإنسان. تتقدم الكلاب في العمر أسرع بنحو سبع مرات من البشر، وتعاني عديداً من الأمراض نفسها والانتكاسات المرتبطة بالعمر مثلهم. كما أنها تشاركنا منازلنا وعديداً من التأثيرات البيئية نفسها التي تساهم في الشيخوخة. باختصارٍ إنها نموذج ممتاز لعملية الشيخوخة، وعلى استعداد للمساعدة في مقابل مكافأتها وتدليلها قليلاً.
العلامات المميزة الشيخوخة
بدأ العلماء في تحديد السمات الرئيسة أو ”العلامات المميزة“ لعملية الشيخوخة. العلاجات التي تستهدف هذه السمات لديها القدرة على إبطاء الشيخوخة. يمكنها أيضاً الوقاية من أمراض مثل السرطان والسكري وأمراض القلب وتخفيفها أو تأخير ظهورها. ونتيجة لذلك، فإن الأمل لا يقتصر على أن نعيش مدة أطول، ولكن أن نعيش ونتمتع أيضاً بصحة أفضل.
الراباميسين Rapamycin هو دواء مثبط للمناعة. إنه يستهدف عديداً من السمات المميزة للشيخوخة (المذكورة أعلاه)، بما في ذلك ضعف تحسس المغذيات Nutrient sensing واختلال وظائف الميتوكوندريا وتدهور وظيفة الخلايا الجذعية. في إحدى الدراسات الرئيسة أدت ثلاثة أشهر من العلاج بالراباميسين إلى تحسين العمر الصحي لفئران في منتصف العمر بنسبة 60%.
يستخدم الميتفورمينيس Metforminis لعلاج مرض السكري من النوع الثاني. إنه عقار مثير للاهتمام بنحو خاص لمكافحة الشيخوخة، لأنه يستهدف كل السمات المميزة التسع المعروفة للشيخوخة. تُجرَى حالياً تجربة إكلينيكية بارزة تسمى استهداف الشيخوخة باستخدام الميتفورمين Targeting Aging With Metformin (اختصاراً: التجربة TAME) في الولايات المتحدة لتقييم إن كان يمكن للدواء أن يبطئ الشيخوخة ويؤجل الأمراض المرتبطة بالعمر.
”كجزء من مشروع شيخوخة الكلاب في الولايات المتحدة، يساعد 500 كلب على تقييم نجاعة علاج آخر مضاد للشيخوخة يسمى راباميسين“
كجزء من مشروع شيخوخة الكلاب Dog Aging Project في الولايات المتحدة، تساعد 500 من الكلاب على تقييم نجاعة علاج مفترض آخر مضاد للشيخوخة يسمى راباميسين Rapamycin. يستهدف الراباميسين أيضاً الخلايا الشائخة، إضافة إلى عديد من السمات الأخرى المميزة للشيخوخة. يُعطى هذا الدواء بجرعات كبيرة نسبياً لمرضى الزرع للمساعدة على منع رفض الأعضاء، ولكن لدى استخدامه بجرعات صغيرة تبين أنه يُطيل حياة الخميرة والديدان والذباب والفئران. ستُتابَع الكلاب مدة تصل إلى عقد، وإذا وفى الراباميسين بوعده، فإن أولئك الذين يتلقون العلاج يمكن أن تطول حياتهم لما يصل إلى أربع سنوات بشرية (وهذا يقابله 28 عاماً للكلاب).
“نحن لا نريد أن نُسمي الشيخوخة مرضاً. الأشخاص الذين نرغب في مساعدتهم لا يريدوننا أن نسميهم مرضى، لكن الشيخوخة تحتاج إلى الاعتراف بها رسمياً على أنها عوارض يمكن علاجها”
المشكلة الثانية التي تواجه إجراء الدراسات البشرية المطلوبة على صلة أقل بالجانب العملي وأكثر بالموقف بإزاء المسألة. وفقاً للنموذج الطبي الحالي، الشيخوخة ليست شيئاً يحتاج إلى العلاج. يُنظر إلى الشيخوخة على أنها حتمية قاتمة للحياة. إذا كان على إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) وغيرها من الهيئات التنظيمية الطبية أن توافق على أي دواء للشيخوخة، فسوف تحتاج أولاً إلى أن تعترف بأن الشيخوخة هي حالة يمكن الوقاية منها، ومن ثم يمكن استهدافها عن طريق العلاج. يقول برزيلاي: ”لا نريد أن نُسمي الشيخوخة مرضاً… الأشخاص الذين نريد مساعدتهم لا يريدوننا أن نسميهم مرضى، لكن الشيخوخة تحتاج إلى الاعتراف بها رسمياً على أنها عوارض يمكن علاجها“.
لذلك وجد برزيلاي طريقة للالتفاف حول هذا اللغز. إذ ينصب تركيزه على عقار آخر محتمل لمكافحة الشيخوخة، يسمى ميتفورمين Metformin. الميتفورمين دواء رخيص وناجح يتناوله كل يومٍ الملايين من الناس للسيطرة على مرض السكري من النوع الثاني، ولكن في العام 2016، اقترح برزيلاي أنه يمكن استخدامه لإبطاء الشيخوخة. ومفتاح حجته هو تجربة إكلينيكية شملت أكثر من 150,000 شخص في المملكة المتحدة في العام 2014، وكشفت أن مرضى السكري الذين يتناولون الميتفورمين يعيشون فترة أطول من غير المصابين بالسكري الذين لا يتناولونه. كما بيَّن عدد متزايد من الدراسات المنفصلة قدرة الميتفورمين على الوقاية من الاضطرابات المرتبطة بالعمر. تشير هذه الدراسات مجتمعةً إلى أن الميتفورمين قد يكون قادراً على تحسين العمر الصحي، لكنها لا تقدم أدلة تثبت ذلك تماماً. ما نحتاج إليه هو تجربة إكلينيكية تربط كل هذه الأطراف السائبة معاً في دراسة واحدة جيدة التصميم. من هنا جاءت التجربة TAME.
يعمل برزيلاي وزملاؤه على استقطاب 3,000 شخص بالغ تتراوح أعمارهم بين 65 و80 عاماً، ممن لا يعانون مرض السكري، لتلقي إما الميتفورمين وإما دواءٍ غُفل (وهمي) على مدى أربع سنوات. خلال هذا الوقت، سيتابع الفريق المؤشرات الحيوية المرتبطة بالعمر والوقت الذي يستغرقه كل مريض لتطوير مرض رئيس مرتبط بالعمر، مثل الخرف أو السكتة الدماغية. بدلاً من النظر في قدرة الميتفورمين على تأخير مرض واحد مرتبط بالعمر، كما فعلت التجارب الأخرى، ستقيِّم هذه الدراسة قدرة الدواء على تأخير ظهور مرض مرتبط بالعمر بوجه عام. وهي ستُظهر إن كان يمكن للميتفورمين زيادة العمر الصحي للإنسان.
إذا نجحت التجربة، فقد تكون آثارها بعيدة المدى. لدى التجربة TAME القدرة على إثبات أن الشيخوخة هي حقاً شيء يمكن استهدافه ومعالجته بالعقاقير. سيكون هذا، في حد ذاته، نقلة نوعية كبرى. يقول برزيلاي: ”نأمل أن تصنِّف إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) الشيخوخة على أنها عوارض، فتُطور نموذجاً يحفز شركات التكنولوجيا الحيوية إلى إجراء دراسات مماثلة“. بينما يسعى علماء آخرون إلى اتباع استراتيجيات مختلفة لمكافحة الشيخوخة، مثل العلاج الجيني أو زرع الأنسجة، فإن تناول الأقراص أسهل بكثير. يمكن أن يصير الميتفورمين أول دواء مصرح به لمكافحة الشيخوخة مع القدرة ليس فقط على إطالة العمر، بل على إطالة العمر الصحي أيضاً. ثم بعد الميتفورمين يمكن أن تظهر أدوية أخرى مضادة للشيخوخة. وبدلاً من معالجة كل حالة طبية مرتبطة بالعمر على حدة، كما يحدث حالياً، من الممكن تخيُّل مستقبل يجري فيه ”علاج“ هذه الحالات معاً، من خلال استهداف عدة سمات مميزة للشيخوخة.
وكما تُصرف مُركبات الإستاتين Statins حالياً لخفض الكوليسترول والوقاية من السكتات الدماغية وأمراض القلب، كذلك يمكن وصف الأدوية المضادة للشيخوخة أو ”علاجات الشيخوخة“ Gerotherapeutics للوقاية من أمراض الشيخوخة. بناءً على نتائج فحص الدم التي يمكن أن تشير إلى مدى سرعة تقدمك في العمر والأمراض التي يمكن أن تتعرض لها، قد يصف الطبيب دواءً أو أكثر من الأدوية المضادة للشيخوخة. يمكن أن يكون كل من الميتفورمين والراباميسين والكيرسيتين والداساتينيب وغيرها من الأدوية المضادة للشيخوخة غير المعروفة بعد جزءاً من الصورة. سيكون الأمر بمنزلة تحوُّلٍ بعيداً عن النموذج الطبي السائد الذي يعالج الأمراض بعد ظهور أعراضها وبدء المعاناة، إلى نموذج وقائي للرعاية الصحية من خلال متابعة المرضى بنحو استباقي وتجنيبهم الإصابة بأمراض في المستقبل.
مع توافر عدد قليل من الأدوية الواعدة المضادة للشيخوخة بالفعل، تبدو الشيخوخة ”قابلة للعلاج“ أكثر من أي وقت مضى، ولكن هناك مشكلة أخيرة واحدة فقط: التجارب الإكلينيكية مُكلفة، والسؤال هو من سيتحمل كلفتها؟
غيرَ أن وكالات التمويل الحكومية غير متحمسة على ما يبدو للاستثمار في مجال مكافحة الشيخوخة. فالجهات التنظيمية لا تميل إلى تمويل دراسات على أدوية متوافرة بالفعل في السوق، ولن تسعى شركات صناعة الأدوية إلى إجراء تجارب على أدوية نوعية بديلة أو رخيصة الثمن أو غير محمية ببراءات اختراع، من دون هامش ربح. الشركات الثلاثون أو نحو ذلك التي تعملبحُسن نية لمكافحة الشيخوخة أكثر اهتماماً بتطوير علاجات خاصة بها من العقاقير التي يسهل الوصول إليها مثل الميتفورمين أو الكيرسيتين. إلى أن يُعثر على تمويل إضافي، فإن هذا يعني أن العمل لا يجري على نحو صحيح لاستكشاف أدوية آمنة وبسعر معقول قادرة على إبطاء الشيخوخة وإطالة العمر الصحي. وفي الوقت نفسه فإن الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها يكبرون في العمر وهم ينتظرون.