كيف بدأت الحياة على الأرض؟
تختلف الأرض عن أي كوكب آخر نعرفه لوجود الحياة عليها، وليس بمجرد شكل واحد فقط؛ فالحياة موجودة في مجموعة متنوعة وغنية من الأنواع. ولكننا، كما يوضح مايكل مارشال MICHAEL MARSHALL، ما زلنا لا نعرف ما الذي جعلها تبدأ.
افتح عينيك في أي مكان على الأرض وستجد حياة: سواء كانت يمامة أو تلك الكائنات الحية الدقيقة غير المرئية التي تغطي كل الأسطح. ولكن عندما وُلد الكوكب قبل 4.5 بليون سنة، كان عقيماً. فكيف نشأت الحياة الأولى؟
الجواب المختصر هو أننا لا نعرف. فلو عرفنا، لأمكننا إعادة إنتاجها؛ ولتَمكَّن العلماء من وضع المواد الكيميائية المناسبة في حاوية مُحكمة الإغلاق في ظل الظروف الصحيحة ولوجدوا عندما فتحوها كائنات حية. لم يسبق أن فعل أحد هذا من قبل.
لكن فيما لا نعرف بالضبط كيف بدأت الحياة، فإن لدينا كثيراً من الأدلة.
لنبدأ بأسهل الأجزاء: ممَّ تتكون الحياة ومن أين أتت هذه المكونات؟ تحتوي الكائنات الحية على آلاف المواد الكيميائية: مثل البروتينات والأحماض النووية التي تحمل معلوماتنا الجينية. هذه المواد الكيميائية معقدة، لكننا نعلم حالياً أن الأجزاء المكونة لها تتشكل بسهولة تامة.
نَشرَ الدليلَ الأول على ذلك في العام 1953 كيميائيٌّ شاب يُدعى ستانلي ميلر Stanley Miller. وضع الماء وثلاثة غازات في جهاز زجاجي، محاكياً بحر الأرض الفتية وهواءها. سخَّن ميلر الماء وصعق الهواء كهربائياً لمحاكاة البرق. وفي غضون أيام، أنتج هذا الإعداد حمضاً أمينياً Amino acid، هو جزء بروتيني.
منذ ذلك الحين أجرى العلماء عديداً من الدراسات المماثلة. ففي بحث نُشر في سبتمبر 2020، درس باحثون بقيادة سارة سيمكوك Sara Szymkuć (حالياً رئيسة شركة Allchemy Inc. الناشئة) عشرات التجارب. ووضعوا ‘خريطة’ توضح كيف يمكن تحويل المواد الكيميائية إحداها إلى أخرى. انطلاقاً من ست مواد كيميائية بسيطة، مثل الماء والميثان، تمكنوا من تركيب عشرات الآلاف من المواد الموجودة في الكائنات الحية.
وما يمكن استخلاصه من ذلك أن الأرض الفتية كانت عبارة عن مصنع للمواد الكيميائية البيولوجية. لكن وجود كثير من هذه المواد الكيميائية لا يؤدي بالضرورة إلى نشوء الحياة، كما لا يمكن لكومة من الطوب أن تصير من تلقاء ذاتها منزلاً.
هنا تصير الأمور معقدة، لأن علينا أن نفكر فيما يجعل شيئاً ما حياً. يتلخص الأمر في ثلاثة أشياء. أولاً، يجب على الكائن الحي أن يحافظ على تماسكه، ويحدث ذلك في أكثر الأحيان بسبب وجود طبقة خارجية، وإذا أزيلت هذه الطبقة فإنها تمثل مشكلة فورية. ثانياً، يجب أن يُطعم نفسه، وهذا ينطوي على تفاعلات كيميائية معقدة. وثالثاً، يجب على الحياة أن تتكاثر، وهذا يعني أن تحتوي على جينات يمكنها تمريرها إلى الأجيال التالية.
”المعنى المستخلص من ذلك أن الأرض الفتية كانت عبارة عن مصنع للمواد الكيميائية البيولوجية“
هل يمكن أن يكون لديك شيء واحد منها دون الآخر؟
سيطرت على الأبحاث المتعلقة بأصل الحياة خلال السنوات الخمسين الماضية محاولات إنشاء أحد هذه الأنظمة بمفرده: على سبيل المثال، جزيء وراثي يتكاثر عن طريق نسخ نفسه. وافترض الباحثون أن الأجزاء الأخرى تتبع لاحقاً.
أنا شخصياً أشك في هذا النهج. لا يوجد أي من الأنظمة الثلاثة حياً بمفرده: إنها في حاجة بعضها إلى بعض. إضافةً إلى ذلك، إذا كانت الأرض تضطلع بعمل جيد في صنع كل المواد الكيميائية للحياة، فقد تكون الأنظمة الثلاثة كلها قد تشكلت في الوقت نفسه وفي المكان نفسه. كان من الممكن أن يحدث هذا بسهولة أكبر في مكان محصور، مثل فوهة حرارية Hydrothermal vent في أعماق البحار أو بركة على الأرض.
ما زال من غير الواضح كيف نشأت الحياة بالضبط. ولكن ما كان يوماً ما غامضاً تماماً يبدو حالياً أقل تعقيداً.