أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تحليلتدقيق الحقائق

تفشِّي جدري القردة: إلى أي درجة يجب أن نقلق؟

من غير المرجح أن يتفشى هذا المرض النادر، الموجود بنحو رئيس في إفريقيا، ويتحول إلى جائحة في المملكة المتحدة، لكن يُتوقَّع أن ترتفع الحالات خلال الأسابيع المقبلة.

على الرغم من أننا ما زلنا نواجه جائحة كوفيد19-، فإننا نشهد حالياً علامات تنذر بمرض آخر يظهر في بلدان عدة حول العالم هو جدري القردة. المرض ليس ناجماً عن فيروس جديد (فقد اكتُشف أول مرة في العام 1958)، كما أنه ليس جديداً في المملكة المتحدة (ظهرت منه بؤر صغيرة على نحو متكرر على مر السنين). ومع ذلك فإننا نشهد حالياً انتشاراً أوسع للفيروس مع الإبلاغ عن 100 حالة ونحو 300 حالة مشتبه بها في أكثر من 16 دولة، بما في ذلك 57 حالة في المملكة المتحدة، اعتباراً من 24 مايو 2022. فهل نحن على أبواب جائحة أخرى؟

شهدت السنوات الأخيرة 13 تفشياً في بؤر معزولة لجدري القردة جرى احتواؤها في الغالب في بلد واحد ويمكن إرجاعها إلى السفر من وسط وغرب إفريقيا، حيث يتوطن الفيروس على الأرجح. في مايو ويونيو 2021، شُخصت ثلاث حالات بجدري القردة في المملكة المتحدة لدى أشخاص سافروا إلى غرب إفريقيا. ولكن، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن التفشي الحالي يسير على نحو مختلف، مع وجود عدد أكبر بكثير من الحالات، ومزيد من انتقال العدوى من إنسان إلى آخر ومزيد من الأشخاص الذين أصيبوا بالعدوى خارج إفريقيا.

في وسط وغرب إفريقيا، ينتقل جدري القردة عادةً من الحيوانات المصابة إلى البشر، على الرغم من حدوث بعض حالات الانتقال من إنسان إلى آخر. يذكر مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منهاThe Centre for Disease Control and Prevention أن عدوى جدري القردة تؤدي إلى الإصابة بالحمى والصداع والتعب وتضخم الغدد الليمفاوية، يليها طفح جلدي يتطور إلى بثور (جدري) على الجلد، بما في ذلك الفم والأعضاء التناسلية والعينان أو باطن القدمين.

تظهر عادة أعراض جدري القردة خلال أسبوع إلى ثلاثة أسابيع بعد التعرض، مع استمرار العدوى من أسبوعين إلى أربعة أسابيع. معظم الالتهابات خفيفة نسبياً، على الرغم من أن البثور يمكن أن تكون مؤلمة جداً. ومع ذلك، اعتماداً على السلالة المحددة من جدري القردة، يمكن أن تكون العدوى قاتلة في ما يصل إلى %10 من الحالات، على الرغم من أن معدل الوفيات الحالي للفاشية الحالية أقل ويبلغ نحو %1.

”عزل الأفراد المصابين بطفح جلدي أو بثور فعالٌ جداً في منع انتقال جدري القردة“

 

هل هناك علاج؟

هناك عدد من العلاجات التي أعدت لمكافحة الجدري يُفترض أن تعمل أيضاً ضد جدري القردة، كما يتوافر عديد من اللقاحات الفعالة للأفراد المعرضين لمخاطر عالية للإصابة به. إضافةً إلى ذلك وجدت دراسة أجريت في ثمانينات القرن العشرين في كلية لندن للصحة والطب المداري London School of Hygiene & Tropical Medicine أن التطعيم السابق ضد الجدري يمكن أن يساعد على الحماية من جدري القردة. ولكن توقفت حملات التطعيم الروتينية ضد الجدري في المملكة المتحدة في العام 1971، لذا فإن المناعة العامة تتراجع عاماً بعد عام.

بعد الإصابة بجدري القردة، يمكن أن يكون الطفح الجلدي والبثور شديدة العدوى، وينتقل الفيروس عادةً من خلال الاتصال الوثيق بين الناس. في بعض الحالات، قد ينتشر الفيروس عن طريق الهواء، على الرغم من أن دراسة أجراها باحثون في جنيف تشير إلى أنه أقل عدوى بكثير من كوفيد19-. بغض النظر عن نوع الانتقال، فإن عزل الأفراد المصابين بطفح جلدي أو بثور فعال جداً في منع انتقال جدري القردة.

السؤال الذي يدور في أذهان الجميع هو لماذا يختلف تفشي فيروس جدري القردة الحالي تماماً عن التفشيات السابقة، وما مدى القلق الذي يجب أن نشعر به؟ حتى تاريخ كتابة هذا التقرير، كانت الإجابة هي أننا لا نعرف حالياً سبب اختلاف هذه الفاشية عما عداها.

يسبب جدري القردة ظهورَ بثور على الجلد

من المحتمل أن استئناف حركة السفر والتجمعات الاجتماعية الكبيرة بعد تخفيف قيود كوفيد19- أدت إلى زيادة حالات انتقال جدري القردة في فترة زمنية قصيرة. من الممكن أيضاً أن يكون الفيروس قد تغير أو تحور بطريقة ما تسمح بمزيد من الانتقال، على الرغم من أن البيانات الحالية تشير إلى أن هذه السلالة من الفيروس مشابهة لسلالة غرب إفريقيا التي سببت سابقاً تفشي بؤر صغيرة من المرض. من ناحية أخرى قد تنتشر هذه الفاشية بنحو مختلف بسبب إصابة سابقة بعدوى كوفيد19-. نحن نعلم أن عدوى كوفيد19- يمكن أن تسبب خللاً في نظام المناعة لدينا، وتشير الأدلة الحديثة من دراسة أجراها باحثون أستراليون إلى أن هذا الخلل النظامي قد يستمر أسابيع أو أشهراً بعد الإصابة، حتى في أشخاص لم تعد تظهر عليهم أعراض المرض.
من الممكن أن يؤدي هذا الخلل في التنظيم المناعي Immune dysregulation إلى زيادة القابلية للإصابة بالعدوى أو تسهيل انتقال الفيروس أو تغيير أعراض المرض الإكلينيكي. إذا كانت هذه هي الحال – وهذا ليس مثبتاً بعد – فقد نشهد تفشي مزيد من الأمراض المعدية غير العادية في الأشهر المقبلة.
بغض النظر عن السبب وراء الطبيعة غير العادية لتفشي مرض جدري القردة الحالي، سنشهد على الأرجح مزيداً من الحالات خلال الأسابيع المقبلة. يمكن أن يستغرق الأمر ما يصل إلى ثلاثة أسابيع حتى تظهر الأعراض على المرضى، ويمكن أن ينشروا الفيروس خلال مدة تصل إلى شهر، لذلك سوف يستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن نعرف الحجم الكامل لهذا التفشي ومداه. ونظراً إلى أن جدري القردة ينتشر بنحو أساسي من خلال الاتصال الوثيق مع شخص مصاب بالطفح الجلدي أو البثور، فمن غير المرجح أن تتحول هذه الفاشية إلى وباء أو جائحة جديدين.
ومع ذلك هناك مخاطر على الأفراد، ومن المهم توخي الحذر والحيطة. تحدث إلى طبيبك إذا لاحظت أي طفح جلدي أو بثور على جسمك، وكن حذراً قبل الاتصال الوثيق بالآخرين. وكما هي الحال مع كوفيد19- تذكرْ أن المعلومات المغلوطة والمضللة منتشرة على نطاق واسع، لذا كن حذراً تجاه ما تقرأ على وسائل التواصل الاجتماعي. عوضاً عن ذلك يُستحسن الرجوع إلى المصادر الموثوق بها مثل خدمة الصحة الوطنية NHS.
هذا تفشٍّ جديد وسريع التغير، وقد تتغير المعلومات المتصلة به بسرعة. لذلك يُستحسن البقاء على اطلاع، وتذكَّر أن جائحة كوفيد19- لم تنتهِ بعد، مع إمكان ظهور متحورات جديدة يمكنها الإفلات من جهاز المناعة والحاجة المستمرة للوقاية وأخذ الاحتياطات. لحسن الحظ فإن الإجراءات التي توقف انتشار كوفيد19- ستوقف أيضاً انتشار جدري القردة.


د. جيريمي روسمان Dr. Jeremy Rossman

جيريمي محاضر فخري في علم الفيروسات بجامعة كنت University of Kent

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى