ليس أول ميتافيرس أصادفه
قد يكون الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك Facebook، مارك زوكربيرغ Mark Zuckerberg، يزداد تحمساً للميتافيرس، لكن الفكرة ليست جديدة.
في عدد من الأعداد، ملأت المساحة القيِّمة المخصصة لمقالتي لتوقع ما سنكون مهووسين به خلال العام 2022. لقد أثبتُّ بالفعل أنني عرافة رديئة، لأن ما كان يجب أن أعرف أنه آتٍ كان واضحاً جداً، لكنني تجاهلت كل الإشارات. كيف لم أتوقع الميتافيرس Metaverse؟
”تروِّج شركات التكنولوجيا الكبرى لها عبر بيانات صحافية قوية وعبارات حماسية وتعليقات طنانة“
ربما سمعتم هذه الكلمة أخيراً، وربما يسمعها بعضكم أول مرة. إذ تروِّج شركات التكنولوجيا الكبرى لها عبر بيانات صحافية قوية وعبارات حماسية وتعليقات طنانة. باختصارٍ الميتافيرس هو واقع افتراضي Virtual reality موجود في طبقة فوق ما هو العالم المادي، ولكنه يعكس ويكرر الأشياء التي نحتاج إليها في المجتمع لكي يعمل: الاقتصادات، والتسلسل الهرمي، والأنظمة القضائية، وما إلى ذلك. بعبارة أخرى، هو ما نفعله حالياً، لكنْ في فضاء الإنترنت باستخدام أفاتارات (صور رمزية) Avatars وسماعات الواقع الافتراضي VR والواقع المعزَّز Augmented reality.
قد يكون سبب عدم رؤيتي أنه قادم سبباً بسيطاً جداً. فهذا ليس الميتافيرس الأول بالنسبة إليَّ. إنه ليس حتى الثالث. يظهر ميتافيرس في كل مرة تُستنبط فيها طريقة جديدة للتفاعل مع التكنولوجيا. وهذه ليست مشكلة في حد ذاتها. لكنها توضح ببساطة أننا نعاني مشكلات الذاكرة قصيرة المدى.
تقترب كل صورة جديدة للميتافيرس من التعريف الأصلي (المتصل بالديستوبيا Dystopian) الذي صاغه أول مرة المؤلف نيل ستيفنسون Neal Stephenson في روايته الرائعة تحطم الثلج Snow Crash في العام 1992. دفع الأشخاص الذين سكنوا مجتمع لامدامو LambdaMOO عبر الإنترنت في تسعينات القرن العشرين حدود التعامل مع السلوك الاجتماعي غير المقبول في ساحة لعب مجتمعهم غير السلطوية القائم على النصوص Text-based playground؛ وأسس المهندسون المعماريون- الذين صمموا مشهد العوالم النشطة ActiveWorlds الافتراضية ثلاثية الأبعاد 3D- حدود مساحة الخادم Server والسلوك المقبول؛ ومن ثم عمل الرأسماليون- الذين نزلوا إلى العالم الافتراضي الحياة الثانية Second Life في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين- على تصفية الحساب مع الأنظمة الضريبية، ومرة أخرى، مواجهة السلوك غير المقبول. الناس سوف يسيئون التصرف دائماً! تناول كل ميتافيرس هذه ”المشكلة“ بسذاجة وبتفاؤل، معتقداً أنه حل مشكلات السلوك البشري، لكن لا تنقصنا سبل تقويض الأمور.
غيرَ أن أياً من هذه الأمثلة التي أوردتها ليست ميتافيرسات افتراضية بالمعنى الحقيقي للكلمة، لأنها جميعها مملوكة لشركات منفردة تحرص بشدة على حماية ملكيتها الفكرية، وتبني حدائق مسوَّرة للمستقبل. كما أنها ليست منفصلة عن الفضاء المادي إذ يتعين عليها العمل ضمن حدود الولايات القضائية التي يُقيم فيها عملاؤها فعلياً. ستفعل الميتافيرسات التي تعد بها فيسبوك ومايكروسوفت Microsoft الشيءَ نفسه. الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو: ما الحدود التي سيجدون أنفسهم يواجهونها؛ والأشياء التي سنرفضها لأننا لا ندرك ما هو مهم بالنسبة إلينا إلى أن نفقده. إن وضع سماعة رأس الواقع الافتراضي VR ومصافحة صورة تشخيصية رمزية تديرها أمٌّ عزباء من إلينوي داخل رسم ثلاثي الأبعاد لشارع في المدينة يتخيله فوضوي (مناهض للسلطة) Aanarchist من أنغولا هو أمر رائع، ولكن كما رأينا من قبل، هذه طريقة واحدة فقط لاستخدام التكنولوجيا. الطرق الباقية قد لا تكون مقبولة.
الميتافيرسات مثيرة للحماس. إنها تجعلنا نعتقد أنه يمكننا الإبداع بطرق رائعة وغير متوقعة. لكنها صناديق رمل Sandboxes تكنولوجية ذات حدود ترسمها قيود ما نستخدمه للوصول إليها. وفيما تزداد الأمور تعقيداً، كن متحمساً للإمكانات. ولكن لا تضع ثقتك في الوعود الحالية. لن يصلنا الميتافيرس في وقت قريب.